متطلبات وتدابير سياسة تحسين كفاءة استخدام الطاقة

الطلب العالمي على الطاقة يتزايد بشكل ملحوظ، بصورة خاصة في البلدان النامية والاقتصادات الناشئة بسبب التطور الصناعي والنمو الاقتصادي السريع، تشير الدراسات إلى أن أكثر من 20 في المائة من الاستخدام النهائي للطاقة في القطاع الصناعي وحده تضيع بسبب عدم الكفاءة في استخدام الطاقة. لذلك الاهتمام العالمي بموضوع تحسين الكفاءة في استخدام الطاقة بدأ يتزايد، حيث احتل هذا الموضوع في الآونة الأخيرة مكان الصدارة على جداول أعمال السياسيين ورجال الأعمال في المحافل السياسية والاقتصادية العالمية.
النمو الاقتصادي السريع المتوقع في البلدان النامية والاقتصادات الناشئة على المدى البعيد، يعطي هذه البلدان دافعا إضافيا قويا لموضوع كفاءة استخدام الطاقة. إن الدول الناشئة والبلدان الصناعية التقليدية على حد سواء تدرك تماما أن زيادة التركيز على كفاءة استخدام الطاقة شرط أساسي ومهم لاستيعاب الحجم الكبير المتوقع من النمو الاقتصادي والنمو في استهلاك الطاقة. إن مصطلح ''كفاءة الطاقة'' هو زيادة كفاءة استخدام الطاقة عن مستوى الوضع الراهن، إن كفاءة استخدام الطاقة تعني الحصول على الفائدة نفسها مع استخدام كميات أقل من الطاقة، أي الحد من الطاقة المستخدمة التي تتطلبها العملية من دون تغيير في الطاقة المنتجة، سواء من حيث النوعية أو الكمية.
في معظم دول العالم كمية الطاقة المستخدمة لكل وحدة من الناتج المحلي الإجمالي تناقصت باطراد بنسبة 1.6 في المائة في المتوسط سنويا بين عامي 1990 و2006، حسب دراسة مجلس الطاقة العالمي WEC. الصين شهدت تحسنا كبيرا في كفاءة استخدام الطاقة بين عامي 1990 و2000 في حدود 7.5 في المائة سنويا، نتيجة لعوامل عدة، منها زيادة كفاءة استخدام الفحم، التحول من الفحم إلى النفط، إعادة هيكلة الصناعة وارتفاع أسعار الطاقة. لكن بعد عام 2000 تباطأ هذا الاتجاه بصورة كبيرة إلى نحو 1 في المائة. باستثناء الصين هناك تسارع في تحسين كفاءة استخدام الطاقة على المستوى العالمي منذ عام 2000 بسبب ارتفاع أسعار النفط بعد عام 2005. تحسين كفاءة استخدام الطاقة في معظم دول العالم منذ عام 1990 أسفر عن توفير في الطاقة يقدر بنحو 4.4 غيغاطن نفط مكافئ عام 2006، وفي الوقت نفسه حجبت نحو عشرة غيغاطن من انبعاث غاز ثاني أوكسيد الكربون، الصين شكلت نحو 50 في المائة من هذا التحسن، أمريكا الشمالية 20 في المائة وأوروبا 10 في المائة، بعبارة أخرى، لو بقيت التقنيات والبنى الاقتصادية في المناطق الرئيسة في العالم على حالها عام 1990، لاستهلك العالم 4.4 غيغاطن نفط مكافئ من الطاقة أكثر عام 2006.
قبل الدخول في متطلبات سياسة تحسين كفاءة استخدام الطاقة سنتعرف على مصطلح سياسات كفاءة الطاقة. إن سياسة كفاءة الطاقة، وفقا لمجلس الطاقة العالمي WEC، هي جميع التدخلات والأنظمة الحكومية التي تهدف إلى تحسين كفاءة استخدام الطاقة في بلد ما، من خلال التسعير الملائم لمصادر الطاقة ووضع الأنظمة والحوافز المالية أو الاقتصادية من قبل مؤسسات متخصصة.
