هل قروض صندوق التنمية الصناعية تعتبر ميزة تنافسية نسبية "إقليمية أو عالمية" لقطاع الصناعة في المملكة؟

يعد العالم اليوم قرية اقتصادية، إذ أصبح أكثر تقارباً وتنوعاً وتكاملاً من الناحية الاقتصادية، وأكثر تماثلاً في معظم المحفزات والتشريعات المشجعة على الاستثمار بشكل عام. ومع تكسر الحواجز الحدودية وإزالة العقبات القانونية والتسابق على تقديم التسهيلات والمحفزات بشتى أشكالها، أصبحت الأموال (بشقيها الوطني والأجنبي) تبحث عن الميزة النسبية والقدرة التنافسية لأي قطاع وفي أي دولة لتوجه استثماراتها إليها. وأصبحت المنافسة والتحديات القائمة على استقطاب واستثمار رأس المال سواء الوطني أو الأجنبي على حد سواء ذات أهمية واحدة؛ إذ إن هناك أموالاً وطنية مهاجرة تبحث عن قنوات استثمارية عالمية، وفي المقابل تسعى الدولة لجذب وجلب الاستثمارات الأجنبية واستقطابها بشتى التسهيلات والمحفزات. ومن منطلق بديهيات الاستثمار وأساسياته من توزيع المخاطر ونحوها، علينا أن نتوقع استمرار تدفق الأموال في الاتجاهين المختلفين.
وفي هذا السياق تسعى المملكة، في ضوء إمكاناتها الكبيرة، إلى تحقيق طفرة تنموية كبرى. وقد شهدت المملكة خلال هذا العقد تطورات وإصلاحات اقتصادية ومؤسسية كبيرة وسريعة ومتتابعة مهدت السبيل لانضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية في كانون الأول (ديسمبر) 2005، ومهدت للتطلع والعمل على تحقيق مراكز طموحة ومتقدمة في مجال التنافسية الدولية والقدرة على جذب الاستثمارات والتطلع إلى تنفيذ استراتيجية صناعية تنهض بالناتج الصناعي إلى 20 في المائة من الناتج القومي في عام 2020.
ويتفرع الاقتصاد إلى عدة قطاعات اقتصادية متنوعة من: صناعية، تجارية، زراعية، عقارية، خدمية، سياحية وغيرها. وكل قطاع له أجهزة حكومية ترعاه وتنظمه وتدعمه، والقطاع الصناعي هو محور اهتمامنا في صندوق التنمية الصناعية السعودي. ويعتمد استقطاب وقيام الاستثمار الصناعي على عدد من المقومات والمتطلبات، يمكن تصنيفها إلى صنفين، وهما: مقومات ومتطلبات متوافرة ومكتسبة، ومقومات ومتطلبات يلزم توفيرها. المقومات المتوافرة والمكتسبة هي ما يسمى ''بالميزة النسبية''، وتنقسم إلى عدد من العناصر وهي: توافر المواد الخام بسعر منافس، توافر المواد الهيدروكربونية، توافر الطاقة الرخيصة، توافر الأسواق، توافر التقنية، توافر اليد العاملة المدربة والرخيصة. أما المقومات والمتطلبات التي يلزم توفيرها، فالمقصود هنا أنه حين تتوافر المقومات الطبيعية أو المكتسبة لقيام صناعات معينة، فإنه لا بد من توفير مقومات أخرى من قبل الدولة أو القطاع الخاص؛ لدفع وتسهيل قيام صناعات تستغل ''الميزة النسبية'' للمقومات الطبيعية والمكتسبة وتحويلها إلى ''ميزة تنافسية''. ومن أهم هذه المقومات ما يلي: الموقع والخدمات، البنية التحتية (الطرق والموانئ)، الإجراءات الحكومية، تراخيص التقنية وعقود التسويق والتمويل وهو الاختصاص الدقيق للصندوق.
والسؤال الذي هو عنوان مقالنا: هل التمويل وتوافره وتكلفته تعد ميزة تنافسية عالمية أو إقليمية وخاصةً التمويل الميسر منه ممثلاً في قروض صندوق التنمية الصناعية؟ وبالتالي: هل هو محفز لاستقطاب وتشجيع الاستثمارات الوطنية والأجنبية بشكل عام وتوجيها للقطاع الصناعي؟ الجواب بالطبع: ''نعم'' التمويل الميسر من صندوق التنمية الصناعية يشكل ''ميزة تنافسية نسبية للصناعة في المملكة'' ومتوافقة مع أنظمة منظمة التجارة العالمية. وتتمثل هذه الميزة النسبية في جزئيتين هما ''تكلفة التمويل'' و''توافر التمويل''. ففي المشاريع التي يشكل فيها قرض الصندوق 50 في المائة من مجموع التمويل، يرتفع ''العائد على رأس المال المستثمر'' إلى ثلاثة أمثال ''العائد الداخلي للمشروع''، وهذا تأكيد حسابي لهذه الميزة النسبية التنافسية ويتحقق هنا ميزتا التكلفة والتوافر معاً.أما في المشاريع الكبيرة والعملاقة والتي تصل تكاليفها إلى مليارات الريالات وتنخفض نسبة تمويل قرض الصندوق من نسبة التمويل بشكل عام إلى مستويات تقل عن 20 في المائة فإن أهمية الميزة النسبية للتمويل تتحول بشكل أكبر من عنصر التكلفة إلى عنصر توفر التمويل، حيث إن دور قرض الصندوق التمويلي المدعوم بالدور الاستشاري المتمثل في تحقق الصندوق من جدوى المشروع وتحديد مخاطره ونقاط ضعفه وتجنبها ومعالجتها بالشروط والتعهدات اللازمة، وكذلك ما تبنيه الجهات التمويلية الأخرى على قرار الصندوق يرفع قرض الصندوق إلى مستوى الأهمية ذاتها في المشاريع الصغيرة والمتوسطة من خلال خلق وتنظيم بيئة جاذبة وتنافسية لهيكلة تمويل المشاريع الضخمة في القطاع الصناعي في المملكة، ولا ننسى التسهيلات الإضافية المقدمة من وزارة المالية عن طريق تفعيل دور صندوق الاستثمارات العامة وتقديمه قروضاً (وإن كانت بتكلفة أعلى من قروض الصندوق)، ولكنها بحجم أكبر من قروض الصندوق، مما يجعلها مساندة لقروض الصندوق في خلق بيئة وميزة توفر التمويل وبمبالغ تتناسب مع احتياجات المشاريع الضخمة التمويلية. ولا شك أن البعض من الصناعيين سيقول ما هذا السؤال في مثل هذا الوقت الذي وصلت فيه تكلفة التمويل التجاري إلى أدنى مراحلها تاريخياً؟ وكيف تكون إجابته بنعم؟ ولكن سؤالنا هذا والإجابة عنه ليست لهذه الفترة التي نعيشها الآن، ولكنه سؤال يطرح منذ إنشاء الصندوق إلى يومنا هذا وسيستمر طرح السؤال في المستقبل لعشرات السنوات وستظل الإجابة نفسها بـ ''نعم''. وللصندوق تجربة حية مع أهمية وميزة وجاذبية توفر التمويل أثبتتها الأزمة المالية العالمية (والتي سنستمر بأخذ دروس كثيرة منها). وكما يعلم الجميع أن التمويل كان نقطة عجز معظم اقتصاديات العالم ومحور تدخل الحكومات بضخ الأموال والسيولة في اقتصادياتها في تلك الفترة، حيث كاد العالم يدخل في شلل اقتصادي عام بسبب نقص التمويل، بينما تمتعت المملكة بأقل الصعوبات في العالم في هذا الجانب وبالذات تمويل القطاع الصناعي. وكان للصندوق دور بارز في هذا المجال بالأخذ بزمام المبادرة في تسهيل وتوفير السيولة للقطاع الصناعي في ظل هذه الأزمـة، حيث زاد معـدل الصـرف فـي الربـع الأخيـر مـن عـام 2008 (وهو وقت ذروة الأزمة المالية العالمية) عن معدل الصرف فيما مضى من السنة بنسبة 50 في المائة، وكان له أبلغ الأثر لدى الصناعيين، مما أبرز ميزة وتنافسية قروض الصندوق ليس على المستوى المحلي فقط، وإنما على مستوى معظم الشركات العالمية التي تحول معظم مؤشرات وبوصلة استثماراتها إلى منطقة الخليج وبشكل أدق إلى السعودية فيما يخص الاستثمار الصناعي، وقد لمسنا هذا الشيء في عدد ونوعية طلبات التمويل المتدفقة على الصندوق بعد تلك الأزمة.وبهذا فإنه سيظل من مهام الصندوق والتحدي المستمر الذي تواجهه إدارته وموظفيه أن تضع الإجابة بـ ''نعم، قروض الصندوق تمثل ميزة تنافسية نسبية للقطاع الصناعي''، دائماً موضع التنفيذ وعلى أرض الواقع ليس فقط في وقت الأزمات ولكن حتى مع ما نراه اليوم من تدني تكلفة القروض التجارية.
نائب مدير إدارة الائتمان المكلف

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي