«خفي حنين» التقاعد
تنطلق في الشهر السابع من كل عام هجري صافرات وصول قطار العمر الوظيفي لأعداد كبيرة من الموظفين إلى المحطة الأخيرة من حياتهم الوظيفية, فهذا الشهر هو الموعد الموحد تقريبا لكل من بلغ الستين من العمر أو قضى 40 سنة في الخدمة كي يترجل عن الوظيفة ليصبح متقاعدا, وهذه محطة فارقة ومهمة, بل حساسة في حياة كل موظف حين تحين, فبعد حياة عمل ومسؤولية والتزام من ناحية, والحصول على راتب كامل وبدلات ومميزات أخرى من ناحية ثانية, تطوى صفحات حياته العملية ويدلف لحياة التقاعد وهو خاوي الوفاض إلا من راتب تقاعدي لا يسمن ولا يغني, وبعد أن يكون قد جرد من كل البدلات والمميزات, وكأنه كان عبئا يتم التخلص منه بأقل تكلفة ممكنة, فنظام التقاعد الحالي لا يؤمن للموظف في تقاعده أي مميزات غير ذلك الراتب التقاعدي الوحيد, الذي يحسب على أساس الراتب ويقل كثيرا عن راتبه الأساسي, فيجد نفسه وقد بلغ الستين من العمر ووهن العظم منه, وربما تكالبت عليه أمراض العصر المزمنة كالسكري والضغط, وهو يخرج بخفي حنين مـــن حيــاة عملية طويلة أفنى فيها أزهى سنوات عمره.
لا نريد هنا لوم مؤسسة التقاعد, فهي محكومة بأنظمة, لكن هذه الأنظمة هناك من يرى أنها تضمنت ما ليس في مصلحة الموظف بعد تقاعده, وهذا ما أكدته دراسة أعدها مختصون في معهد الإدارة العامة بأن نظام التقاعد السعودي هو الأعلى في الحسم التقاعدي (9 في المائة), والأطول سنوات خدمة (40 عاما), والأقل مميزات مقارنة بدول مجلس التعاون (''الرياض'' العدد 14852), وإذا كانت النسبة السكانية والدخل المرتفع سمحا لدول الخليج تقديم مميزات عدة للمتقاعد, فلا أقل بالنسبة لنا من أن نعمل على تأمين مميزات تسمح بها ظروفنا نحن بما يجعل متقاعدنا يحظى بمميزات هو الآخر, وهنا أقترح الآتي للميزات يمكن تقديمها للمتقاعد:
أولا: تأمين صحي كامل للمتقاعد وزوجته هما في أمس الحاجة إليه وهما في هذه السن وفي ظل تكلفة العلاج العالية.
ثانيا: حصول المتقاعد على مكافأة نهاية خدمة مجزية.
ثالثا: علاوة سنوية لراتبه التقاعدي.
رابعا: حساب راتبه التقاعدي على أساس راتبه الأساسي مع البدلات للرفع من قيمته.
خامسا: صرف كامل راتبه التقاعدي لورثته المستحقين نظاما دون حسم نصيب من لا يستحقونه نظاما.
سادسا: تأمين تمويل من مؤسسة التقاعد لمشاريع تجارية لمن يرغب من المتقاعدين في مجال تخصصهم كالمعلمين لإنشاء مدارس خاصة.
وهذه مميزات وحقوق للموظف بعد تقاعده تستطيع مؤسسة التقاعد تغطيتها, خصوصا في ظل تراكم الأموال لديها سواء من الاستثمارات التي تدر عليها مكاسب ضخمة, أو مما يضخ في حسابها شهريا من رواتب الموظفين ــ حسم التقاعد ــ فأقل حقوق المتقاعد هو مشاركة مؤسسة التقاعد في أرباح استثماراتها من أمواله وغيره من الموظفين المستقطعة من رواتبهم طوال مدة خدمتهم, وهي نسبة مرتفعة كما هو معروف.
إن نظام التقاعد المعمول به حاليا في حاجة إلى تحسينه في ظل توجه الدولة الأساسي ـ وفقها الله ــ بحرصها على تأمين أسباب العيش الكريم لمواطنيها, وأن يطور ويحسن بما يجعل المتقاعد يشعر بأنه محط الرعاية بعد خدمة صرف فيها جل سنوات عمره, لا أن يشعر بأنه أكل لحما وترك عظما براتب تقاعدي هزيل وحجب كل المميزات عنه, فالشعور العام لدى الموظفين هو أنهم سيتركون حياة الوظيفة وقد فقدوا الكثير وحصيلتهم منها في نهاية المطاف ليس إلا ''خفي حنين''.