هل يكون الفشل مصير قمة كانكون مثلما فشلت قبلها قمة كوبنهاجن؟ (1 من 2)
بدأت في مدينة كانكون في المكسيك أمس الأول أعمال القمة السادسة عشر للأمم المتحدة حول المناخ وتستمر لغاية 10 كانون الأول (ديسمبر) الجاري.
ويأتي انعقاد المؤتمر بعد فشل الدورة السابقة التي عقدت في كوبنهاجن خلال كانون الأول (ديسمبر) الماضي وشارك فيها نحو 15 ألف مشارك بينهم رؤساء دول، وكان الهدف الرئيس المعلن للمؤتمر التوصل إلى اتفاق أو إطار عمل تنظيمي موحد قابل للتحقيق ومقبول سياسيا يحل محل بروتوكول كيوتو الذي تم إقراره عام 1997 وينتهي سريان أحكامه الرئيسة في عام 2012.
وأقول المعلن لأن الدول الصناعية لديها أجندات تتمحور حول فرض مزيد من الضرائب على النفط وتقديم مجموعة من الحوافز للطاقة النظيفة بما يجعل ما صار يعرف بالطاقة المتجددة الخيار الأفضل للمستهلكين في الدول الصناعية.
وعلى الرغم من الإجماع على أن مؤتمر كوبنهاجن واجه فشلا ذريعا يأخذ أبعادا تدل على وجود أزمة ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية على صلة بالطاقة فإن الدول الصناعية الغربية واصلت مساعيها لإحياء مفاوضات المناخ المعطوبة تماما على الرغم من أن قمة كوبنهاجن أثبتت أنها ولدت ميتة.
وهذا الإصرار يزيد مساحة الشكوك في الدوافع التي تقف وراء هذه المؤتمرات، الأمر الذي يطرح بإلحاح أسئلة كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر: هل تشكل مباحثات كانكون خطوة أخرى في مساعي الدول الصناعية لتحميل النفط مسؤولية التغير المناخي؟ وهل هناك أي جدوى في مواصلة هذا النوع من المفاوضات التي فشلت طوال 20 عاما؟ وهل بالإمكان عمليا التوصل إلى معاهدة دولية ملزمة قانونيا من شأنها أن تحل محل بروتوكول كيوتو؟
#3#
ما المشكلة .. وما الحلول المطروحة؟
تكمن المشكلة في ارتفاع نسب انبعاث الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري (غازات الدفيئة) ومن ضمنها الانبعاثات الكربونية نتيجة إنتاج واحتراق الوقود الأحفوري أو قطع أشجار الغابات مما ينتج عنه ارتفاع ملموس في درجات حرارة الكون.
وتشمل تلك الغازات: غاز ثاني أكسيد الكربون، وغاز الميثان، وغاز أكسيد النيتروجين، والهيدروكربونات الهالوجينية. وتكمن المشكلة الرئيسية في تزايد تراكيز تلك الغازات في الغلاف الجوي وأهمها غاز ثاني أكسيد الكربون الناتج عن احتراق مليارات الأطنان من الوقود في المنشآت الصناعية ومحطات الطاقة ووسائل النقل والتي تتسبب مجتمعة في انبعاث ما يزيد على 20 مليار طن من الغاز كل عام.
وحسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية، فإن قطاع الكهرباء والتدفئة وقطاع النقل مسؤولان عن نحو ثلثي الانبعاثات الكربونية عالميا. ففي عام 2004 مثلت الانبعاثات من قطاع الكهرباء والتدفئة ما نسبته 40 في المائة من إجمالي انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون مقارنة بنحو 34 في المائة في عام 1990، بزيادة مقدارها 53 في المائة والتي ترجع إلى استخدام الفحم في محطات توليد الكهرباء. وعلى عكس قطاع الكهرباء والتدفئة الذي يستخدم مصادر متعددة من الطاقة (الفحم، الغاز، الطاقة النووية) يعتمد قطاع النقل بصورة رئيسية على النفط. وفي عام 2004 كان حجم الانبعاثات الكربونية من قطاع النقل 23 في المائة من إجمالي الانبعاثات عالميا، وهذا بدوره يدحض الادعاءات الغربية بتحميل النفط مسؤولية الاحتباس الحراري.
جدير بالذكر أن أكثر من ثلثي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري تنبعث من عشر دول في مقدمتها الولايات المتحدة والصين وهما الدولتان اللتان لم توقعا على بروتوكول كيوتو وتزيد حصتهما معا على 12 مليار طن سنويا تشكل نحو 40 في المائة من إجمالي انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في العالم. وارتفعت تلك الانبعاثات في الصين بنهاية عام 2008 بنسبة 178 في المائة قياسا إلى مستويات 1990 في المقابل ارتفعت الانبعاثات من الولايات المتحدة خلال الفترة نفسها بنسبة 17 في المائة.
#2#
وتنتج نحو 75 في المائة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في الوقت الحاضر من المدن والمناطق الحضرية التي يعيش فيها نصف سكان الأرض وتستهلك نحو 75 في المائة من طاقة العالم، لكنها تغطي مساحة لا تزيد على 1 في المائة من سطح الأرض!! ومع ارتفاع عدد سكان العالم بحلول عام 2050 بنحو 50 في المائة عن مستوياته الحالية، من المتوقع أن يزداد استهلاك الطاقة بنسبة 60 في المائة تواكبه زيادة في انبعاثات الكربون بنسبة 62 في المائة على مستوياتها الحالية.
وخلال الـ 200 سنة الماضية ساهم تركيز هذه الغازات في الغلاف الجوي في حبس أو منع الحرارة من النفاذ إلى الفضاء بصورة مماثلة للبيوت الزجاجية مما نتجت عنه زيادة ملموسة في حرارة الأرض.
ومن المهم هنا التأكيد هنا أن غازات الاحتباس الحراري Greenhouse Gas (GHG) ضرورية للحياة في كوكبنا لأنها تعمل على إبقاء سطح الأرض أدفأ بمقدار 33 درجة مئوية قياسا بغيابها.
لكن بزيادة تركيز هذه الغازات في الجو تزداد باطراد درجات حرارة الأرض فوق معدلاتها الطبيعية. ووفقا لوكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) فإن حرارة سطح الأرض ارتفعت بمقدار 1.2 - 1.4 فهرنهايت خلال الـ100 عام الماضية. وسجلت درجات الحرارة القياسية (منذ عام 1850) خلال السنوات العشر ما بين عامي 1998-2008. وإذا ما استمر انبعاث غازات الاحتباس الحراري بمعدلاتها الحالية نفسها فإن ذلك سيؤدي إلى ارتفاع درجات حرارة سطح الأرض ما بين 3.2 - 7.2 فهرنهايت بزيادة 3 - 3.5 فهرنهايت فوق مستويات عام 1990، وهو ارتفاع ستكون له آثار كارثية في البشرية جمعاء.
وعلى الرغم من أن غازات الاحتباس الحراري لا تنحصر في ثاني أكسيد الكربون فقط فلقد تم التركيز عليه وتحديدا على ما ينتج من الغاز عند إنتاج واستهلاك النفط كمسبب لظاهرة التسخين الحراري. فعلى سبيل المثال يحتجز غاز الميثان وهو أحد غازات الاحتباس الحراري وينتج من الفحم وفضلات الماشية والمستنقعات نحو 20 ضعفا من الحرارة قياسا بثاني أكسيد الكربون. وزاد تركيز الميثان في الغلاف الجوي منذ عام 1750 حسبما يوضح الجدول على الضعف ويتوقع له أن يتضاعف مرة أخرى بحلول عام 2050 مضيفا كل عام ما بين 350 - 500 مليون طن. في المقابل كانت الزيادة في تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون خلال الفترة ذاتها متواضعة نسبيا ومثلت نحو 10 في المائة من الزيادة في تركيز الميثان ومع ذلك يتم إغفالها أو التغافل عنها.
