تغيير نظام الحصص في منظمة «أوبك»
تحتفل منظمة الدول المصدرة للبترول ''أوبك'' هذا الشهر بمرور خمسين عاماً على تأسيسها.
فقد تمت ولادتها في 14 سبتمبر من عام 1960م في بغداد من قبل كل من المملكة العربية السعودية والعراق والكويت وإيران وفنزويلا.
وكان هدف الحكومات الخمس السعي للسيطرة على صناعة البترول في دولها والتأثير في أسعار النفط العالمية صعودا والحد من نفوذ شركات البترول العالمية السبع التي كانت تتحكم بالإنتاج والنقل والتكرير والتسويق.
وما أسرع في ولادة منظمة أوبك هو ما قامت به شركات البترول العملاقة من تخفيض مستمر في أسعار النفط الخام طيلة السنوات الخمس السابقة لإنشاء المنظمة.
فقد كان سعر برميل النفط من العربي الخفيف في ميناء رأس تنورة عام 1955م يساوي دولارا وثلاثة وتسعين سنتاً وانخفض في عام 1960م إلى دولار وخمسين سنتاً ما أثر في مدخولات الحكومات المنتجة للبترول من صادرات بترولها.
ولكن أوبك في حداثتها لم تكن من الصلابة بحيث تؤثر في الأسعار فاستمر الانخفاض التدريجي في أسعار الخام من العربي الخفيف إلى أن وصل إلى دولار وثمانية وعشرين سنتاً في عام 1969م.
بينما ارتفع سعر برميل نفط غرب تكساس للفترة نفسها من دولارين وسبعة وتسعين سنتاً عام 1960م إلى ثلاثة دولارات وثلاثين سنتاً عام 1969م.
ولم يظهر نفوذ أوبك في التأثير في الأسعار إلا في عام 1974م حين ارتفع سعر برميل العربي الخفيف إلى تسعة دولارات وسبعين سنتاً مقارنة بدولارين وسبعين سنتاً في عام 1973م.
والآن وبعد خمسين عاماً أصبح عدد أعضاء المنظمة 12 عضواً ينتجون حوالي 40 في المائة من الإنتاج العالمي ويسيطرون على 77 في المائة من الاحتياطي العالمي.
ويأتي نفوذ أوبك في التأثير في أسعار النفط العالمية من كونها ''المنتج المرجح'' الذي يتحكم في كمية المعروض من النفط في الأسواق العالمية عن طريق رفع أو تخفيض إنتاجها بما يتماشى مع متطلبات السوق.
وتحدد منظمة أوبك سقف إنتاجها بين فترة وأخرى ويتم توزيع حصص الإنتاج على الدول الأعضاء.
وقد شهدت المنظمة تجاوزات من بعض أعضائها في الالتزام بحصصهم في الماضي ما أثر في فاعليتها ولكن ارتفاع الأسعار في السنوات الأخيرة جعل الأعضاء أكثر تقيّداً بتنفيذ قرارات المنظمة والاستفادة من الإيرادات العالية التي تحققها لهم صادراتهم النفطية.
ولكن من المعروف أن ما يحدد الأسعار العالمية للنفط ليس هو كمية النفط الذي تنتجه دول أوبك وإنما هو كمية صادراتها من ذلك الإنتاج للأسواق العالمية لأنه يمثل العرض الحقيقي لمواجهة الطلب العالمي.
فبعض دول أوبك مثل المملكة العربية السعودية وإيران وفنزويلا يشكل استهلاكها المحلي من النفط الخام ومشتقاته نسبة لا يستهان بها من الإنتاج الكلي لتلك الدول وهو في ارتفاع مستمر.
والذي يهمنا في هذا الصدد هو الاستهلاك المحلي في المملكة العربية السعودية، وتأثيره في إيرادات الحكومة من تصدير النفط ومشتقاته للأسواق الخارجية.
فمنظمة أوبك تحدد لنا حجم الإنتاج، وكلما كبر استهلاكنا المحلي من النفط تناقص ما نصدره للأسواق الخارجية وتناقصت معه إيراداتنا المالية.
ولعل ما حدث لإندونيسيا وما سيحدث لبعض دول أوبك مستقبلاً من تناقص قدرتها على التصدير يعطينا إنذارا مبكرا للمستقبل.
وتبلغ حصة المملكة من سقف إنتاج أوبك الحالي 32.4 في المائة وحصتها من صادرات أوبك 28 في المائة.
والخطر الواضح يكمن في الزيادة المطردة في استهلاكنا الداخلي، حيث ارتفع الاستهلاك المحلي للنفط الخام والمنتجات المكررة والغاز الطبيعي خلال الأشهر الستة الأولى من هذا العام بنسبة 11.3 في المائة ليبلغ ما يوازي 3316 ألف برميل يومياً مقارنة بالأشهر الستة المماثلة من العام الماضي والبالغ 2980 ألف برميل يوميا.
وارتفع إجمالي الاستهلاك المحلي خلال السنة المنتهية بشهر يونيو 2010م بنسبة 8.2 في المائة مقارنة بالسنة المنتهية بالشهر نفسه من عام 2009م حسب ماهو موضح في الجدول أدناه:
#2#
ولتجنب التآكل المستمر في حجم صادراتنا النفطية نتيجة لتزايد الاستهلاك الداخلي علينا أن نسعى إلى تغيير نظام الحصص في منظمة أوبك من حصص تبنى على حجم الإنتاج إلى حصص تبنى على حجم الصادرات لأن كمية صادرات دول أوبك من النفط ومشتقاته هي التي تؤثر في الأسعار العالمية وليس حجم الإنتاج كما ذكرت سابقاً.
إن تبني مبدأ حصص الصادرات في منظمة أوبك سيعطي نوعا من الاستقرار لإيرادات أعضائها ويسمح بزيادة الإنتاج للاستهلاك المحلي الذي تفرضه خطط التنمية وزيادة السكان والنمو الاقتصادي دون التأثير في حجم الصادرات النفطية وإيراداتها.
كما أن حصص الصادرات يمكن مراقبتها بطرق أسهل من مراقبة حصص الإنتاج وذلك بمراقبة الشحنات البحرية سواء عن طريق سجلات لويدز للتأمين في لندن أو سجلات قناة السويس وقناة بنما ووسائل رقابية أخرى أكثر دقة من مراقبة الإنتاج وهذا سوف يقلل من تجاوزات بعض أعضاء المنظمة لحصصهم المقررة.
والمنحى الثاني هو تبني سياسة ترشيد الاستهلاك المحلي ويعد توليد الطاقة الكهربائية أكبر مستهلك محلي إذ يزيد ما تستهلكه محطات توليد الكهرباء على ما يوازي مليون برميل يوميا.
وإنشاء محطات توليد تعتمد على الطاقة النووية (كما تخطط دولة الإمارات العربية المتحدة الآن) ومشاريع تحلية مياه تستغل الطاقة الشمسية سوف يحدان من تزايد الاستهلاك النفطي مستقبلا.
ومن المهم كذلك ترشيد استهلاك المحروقات عن طريق رفع أسعارها المتدنية.
إن آخر دراسة عُملت لأسعار المحروقات في دول الخليج أوضحت أن سعر البنزين في المملكة العربية السعودية هو الأقل بين دول مجلس التعاون، إذ لا يزيد على 15 سنتا أمريكيا للتر الواحد. والبنزين ليست مادة أساسية للفقير لأن الفقراء لا يملكون سيارات.
ولعل من المفيد إعادة النظر في أسعار المحروقات بحيث تتساوى على الأقل مع تكلفة إنتاجها، على أن تخصص هذه الزيادة لصندوق يقوم على تمويل الإسكان الشعبي الذي هو أقرب إلى حاجة الفقراء من البنزين الرخيص.