تجاوب واستجابة لتعليقات المتداخلين على مقال «البيروقراطية» (1من 2)
الحمد لله رب العالمين الواهب الرازق الموفق، والصلاة على خير البرية الحاث على عمل الخير بما يستطيع.. وبعد لقد سعدت بالتعليقات والمداخلات على مقالي المنشور في هذه الصحيفة بعنوان (من الواجب تجنب الروتين والبيروقراطية الإدارية المعطلة)، وذلك يوم الأحد 10/10/1431هـ الموافق 19/9/2010 م، وهذا التجاوب إن ـ سلباً أو إيجابا ـ يعد فاتحة خير، وتوجها واعيا لكل دعوة فيها إصلاح وتطوير مهما كان حجمه ومغزاه، وأهدافه، وأنا أعتبره عوناً لي فيما أقصده وأبتغيه من حمل رسالة الكتابة التي أقصد بها الإصلاح والتطوير بما أستطيع، وما التوفيق إلا بالله العزيز الحكيم.
وفي البداية أسأل الله أن يوفقني أن أقول كلمة الحق، والرأي الصائب في نقاشي وحواري مع المتداخلين والمعلقين بما فيه المصلحة العامة، وبما يحقق الأهداف النبيلة بكل صدق وحياد وتجرد من المصالح الذاتية، والغرض الخاص والهوى والعواطف، وما أريد إلا الإصلاح ما استطعت.
والمداخلات والتعليقات التي سأتحاور وأتناقش مع من أبدوها سواء كانت شفوية أو مكتوبة عديدة، ولعلني أتمكن من تغطية أكثرها في مقالين، والتي أرى أن الحوار والنقاش فيه فائدة للقارئ سواء كان شخصاً عادياً أو مسؤولاً فأقول وبالله التوفيق:
1 ـ مداخلة شفوية من صديق عزيز مثقف، وذي تأهيل عال أثق بقوله، قال لي هل تعلم أنني في كل مرة أرغب فيها استقدام عمالة، أو إنهاء إجراءات نظامية أعمل وكالة جديدة، وذلك لأن موظف الجوازات يأخذ أصل الوكالة وليس صورتها مما أضطر إلى عمل وكالة جديدة، وقد استغربت ما قاله، وقلت له إنني في مقالي أبديت الخشية من أن تصل الإجراءات الروتينية والبيروقراطية الإدارية المعطلة إلى ما تقوله لي الآن عندما قلت: (..، ولذا قد يحصل اجتهاد أشد تعقيداً يجعل الوكالة لاستقدام عامل أو عاملة أو مجموعة عمالة.. بوكالة جديدة وهلم جرا..)، وقلت له هذا مستغرب جداً، وإن الذي أعرفه من الممارسات العملية أنهم قالوا لسنة واحدة حتى بالنسبة للوكالة غير محددة المدة (المطلقة)، وهذا كان محل استغراب دفعني لكتابة مقالي المنشور، فقام بالاتصال بالمعقب يسأله عما نحن نتناقش فيه، فقال له إن الوكالة (أو التفويض) الذي يؤخذ أصله هو المحرر من الوكيل والمصدق على صحة توقيع محرر الوكالة أو التفويض من الغرفة التجارية الصناعية، أو من جهة العمل سواء كانت حكومية، أو من القطاع الخاص، وليس الوكالة الصادرة من كتابة العدل، وهذا الذي قاله من الناحية القانونية لا يوجد مبرر للتفرقة بين الوكالتين لمجرد إخلاف محررها وجهة التوثيق، ولذا يمتد بي النقاش والحوار الموضوعي لأقول إذا كان ما حصل هو اجتهاد من الوكيل أو من موظف الجوازات، فلا ينبغي أن يحصل إلا إذا كانت الوكالة محددة لحالة واحدة، إذ إن الذي أعرفه من خلال الممارسات العملية أنني أحرر الوكالة غير محددة المدة من مكتبي الخاص (للمحاماة والاستشارات القانونية) وتصدق على صحة التوقيع، وتسلم للمعقب لتبقى معه ينهي بها إجراءات نظامية في جهات متعددة من جوازات ومرور ومكتب عمل غيرها بتقديم أصل الوكالة وصورة معها تصدق الصورة بالمطابقة للأصل، ويعاد الأصل للوكيل، وكذا كان يتم ذلك عندما كنت عضواً في مجلس الشورى، إذ تصدق الجهة المخولة على صحة التوقيع على الوكالة المحررة مني، وهكذا كان تيسير وتسهيل الإجراءات فما الذي حصل بعد ذلك مما نراه ونسمعه؟! والذي يخشى منه أن ما يحصل من تباينات واختلافات أنها من بعض الموظفين الذين يعملون بأمزجة وعواطف تعوق ولا تنجز، وهذا داء عضال يوحي بانعدام الرقابة والمحاسبة، أرجو أن ما قلته آنفا يقرأه الوكيل والموظف اللذان أثارا هذا الحوار والنقاش، فإن كان هناك تعميم، أو حتى تعليمات مكتوبة أن يزوداني بها لمحاولة معرفة أساس إصدارها، ومدى صحتها من الناحية الشرعية والنظامية، وهذا آمله من أي قارئ من الموظفين، أو المسؤولين، أو الأشخاص العاديين ممن تهمهم المصلحة العامة، فلا أريد الإطالة في النقاش أكثر مما قلته.