هناك عدد من الطرق يمكن من خلالها تصنيف متطلبات أو أدوات سياسة تحسين كفاءة استخدام الطاقة، اعتمادا على النهج والهدف من هذا التصنيف، وفيما يلي نبذة مبسطة عن التصنيفات المستخدمة بصورة عامة من قبل المجلس العالمي للطاقة WEC، وكالة الطاقة الدولية IEA، منظمة التعاون والتنمية OECD، وغيرها.
المتطلبات التشريعية: الهدف من استخدام الأدوات التشريعية هو تنفيذ القوانين والأنظمة والتشريعات التي تحكم سلوك المستهلك من قبل المؤسسات الحكومية على المستوى الوطني أو المقاطعة أو المحلي. هناك ثلاثة أنواع من المتطلبات التشريعية:
القوانين واللوائح: يحدد القانون القواعد القانونية التي تحكم تنفيذ نشاط معين، عملية أو منتج معين وما إلى ذلك، من جهة أخرى تدعم اللوائح القوانين من خلال تحديد الكيفية التي ينبغي من خلالها تنفيذ القانون. إيجاد إطار تنظيمي مناسب مع قانون لتحسين كفاءة استخدام الطاقة وبرامج وطنية ذات أهداف محددة لتنفيذ القانون والوصول إلى الأهداف، يمكن أن توفر سياقا طويل الأمد لسياسات تحسين كفاءة استخدام الطاقة وتجنب الأثر السلبي لـ''إيقاف وبدء'' الإجراءات.
المعايير أو المقاييس: تقدم المعايير الدعم التقني والملاحظات الفنية لتنفيذ التصاميم حسب المعيار، على سبيل المثال المعايير لمعدات الطاقة المستخدمة في الصناعة أو معايير البناء.
قوانين أو مصطلحات Codes التطبيق: تقدم القوانين المشورة العملية والتوجيهات بشأن كيفية الامتثال للتشريع، على سبيل المثال قانون بناء Building Code. جميع الدول الأوروبية ومعظم دول منظمة التعاون الاقتصادي لديها معايير محددة لكفاءة استخدام الطاقة لجميع المباني الجديدة. وقد أنشأت بعض البلدان غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية خارج أوروبا أخيرا معايير لمباني الخدمات.
الأدوات والوسائل الاقتصادية: الهدف من استخدام الأدوات الاقتصادية هو إعطاء مكافآت اقتصادية أو إضافة تكاليف، وهذه تأتي في عدة أشكال وصور، بما في ذلك:
الوسائل المالية: مثل الضرائب والرسوم التي يمكن أن تفرض على المنتجين والمستهلكين على حد سواء في عملية الإنتاج. ومن الأمثلة على ذلك فرض ضرائب على انبعاث الغازات الدفيئة، الرسوم المفروضة على الوقود ورسوم مرافق الطاقة. تخفيضات ضريبية أو سماح على المعدات ذات الكفاءة في استهلاك الطاقة أو على الاستثمارات في مجال الطاقات النظيفة ذات الكفاءة.
الدعم أو الإعانات Subsidies: لتشجيع الاستخدام الأكثر كفاءة والأقل تلويثا، مثل إعطاء المنح والقروض الميسرة والتخفيضات الضريبية. ينظر إلى هذه الإعانات كتدابير مؤقتة لتعبئة المستهلكين لنمط معين من الاستهلاك، للإعداد للوائح جديدة أو لتعزيز تقنيات كفاءة الطاقة من خلال خلق سوق أكبر، وذلك بهدف خفض تكاليف تقنيات الطاقة العالية الكفاءة المدعومة.
حقوق الملكية والتداول التجاري: توفير حقوق ملكية آمنة ومحددة جيدا على الموارد، التي قد تكون أو لا تكون قابلة للتداول، على سبيل المثال، الحق في الأرض والمياه، التراخيص التي تسمح باستخدام مناطق جغرافية معينة أو الوصول إلى المرافق، حقوق لتطوير الموارد، مثل العثور على موارد طاقة طبيعية. يمكن أن تظهر أيضا حقوق الملكية في خلق سوق للمنتجات الصديقة البيئية، على سبيل المثال تراخيص الانبعاث القابلة للتداول.
