نهب المساعدات الإنسانية علناً

فاجأتنا إحدى الصحف الوطنية في رمضان الماضي بخبر كالصاعقة، العنوان كما نشرته الصحيفة على صفحتها الأولى كان “هدية المملكة الإنسانية للشعب اللبناني .. تباع في المدينة”، وكان الخبر يوجز كيفية ضبط أمانة المدينة المنورة لكميات كبيرة من المواد الغذائية المقدمة كهدية من مملكة الإنسانية للشعب اللبناني وذلك داخل أحد المستودعات التجارية بهدف تفريغها من الكراتين (الهدية) وإعادة بيعها في الأسواق التجارية، تضمن الخبر أن ملف المضبوطات تمت إحالته إلى الجهات ذات العلاقة، كما تم إشعار إمارة المنطقة، بدوره قام أمير المدينة المنورة بتكليف لجنة لكشف الملابسات والتحقيق في جميع جوانب القضية والتعرف على الجهات المسؤولة مع استمرار التحفظ على الأشخاص المتورطين وإغلاق المستودع لحين انتهاء التحقيق وإجراءاته، كما وجه أمير المدينة برفع تقرير عاجل عما يتم التوصل إليه وتطبيق النظام بكل حزم.
الإخوة المصريون يطلقون على هذا الخبر “فضيحة بجلاجل” (وينطقونها “بقلاقل” حتى لا يعترض علينا أحد من أحبائنا أهل جلاجل)، إني أتساءل؛ ما هو أثر مثل ذلك الخبر على القراء؟ لنتحدث بصراحة فكثير من المواطنين يتذمرون من المساعدات التي تدفع للإخوة العرب ولغيرهم، وتذمرهم ليس بسبب الحسد ولكنهم يرون أن وطننا أولى بأموالنا، وقد كان لي وجهة نظر معارضة لهذا التوجه نشرتها في مقال سابق في هذه الصحيفة بتاريخ 16 ربيع الأول 1431 هـ الموافق 2 آذار (مارس) 2010 بعنوان “مساعداتنا السعودية بين مؤيد ومعارض”، كما أن كثيرا من المواطنين لديهم توجس من فعالية توزيع التبرعات الشعبية والحكومية السعودية في الدول المنكوبة، مثل هذا الخبر بالتأكيد سيسهم في ترسيخ الصورة الذهنية النمطية حول هذه المساعدات.
في السنوات الأخيرة تزايدت مساعداتنا لإخواننا المنكوبين في جميع دول العالم حتى تجاوزت هذه المساعدات بلايين الدولارات، وهو فعل محمود بلا أدنى شك، ولكن بعد حادثة المدينة وجدت الكثير من الأسئلة تتراقص أمام قلمي وتتطارح على أوراقي، من أبرزها :
* هل هذه المساعدات يتم شراؤها بأسعار مناسبة ؟
* هل هذه المساعدات يتم تخزينها بالشكل المناسب ؟
* هل هذه المساعدات يتم إيصالها إلى مستحقيها؟ وفي الوقت المناسب؟
* هل المسؤولون عن شراء وحفظ وتوزيع هذه المساعدات من المؤهلين علمياً والخبراء عملياً والأمناء مالياً وأخلاقياً؟
* هل هناك أنظمة وقواعد وسياسات تنظم عملية المساعدات بدءا من اتخاذ قرارات المساعدات وحتى تسليمها للمستفيدين؟
* هل تخضع هذه المساعدات لإجراءات المراقبة والفحص والتدقيق المالي والإداري ،التشغيلي؟
* هل هناك تقارير موثقة عن عمليات الإغاثة؟ بالأرقام والصور؟
* هل؟ وهل؟ وألف هل؟؟؟
لمصلحة الوطن يجب أن نحصل على إجابات مقنعة حول حادثة المدينة، ومن حق المواطن معرفة ملابسات هذه الجريمة الحقيرة، فهي سرقة للمال العام أولاً، وسرقة للأموال المعدة للعمل الخيري والإنساني ثانياً، ويتم تنفيذها في هذا المكان الفاضل “المدينة المنورة” (على ساكنها أفضل الصلاة وأتم التسليم) ثالثاً.
الأهم من المعرفة أن تتم معاقبة المتسببين، وأن تشهر هذه العقوبات لتكون عبرة لمن يتلاعب بأموال الصدقات والأموال العامة، وإذا لم يتم اتخاذ إجراءات حاسمة ومشددة بحق المتسببين فيجب ألا نلوم المواطنين عندما ينثرون الاتهامات المغلفة حول سرقة المال العام مشوبة بعدم الثقة في المساعدات الحكومية الإنسانية.
أخيراً . . الشكر الجزيل لأمانة المدينة المنورة على إنجازها المتمثل في ضبط هذه السرقة، والشكر موصول لوسائل الإعلام على شفافيتها في نشر الخبر مزوداً بالصور، متمنياً أن تكون ردود الفعل الرسمية حول هذه الحادثة إيجابية وحاسمة وأن تكون المتابعة جادة لاتخاذ الإجراءات الاحترازية للتحقق من عدم تكرارها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي