التدرج في تطوير الإفصاح
سؤال يلقى دوماً إجابة محيرة أو غير كاملة، أو بالأخرى غير مقنعة، ويتردد دوماً في غرف إدارة الشركات، وكذلك في مجالس المجامع المهنية، ناهيك عن مئات الأبحاث العلمية. هذا السؤال يكمن في تحديد المعلومات اللازمة على إدارة الشركات الإفصاح عنها للمستفيدين وأسلوب إعطائها خارج إطار الشركة، وتحتاج إجابة مثل هذا التساؤل إلى إيجاد عملية توازن بين حاجات المستفيدين وبين تضرر الشركة من الإفصاح عن معلومات قد تكون سرية، ولذا فما الحد الفاصل بين المعلومات التي تهم المستفيد لاتخاذ القرار الاقتصادي الرشيد وبين المعلومات التي يحتمل الإفصاح عنها ضرر حاضر أو مستقبلي على نموذج أعمال الشركة؟
يشير كثير من علماء المحاسبة وممتهنيها إلى ضرورة الاعتراف بعدم وجود إجابة واضحة ومحدودة وكاملة على مثل تلك التساؤلات، وكل ما نراه يمثل أفكاراً معتمدة تبنى على فرضيات قد تكون صحيحة واقعية، ولكن يصعب أو يستحيل إثباتها علمياً، حتى على المستوى العلمي لم يستطع أن يقنع الجميع بمستوى الإفصاح لكل المستفيدين من المعلومات المنتجة بالمحاسبة المالية، وقد يكون في ذلك علامة قوة وليس علامة ضعف، فكل العلوم من قانون وطب تنمو مع نمو حاجات الناس وتطور العلوم، والمحاسبة ليست بمعزل عن ذلك، فهو علم يهدف إلى تلبية حاجات المستفيدين لاتخاذ القرار الاقتصادي الرشيد، وبما أن سنة الحياة تقتضي تطور حاجات البشر، فستظل الإجابة عن كمية ونوعية المعلومات الواجب الإفصاح عنها، وكذلك أسلوب عرضها معبراً دوماً عن تغير الزمان والمكان.
فالناظر الفاحص للقوائم المالية للشركات المساهمة المدرجة في سوق المال السعودية يلاحظ التطور التدريجي في مستوى الإفصاح شكلاً ومضموناً وتوقيتاً على الرغم من التحديات التي تواجه الإفصاح الأمثل، ويعود الفضل حتماً لهيئة سوق المال، التي أخذت على عاتقها منذ إنشائها تطوير الوعي تدريجياً بأهمية الإفصاح كمرتكز أساس لمتخذي القرارات الاستثمارية وبعدالة، ومن ثم فرضه بقوة النظام عند قناعة قاعدة كبيرة من المستفيدين بأهميته، أخذا بعين الاعتبار المقولة المحاسبية إن مستوى الإفصاح المحاسبي وليد حاجة المجتمع ويتطور معها فما كان غير متاح للإفصاح عنه منذ عقد من الزمان أصبح الإفصاح عنه من المسلمات، فعندما تتطور حاجات المجتمع يتطور معها مستوى الإفصاح ليس في المحاسبة فقط، وإنما في كافة مناحي الحياة، انتظروا.
والله أعلم،،،