نشوء الشركات العائلية واندثارها (4)

تقدم القول بأن مستقبل الشركات العائلية بعد الجيل الأول سيكون محفوفا بمخاطر وتحديات تتعلق بالتنافس والصراع على الثروة والسلطة بين أفراد العائلة، وباحتمال عدم قدرة الورثة على التطوير والتجديد، وهي مخاطر كفيلة بتهديد الشركات العائلية بالانهيار والتلاشي، إن لم يبادر أصحابها بالأخذ بترتيبات قانونية مسبقة، عن طريق الاستعانة بأهل الخبرة والمستشارين المتخصصين، سواء أكانوا من داخل العائلة أو من خارجها.
لقد غدا واضحا لدى كثير من المختصين والمسؤولين الحكوميين أن الشركات الفردية والعائلية، وهي الشكل الأقدم والأكثر انتشارا ضمن كل الشركات التجارية، هي المصدر الرئيس لصنع الثروة وتوفير الوظائف في مختلف الأنظمة الاقتصادية المتقدمة والناشئة على حد سواء. ففي مجتمعنا تسيطر العائلات على 95 في المائة من النشاط التجاري، بيد أن 1 في المائة منها فقط تدار من خلال شركات مساهمة، بينما أغلبيتها (نحو 67 في المائة) تدار من خلال شركات ذات مسؤولية محدودة، ونحو 23 في المائة منها تعمل تحت مظلة الشركات التضامنية، بينما تمارس نحو 9 في المائة منها أنشطتها من خلال شركات توصية بسيطة. ومع أن نسبة الشركات المساهمة قليلة جدا، إلا أن للشركات العائلية التي تحولت إلى شركات مساهمة عامة تجارب ناجحة حتى الآن كشركات: الزامل، الراجحي، جرير، وفتيحي.
وذكرت في المقالات السابقة أنه لا توجد طريقة واحدة صالحة لكل الشركات لحمايتها من مخاطر التصدع, لكن الشركات العائلية الكبيرة ستجد نفسها أمام أحد خيارين: إما القيام بإعادة شاملة لهيكل الشركة، وإما التحول إلى شركة مساهمة عامة. وميزة الخيار الأول أنه يسمح للملاك بالإبقاء على الملكية داخل العائلة، أما الآخر فيسمح بدخول ملاك من خارج العائلة, لكنه يمنحها مزايا الشركات المساهمة. وتكلمت سابقا عن هذين البديلين، ويبقى الآن أن أشير إلى خيارين آخرين ربما يناسبان بعض الشركات. الأول الاندماج مع شركات أخرى، والآخر الدخول في تحالفات استراتيجية.
أما الاندماج مع شركات محلية فقد يكون مناسبا لبعض المؤسسات العائلية متوسطة الحجم، حيث إنه يزيد قدرتها على تطبيق قواعد الإدارة الحديثة، والأخذ بأحدث التطورات التقنية، وتوسيع قدرتها التنافسية، فضلا عن تنويع قاعدتها الإنتاجية. كما يسمح لها أيضا بالانتشار وتغطية أسواق جديدة محلياً ودولياً، ومن ثم الاستفادة من اقتصاد الحجم الكبير، سواء من حيث تخفيض تكاليف التشغيل أو الحصول على ميزات خاصة في معاملاتها المالية والمصرفية والتأمينية. ومن أمثلة هذه الاندماجات الناجحة، اندماج سلسلة (سوبر ماركات) المخازن الكبرى مع سلسلة بندة.
وفي المقابل، ربما وجدت شركات عائلية أنها تحتاج إلى عقد تحالفات استراتيجية مع شركات أخرى لتحقيق أهداف معينة لمصلحتها على الأجلين الطويل وقصير المدى. وهو إجراء يعزز قدرة الشركة إدارياً وتقنياً، ويفتح لمنتجاتها آفاقا أوسع في الأسواق المحلية أو الدولية دون أن يحملها تكاليف إنشاء فروع، سواء أخذ هذا التحالف صيغة مشروع مشترك، أو صيغة تعاقد من الباطن، أو كان تحالفا تسويقيا أو تقنيا علميا.
إن إقدام الشركات العائلية, خاصةً ذات الرساميل الكبيرة, على الدخول في شراكات استراتيجية مع الشركات الأم التي أخذت منها توكيلا تجارياً، يمكنها لاحقا من المساهمة في تطوير هذا المنتج المستورد، أو الاستثمار في أفكار جديدة، أو ربما شراء (براءات الاختراع)، كي تنتج سلعاً أو خدمات تحمل علامةً تجاريةً خاصةً بها، خاصة أن مثل هذه العمليات تتطلب توافر قدرات مالية وكفاءات إدارية وأخرى بحثية علمية تفتقدها كثير من الشركات العائلية في مجتمعنا. ومن أمثلة ذلك نجاح شركة باسمح (وهي من كبريات الشركات المتخصصة في استيراد المواد الغذائية) في صنع علامة تجارية خاصة بها.
لكن في كل الأحوال، سواء أخذت بعض الشركات العائلية بفكرة الاندماج أو التحالف، فإنه يجب عليها التأكد من أن أيا من هذين الخيارين سيتضمن تطوير الشكل القانوني للشركة, بحيث يتم تعيين حقوق وواجبات أفراد العائلة مع الشركة الجديدة بدقة ووضوح. في المقال القادم سأستعرض ـ بحول الله - بعض المداخلات والأفكار التي وصلتني عبر بريدي الإلكتروني من بعض المتخصصين ومن رجال أعمال أعضاء في شركات عائلية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي