رؤية في المنح الدراسية
ما من شكٍ لدي أن المملكة العربية السعودية تعد في عصرنا راعية الإسلام وحامية السنة ـــ رضي من رضي وسخط من سخط ـــ وهذه المنزلة في حقيقتها تشريفٌ وتكليف، أما التشريف فحسبكم شرف الدعوة للإسلام وتبليغه للناس، وأما التكليف فهذه المكانة مسؤولية عظيمة تحتاج إلى تخطيط وعمل وتفانٍ في هذا الشأن.
وإن من القرارات المباركة قرار التوسع في قبول طلاب المنح الدراسية لغير السعوديين في مؤسسات التعليم العالي في السعودية ورعايتهم.
والحق أن تجربة طلاب المنح في المملكة تجربة رائدة يناهز عمرها ثلاثة عقود، ولعل أنموذج الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، هذه الجامعة التي تضم بين جنباتها طلابا من جميع أنحاء العالم، من جزر الكاريبي في أقاصي الغرب حتى إندونيسيا والفلبين في أقاصي الشرق خير شاهد، فهل رأيتم جامعةً لا تغيب الشمس عنها مثل الجامعة الإسلامية التي يشكل طلاب المنح فيها 85 في المائة من طلابها!
ثم لا نسمع من إعلاميينا ولا كتابنا من يشيد بمثل هذا الصرح، قد أشغل هؤلاء اجترار النقد وتقليب المواجع! وإن أنسى فلا أنسى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، التي هي من الجامعات الأوائل في المنح الدراسية لغير السعوديين.
إن التوسع في المنح الدراسية لغير السعوديين في الجامعات السعودية خطوة استراتيجية لها بالغ الأثر والأهمية على المديين المتوسط والبعيد؛ فهؤلاء الطلبة هم بالفعل سفراء خير ورشد لهذه البلاد المباركة يدينون بالولاء لها ولمنهجها، وهم قبل ذلك وبعده سفراء ودعاة للإسلام النقي من شوائب البدع والخرافة، أقول هذا ونحن نرى قنوات كثيرة على رأسها المنح الدراسية المفتوحة، خاصةً إلى دول القارة الإفريقية.
ولعل الكثير من القراء لم يتصور هذا الولاء للبلد والدفاع عنه في المحافل الإعلامية والدعوية من قبل طلاب المنح، ولقد شاهدت وقابلت عددا من هؤلاء خريجي الجامعات السعودية في نيجيريا والسنغال وجامبيا وفي شرق آسيا، وكذلك الحال في أوروبا غربيها وشرقيها فرأيتهم يدينون بالحب والولاء لهذه البلاد ومنهجها المستضيء بالكتاب والسنة.
وإننا نشيد بهذه الخطوة في الوقت الذي كنا نتألم من تقلص هذه المنح في العقد الماضي نتيجة تداعيات الإرهاب وويلاته على العمل الإسلامي بصورة عامة، وفي تقديري أن المنح الدراسية وتعليم هؤلاء الطلاب منهج الوسطية هو خطوة علاج فعال لهذا الداء لا توقف المنح كما يدندن عليها البعض، ولنا في جامعة الأزهر قدوة، فبالرغم من ضعف البنى التحتية والميزانيات، إلا أنها لم تتوقف المنح فيه البتة.
ولعلي أبث بعض الرؤى في ختام هذا المقال، منها:
- التأكيد على أهمية انتقاء هؤلاء الطلاب من حيث قدراتهم وميولهم وجديتهم، وأن هنا أشير إلى عدم أهمية موافقة دولة الطالب على المنح، وذلك أن هذا الأمر قد يُدخل في هؤلاء الطلاب من ليس هدفه الدراسة، واللبيب بالإشارة يفهمُ!
- التأكيد على أهمية تفعيل مؤسسات العمل الإسلامي والدعوي في الخارج، وليكن هؤلاء الطلاب نواة لها في دولهم.
- التأكيد على متابعة هؤلاء الطلبة بعد تخرجهم ورعايتهم كأن ينشأ في بلدانهم ''رابطة خريجي الجامعات السعودية''، وهنا نشيد بملتقى الدعاة في القارة الإفريقية، الذي تحتضنه جامعة الإمام ويشرف عليه سمو الأمير الدكتور بندر بن سلمان المستشار في ديوان خادم الحرمين.
بعد هذا حق علينا أن نزجي الشكر لكل مخلص وقف خلف هذا الأمر، ولهم منا صادق الدعاء.