ووفقا لتقديرات لجنة المناخ التابعة للأمم المتحدة، فإن زيادة نسبة تركيز ثاني أكسيد الكربون في الجو من مستواه الحالي إلى 450 جزءاً في المليون ستنتج عنها زيادة في درجة حرارة الأرض بمقدار درجتين مئويتين على الأقل. والحلول المطروحة تتضمن إطارا ملزما لتخفيض انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون على مراحل، المرحلة الأولى تتضمن خفض انبعاثات الكربون بنسبة 17 في المائة بحلول عام 2020 م وصولا إلى خفضها بنسبة 85 - 95 في المائة بحلول عام 2050 م قياسا إلى مستويات عام 1990 م. ويبدو هذا الهدف غير قابل للتنفيذ لأسباب فنية وسياسية. والسؤال الذي يتردد بقوة هنا: هل هذا ممكن حقا في ظل تحفظ الصين البلد الملوث الأكبر عالميا؟
الاحتباس الحراري .. بين الشك واليقين
لست بصدد التشكيك في ظاهرة الاحتباس الحراري، لكن لا يمكن إنكار الأهداف السياسية والاقتصادية وراء القضية إضافة إلى الأهداف البيئية والاجتماعية، ما يؤكد الشكوك خصوصا لجهة تضخيم المشكلة وإعطائها حجما أكبر من حجمها الحقيقي، والأهم من كل ذلك تحميل الوقود الأحفوري وحده مسؤولية ظاهرة الاحتباس الحراري.
بداية يجب الإقرار بوجود خلاف رئيسي لم يحل بعد حول مسببات الانبعاثات الحرارية، هل هي نتيجة النمو الاقتصادي والاعتماد على الوقود الأحفوري في توليد الطاقة - بمعنى آخر، هل السبب مرتبط بأنماط الاستهلاك البشري، أم أن التغيير المستمر في المناخ والأرض عبر ملايين السنين هو سمة وظاهرة كونية، إذ تغيرت بعض المناطق البحرية إلى صحارى في القرون الماضية، مثلما حدث في منطقة البحر الأبيض المتوسط وحصل ذلك حتى قبل دخول “عصر النفط”؟ هذا الخلاف حول صحة الدراسات ودقتها لا يزال يقلق الباحثين والمهتمين.
وهناك اليوم آراء مراكز علمية مرموقة في الغرب تؤكد أن تهديد الاحتباس الحراري أمر مضخم وأن درجة حرارة الأرض صارت تميل أكثر إلى البرودة منها إلى السخونة وبالتالي فإن التدابير المطروحة في مباحثات المناخ مكلفة وغير ضرورية.
وتعززت أصوات أنصار هذه المدرسة إثر ما يسمى بفضيحة المناخ أو (Climate Gate) التي أحاطت بمصداقية علماء المناخ منذ عدة أشهر وبدأت في تشرين الثاني (نوفمبر) 2009 بالكشف عن مئات الرسائل الإلكترونية التي تمت تسريبها أو سرقتها من خوادم كمبيوترات جامعة إيست أنجليا في بريطانيا وأظهرت في حينها أن علماء بارزين في مجال المناخ حجبوا بيانات وأساؤوا إلى المشككين.
وفي هذا السياق تبين وجود الكثير من العيوب في التقرير المكون من ثلاثة آلاف صفحة الذي قام بإعداده مجموعة مختارة من علماء المناخ العالميين لقمة كوبنهاجن واستنتج مثلا أن معظم المناطق الجليدية في الهملايا يمكن أن تختفي بحلول عام 2035 م وهو استنتاج لم تؤكده الأبحاث العلمية واستند إلى معلومات من أبحاث لم تخضع للتحكيم والمراجعة العلمية.
ومن مثالب التقرير أيضا الادعاء بتراجع كميات المحاصيل الزراعية في شمال إفريقيا. وعلى الرغم من أن التحقيقات التي تمت في المملكة المتحدة برأت ساحة العلماء المشاركين في إعداد التقرير إلا أن القناعة أصبحت راسخة بأن نظرية التسخين الكوني بها عيوب كثيرة.
في السياق التاريخي، من المعلوم أن المناخ يسخن ويبرد ببطء، كما أن الانتقال من العصور الجليدية إلى العصور اللاحقة التي ارتفعت فيها درجات حرارة الأرض، نجم في جانب منه عن تغيرات طرأت على مدار الأرض، الأمر الذي أحدث تغييرا في كمية ضوء الشمس التي تسطع على أجزاء مختلفة من الأرض.
أما النقاش الدائر حاليا فيتركز حول ما إذا كان البشر يسهمون في تسريع دورات التسخين الطبيعية إلى مستويات يمكن أن تؤدي إلى اضطرابات خطيرة وذلك عن طريق ارتفاع معدلات انبعاث المواد الكربونية وزيادة سماكة الغازات المسببة للاحتباس الحراري حول الأرض، ما يؤدي إلى دفعها إلى محاصرة المزيد من الحرارة داخل الغلاف الجوي.
لماذا فشلت قمة كوبنهاجن؟
فشل مؤتمر كوبنهاجن في تحقيق توافق دولي لمواجهة مشكلة تغير المناخ كان نتاج الرفع المتواصل لسقف التوقعات خلال الفترة التي سبقت المؤتمر والذي تم تصويره إعلاميا على أنه الفرصة الأخيرة لإنقاذ العالم من كارثة محققة! ومع انعقاد المؤتمر بدأ سقف التوقعات ينخفض إلى الحد الذي بات المفاوضون يبحثون عن أي نوع من الاتفاق لإنقاذ المؤتمر من الفشل الكامل.
ويعزى الفشل إلى الاعتقاد الخاطئ بأن المفاوضين الكبار سيتخلون عن مصالح بلادهم الاقتصادية والسياسية من أجل الوصول إلى اتفاق يرضى به الجميع, وهو ما لم يحدث بالطبع، ذلك أن كثيرا من المفاوضات كان يجري وفقا لقواعد سياسية واقتصادية بحتة وليس طبقا لقواعد عملية.
فلا توجد دولة واحدة مستعدة للالتزام بإجراءات بيئية صارمة قد تؤثر في تنافسية القطاعات الإنتاجية فيها وقد ينتج عن تبنيها فقدان وظائف في ظل الأزمة المالية العالمية.
وهذا الموقف تبنته الدول النامية والناهضة وفي مقدمتها الصين، ومثل العقبة الأساسية التي كانت أحد أبرز الأسباب وراء فشل مؤتمر كوبنهاجن، وهو في تقديري موقف غير مستغرب ويمكن تفهمه.
وبسبب موقفها حظيت الصين بسيل من الانتقادات من الأوساط الغربية بوصفها عقبة في طريق الاتفاق لأنها تبنت موقفا يدعو إلى عدم إخضاع الدول النامية للحدود الدولية القصوى الملزمة المفروضة على الانبعاثات وهي تحاول جاهدة للخروج من نطاق الفقر.
وقدمت الصين مع مجموعة من الدول النامية والناهضة في مقدمتها الهند مطالب مشروعة حول شروط مشاركتها في اتفاقية جديدة مركزة على أن تخفيضات الانبعاثات الكربونية ينبغي أن تقوم على الانبعاثات المتراكمة على مدى العقود الماضية، وليس بحسب التدفق السنوي.
واستندت طروحاتها إلى أن أغلبية الانبعاثات في الغلاف الجوي العلوي تعود إلى عمليات التصنيع التي قامت بها دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD) على مدى عقود كثيرة في حين تنحصر مسؤولية الدول النامية عن الانبعاثات الغازية الجديدة فقط خلال العقود الأخيرة التي واكبت نهضتها الصناعية والاقتصادية.
هذا التباين الحاد في المواقف يجعل أي مؤتمر فاشلا ما لم يعتمد مبدأ المسؤولية المشتركة والمتباينة والذي بدوره سيجعل التوصل إلى رؤية مشتركة تجمع الدول الصناعية والنامية ممكنا لتحقيق أهداف واضحة ومشتركة فيما يتصل بالحد من الانبعاثات الغازية، والتكيف، والتمويل، ونقل التقنية، ودعم الدول النامية بالموارد والخبرات الفنية اللازمة لمكافحة تغير المناخ.