2 ـ وتعليق من أبي سليمان (ولم يذكر اسمه كاملا) قال: (أعتقد أن سبب ما أشرت إليه في مقالك من بيروقراطية هو أن المسؤول إما أنه يرغب في حماية نفسه، أو أنه جاهل بأنظمة المعلومات، فهو غير قادر على هندسة العمل، خذ على سبيل المثال عند فقد بعض الوثائق الرسمية، فإن الجهات الحكومية ما زالت تطالب المراجع بعمل إعلان في الجريدة مع أن الجميع يعلم أن ذلك الإعلان لن يقرأه أحد!
مثال آخر قبل عدة سنوات كانت الجوازات تطالب الكفيل بتسجيل بيانات مكفوله لدى إدارة الجوازات خلال ثلاثة أيام، وكأن المكفول نزل ببرشوت من السماء، ولم يدخل من المنافذ الحدودية!).
وفي الحقيقة أن كل تعليق له وجاهته، ويعبر عن وجهة نظر كاتبه التي يجب أن تحترم، ويستفاد منها بما ينفع، ولذا أقول إن ما ذكره من احتمالات وتوقعات عن بعض المسؤولين من حماية نفسه، أو جهله بأنظمة المعلومات قد تكون سبب البيروقراطية التي تحصل، وأقول إن مثل هذا المسؤول يعد غير كفء في تولي المسؤولية، ومن الواجب وضع الموظف المناسب في المكان المناسب، أي في الوظيفة القادر على أن يسير أعمالها بسرعة وإتقان، وبقرارات، وتوجيهات وتعليمات ميسرة وسهلة، وبإشراف مباشر على موظفيه، وحثهم على الإنجاز دون كسل أو توان بعيداً عن الروتين العقيم، والبيروقراطية الإدارية التي تتسبب في تأخير الإنجاز، أما عن المثال عن الإعلان فقدان الوثائق الرسمية، أنه لا يقرأه أحد، فهذا قد لا يكون صحيحاً بهذا التعميم، وهو إجراء إداري قد يكون منصوصا عليه بالنظام صراحة لأهمية الوثيقة، وبالتالي لا أعتقد المثال يعد من الأسباب الجوهرية التي تطرح فيما نتكلم عنه، وأما المثال الثاني فقد تغير بالتطوير، واستعمال التقنية الحديثة.
3 ـ وبخصوص التعليق الثاني الذي كتبه ناصر أحمد فنصه: (المعاملات الإلكترونية تقضي على كثير من إهدار الوقت والمال حتى أنها تخفف من الازدحام المروري، والمال عصب الحياة، وكثير من المعاملات التي يقوم بها المواطن الآن لا تحتاج للذهاب للمصارف، وهذه ثمرة من ثمار التقنية، والأمر ليس بعسير أن تكون كثير من خدمات الدوائر الحكومية تتم بطريقة آلية وسريعة تخفف العبء على المواطن، وتخفف من البيروقراطية والروتين المتعب).
هذا التعليق يتفق مع ما كتبته وما كتبه غيري بشأن أهمية الاستفادة من التقنية الحديثة لإنجاز العمل، وتقديم الخدمات وغيرها للقضاء على الروتين البغيض المعيق، وتجنب الإجراءات البيروقراطية الإدارية، ولكن المشكلة هو تدني مستوى العمل بهذه التقنية بما جعلني أقول في مستهل مقالي المعلق عليه أن (.. هذا لم يتحقق إلا بشكل بسيط، وفي حالات محدودة)، وهذا من أسباب تفشي الروتين والبيروقراطية الإدارية الذي جعلني أنادي بالاستفادة من التقنية المتوافرة في كل الأجهزة الحكومية، والهيئات والمؤسسات العامة، ولا يتأتى هذا إلا بتوفير الأيدي العاملة المدربة من مهندسين وموظفين وفنيين ومختصين قادرين على العمل بكفاءة ومقدرة عالية، وإلا نصبح كمن يراوح في مكانه، ولا يستفاد من التقنية التي أمنت بمبالغ طائلة، ويبقى كل مخلص يردد مقولة (تنادي ولكن لا حياة لمن تنادي)، ويكون مصير التقنية للتلف والخسران والبوار لأنها لا يمكن أن تعمل من تلقاء ذاتها، بل لابد من توفير الطواقم المدربة القادرة لكي يتحقق نظام الحكومة الإلكترونية الحقيقية التي يحث خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ــ حفظه الله ــ بالاستفادة في كل مناسبة، وعند تدشين أي مشروع تنموي، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل، وإلى المقال الثاني لاستكمال الحوار والنقاش الذي نرجو أن يكون مفيداً.