السندات واسترداد الودائع المالية: لضمان تشجيع الشركات العاملة في شتى المجلات للحد من الأضرار البيئية، والتأكد من امتلاكها الموارد المالية الكافية لإجراء أعمال التجديد والصيانة. حيث يتم إرجاع هذه السندات عند استيفاء متطلبات الأداء البيئي المطلوب. وتهدف خطط رد الودائع إلى تشجيع مستخدمي المنتجات، التي من المحتمل أن تكون لها منتجات جانبية ملوثة، على التخلص منها بطريقة معقولة، عن طريق إعادة الودائع عند التخلص منها.
نظم المسؤولية Liability: حيث تسعى الحكومات من خلال هذه النظم إلى تحديد وتمكين تطبيق المسؤولية القانونية عن الأضرار التي تلحق بالبيئة والأفراد، أو المحاكمة على عدم الامتثال للقوانين والأنظمة أو لدفع الضرائب والرسوم والمبالغ المستحقة. تسعى أيضا إلى تجميع ومشاركة المسؤولية في المخاطر من خلال بوالص التأمين المشتركة.
الأدوات والوسائل الطوعية: الهدف من استخدام الأدوات الطوعية هو لجعل الأخلاق تتحكم في السلوك الذي يقوم على أساس وجود إرادة لتغيير السلوك الفردي لمصلحة المجتمع بأكمله. وهناك أنواع لا تحصى من الأدوات الطوعية، بما في ذلك:
الاتفاقيات الطوعية: حيث تشمل هذه الاتفاقيات التزاما من قِبل الشركات للمشاركة في ترشيد استهلاك الطاقة بشكل أو بآخر، إما من خلال المراقبة الطوعية، التدقيق وإعداد التقارير، وإما بوضع العلامات على المنتجات والمعدات أو تحقيق أهداف معينة من الانبعاث على سبيل المثال. الاتفاقات الطوعية قد تشمل أيضا المواثيق بين الحكومة وشركات القطاع الخاص أو قطاعات صناعية أو خدمية معينة.
البرامج والمشاريع: تهدف إلى زيادة كل من الوعي العام والمهارات التقنية والدراية الفنية للعاملين في قطاع معين. من الأمثلة على ذلك، المشاركة في مشاريع مع عدة أطراف وجهات، إنتاج كتيبات، مجلات، كتب ومواقع على شبكة الإنترنت، مشاريع نموذجية والبرامج التدريبية. قد يشمل ذلك أيضا تطوير الجمعيات والمراكز، التركيز على الرصد، تعيير، تدقيق، وضع العلامات، التعليم، جمع البيانات والتنسيق وتسهيل الخدمات المعلوماتية من بين أمور أخرى.
البحث والتطوير: ويشمل الأبحاث وتطوير تقنيات جديدة، مثل معدات منخفضة الانبعاث، تقنيات صناعية لتحسين استخدام الحرارة الضائعة وتقلل استهلاك الطاقة.
بعض تدابير سياسة ترشيد استهلاك الطاقة أو تحسين كفاءة الاستهلاك تعمل بصورة جيدة ويمكن اعتبارها ناجحة، لكن النظم التجارية تلعب دورا أكبر في هذا المجال.
هذا وقد ثبتت فاعلية القوانين والتعليمات على الأجهزة المنزلية والمباني في ترشيد استهلاك الطاقة وتحسين الكفاءة. الاتفاقات الطوعية أو التفاوضية أدت أيضا إلى تحسين كفاءة استخدام الطاقة، خاصة في القطاعات الصناعية ذات الاستهلاك العالي للطاقة، في السيارات وفي بعض الأجهزة الكهربائية (مثل الغسالات في أوروبا). الإعفاءات الضريبية أظهرت أيضا نتائج جيدة في تنشيط أسواق الطاقات المتجددة وتحسين كفاءة الأجهزة التي لم يكن ممكنا شراؤها من قبل المستهلكين من دون هذه الحوافز المالية.
في مقالة لاحقة سنتطرق إلى مجموعة من السياسات العامة لتحسين كفاءة الطاقة وإلى بعض سياسات الدول في مجال ترشيد الاستهلاك وتحسين كفاءة استخدام الطاقة.
تنويه: المقال يعبر عن رأي الكاتب الشخصي وليس بالضرورة أن يمثل رأي الجهة التي يعمل فيها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي