من الواجب تجنب الروتين والبيروقراطية الإدارية المعطلة

إن الذي دفعني إلى كتابة هذا المقال بشأن تجنب الإجراءات الروتينية والبيروقراطية الإدارية المعطلة, هو تكرر ما ألاحظه من إجراءات روتينية وبيروقراطية إدارية تكون سبباً في بطء وتعطيل ممل في إنجاز المعاملات وإنهاء متطلبات العمل السريع في وقت توافرت فيه كل وسائل التطوير من تقنية متنوعة منها استعمال الحاسب الآلي والإنترنت وغيرهما, وأصبح كل مراجع يحسب أن هذا قد حقق الحكومة الإلكترونية بحيث ينجز العمل المطلوب لكل مواطن أو مقيم من دون الحاجة إلى الحضور عبر وسائل خدمة الإنترنت, لكن هذا لم يتحقق إلا بشكل بسيط, وفي حالات محدودة جداً، ويطول الحديث عن ذلك, لكن الغاية من الدعوة هي الاستفادة من التقنية بشكل أكبر, وتجنب الروتين العقيم والبيروقراطية الإدارية غير المفيدة التي تكون سببا في تعطيل الإنجاز بسبب إيجاد معوقات ـــ اجتهادية ـــ تكون السبب الرئيس في تراكم الأعمال, وإشغال المراجع وجهات أخرى بأعمال غير لازمة ولا مهمة، وحتى لا يقال إن ما قلته كلام مرسل غير معزز بدليل, أو مجرد توقعات واحتمالات غير حقيقية, أورد مثالا واحدا, وهو ما أبداه المعقب من أن موظف الجوازات رفض إنهاء إجراءات استخراج إقامة لعاملة المنزل لأن الوكالة منتهية رغم أنها غير محددة المدة, وعندما ناقشت المعقب حول عدم صحة ما قاله موظف الجوازات لأن الوكالة الشرعية طالما كانت سارية المفعول لا يمكن لأحد أن يعطل العمل بها, وهذا أمر واضح حتى للشخص العادي, فضلا أنه قد دون في أسفل الوكالة (ملاحظة: هذه الوكالة سارية المفعول ما لم تحدد مدتها أو تفسخ من أحد الطرفين أو يموت أحدهما أو ينتهي العمل الموكل فيها), ورد على مناقشتي له بأن الموظف لم يسمع منه أي نقاش في حالة مماثلة قائلا له إن هناك تعميماً يؤكد أن الوكالة لمدة سنة فقط, ولا أدري عن مدى صحة هذا القول بصدور تعميم يقضي بتحديد الوكالة بسنة رغم أن الموكل لم يحدد لها مدة محددة, وجاءت بصيغة الإطلاق, والقاعدة العامة الشرعية تقضي بأن (المطلق يؤخذ بإطلاقه ما لم يرد ما يقيده) أي من الموكل أو للأسباب المنوه عنها في ملاحظة كتابة العدل سالفة الذكر, وإزاء ما قاله لي المعقب، وخشية تأخر استخراج رخصة الإقامة المطلوبة, وما يترتب على التأخير من توقيع غرامة يكون الموظف قد تسبب فيها لرفض إنهاء إجراءات استخراج رخصة الإقامة, اضطررت إلى الذهاب إلى كتابة العدل لاستصدار وكالة جديدة, وسألت كاتب العدل عن مدى صحة ما قيل للمعقب من أن هذه الوكالة منتهية رغم عدم تحديد المدة لسريانها, فقال ـــ بكل أسف ـــ إن أجهزة وزارة الداخلية هي التي يُقال لنا إنها تقول الوكالة لمدة سنة, فقلت له حدد الوكالة الجديدة بخمس سنوات خشية أن يكون عدم تحديد المدة هو السبب إن صح أن هناك تعميماً كما ذكر المعقب نقلا عن موظف الجوازات, وقد تم فعلا إصدار الوكالة الجديدة التي آمل أن يعمل بها خلال الفترة المحددة.
ولاستغرابي الشديد مما حصل, وقيل إنه يحصل لغيري، وما ينجم عنه من تعطيل لا يمكن أن يوصف إلا بالروتين العقيم والبيروقراطية الإدارية المعطلة الضارة، والمكلفة للأفراد وكتاب العدل وموظفيهم, فقد رأيت أن من واجبي أن أكتب مقالا صحافيا عما سمعته وشاهدته باعتبار الصحافة هي السلطة الرابعة, وذلك من أجل توضيح ما حصل, وإبداء وجهة نظري بأن من الواجب على كل مسؤول وموظف أن يعامل الناس بما يحب أن يعاملوه به, وأن يحرص كل الحرص على أن يؤدي واجبه بصدق وأمانة وإخلاص وتفان, ويراقب الله في كل أعماله, ولا يتسبب في تعطيل العمل لأي سبب كان ما لم يكن مخالفا للشريعة الإسلامية والأنظمة المعمول بها, وأن يتحرى الدقة المتناهية في أداء الواجبات, فذلك عمل الإنسان المسلم الحقيقي الذي لا يخاف إلا من الله العزيز الجبار الذي يحاسب الإنسان عن كل تقصير, أو إهمال أو إخلال بالأمانة لأن (الدين المعاملة) الحسنة بالوفاء بالواجبات, والتعامل الصادق الأمين, فالإنسان لا يكون مسلماً بالمظاهر دون النوايا الحسنة, والرقابة الذاتية بالخوف من الله العالم بالخفايا, وما تخفي الصدور, والذي أرجوه من كل من يقرأ هذا المقال أن يحاسب نفسه قبل أن يحاسب, أن يتعظ بكل نصح يزجى له, والكل يعرف أن الحكومة الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين ونائبه ولي العهد والنائب الثاني يحثون في كل مناسبة على إنجاز الأعمال والخدمات للمواطنين والمقيمين بسرعة وحسن أداء, وبالطرق الميسرة دون تأخير أو تهاون أو تكاسل, بل سنت الأنظمة التي يحسن تطبيقها بما يكفل تحقيق كل ما من شأنه السرعة والإتقان في الإنجاز والعمل الدؤوب, ومن ذلك استعمال التقنية الحديثة, لتكون حكومة إلكترونية منجزة متقنة بعيدة عن الإجراءات الروتينية العقيمة، والبيروقراطية الإدارية المعطلة غير النافعة والمضرة بأصحاب المصالح والمراجعين لإنجاز ما يرغبون في إنجازه من أعمال وخدمات, ووفرت الإمكانات التي تكفل تحقيق هذه المقاصد والغايات, ولم يبق إلا أن يرى المواطنون والمقيمون التنفيذ الحقيقي بإخلاص, وأمانة وصدق من المسؤولين والموظفين والعاملين كل في مجال اختصاصه ومسؤولياته.
ولو صح ما نسب إلى موظف الجوازات من أن هناك تعميماً صادراً من مسؤول في وزارة الداخلية بتحديد مدة الوكالة بسنة واحدة, أو أن الوكالات غير محددة المدة لا تقبل إلا لسنة واحدة فقط, فإن هذا إجراء اجتهادي غير موفق, إذ لو برر هذا الإجراء بأنه حماية للموكل من أن يسيء الوكيل استخدام الوكالة لمصلحته في إنهاء إجراءات استقدام عمالة باسم الوكيل لمصلحته, وما يستتبع ذلك من إجراءات أخرى, فإن هذا يمكن أن يحصل خلال السنة المحددة في التعميم, وبالتالي لا يمكن القضاء على التلاعب, والخيانة التي تحصل من الوكيل غير النزيه, ولذا قد يحصل اجتهاد آخر أشد تعقيداً بجعل الوكالة لاستقدام عامل أوعاملة أو مجموعة عمالة لمرة واحدة, وكلما أراد أحد استقدام عمالة أن يعمل وكالة جديدة لهذه الحالة وهلم جرا, وهذا هو الروتين العقيم والبيروقراطية الإدارية المعطلة والمكلفة التي من الواجب تجنبها بتسهيل الإجراءات وتيسير كل الأعمال بإتقان ودراية ووعي وإدراك بوكالة واحدة طالما أنها غير محددة المدة, وعلى الوكيل أن يتحمل أي تجاوزات تحصل من الوكيل, إذ من واجبه ألا يوكل إلا شخصاً يثق بأمانته وإخلاصه وصدقه في التعامل المُوكل له, وهذا ينطبق على كل الحالات المماثلة في التوكيل, فإن رأى الموكل إنهاء الوكالة, فيجب سحبها من الوكيل, وإنهاء العمل بها بمراجعة كتابة العدل للتهميش بإلغاء العمل بها, وهذا الذي قلته على احتمال صحة ما ذكر عن التعميم.
والدعوة إلى تجنب الروتين العقيم والبيروقراطية الإدارية غير المفيدة تعد واجباً من واجبات العمل في كل الجهات الحكومية والمؤسسات العامة فيما تقوم بها من أعمال, وما تقدمها من خدمات دون استثناء, والاستفادة من التقنية الحديثة في سرعة الإنجاز وإتقانه.
لما تقدم ذكره فإني بحكم المواطنة ومسؤولياتها, فإني ألتمس من النائب الثاني وزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز ونائبه الأمير أحمد بن عبد العزيز ومساعده الفتي الأمير محمد بن نايف أن يوجهوا ويحثوا كل المسؤولين في وزارة الداخلية على أن يراقبوا إنجازات وأعمال الموظفين بعناية بما يكفل سرعة وإتقان الأعمال والخدمات, وعدم تعطيل العمل بإجراءات روتينية عقيمة غير مفيدة, أو اتباع إجراءات بيروقراطية إدارية تتسبب في تعطيل وتأخير إنجاز العمل كإصدار تعليمات أو تعاميم تخالف القواعد الشرعية العامة بمثل ما سمعته من المعقب من أن الوكالة تكون سنوية, إن صح ما ذكره له الموظف الذي رفض إنهاء إجراءات إصدار رخصة الإقامة بحجة أن الوكالة منتهية رغم أنني لم أقيدها بمدة محددة, وغير ذلك مما يحصل, ويكون سبباً في عدم سرعة الإنجاز, والاهتمام باستخدام كل وسائل التقنية الإلكترونية التي تمكن من سرعة وإتقان الأعمال والخدمات, وهذا ما نأمله من الوزراء والمسؤولين في الوزارات والجهات الحكومية الأخرى, والله أسأل أن يوفق كل المخلصين في الوفاء بالتزاماتهم, وأداء الواجبات على خير ما يرام إنه سميع مجيب, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي