مثل زبنة رشيد
ورشيد المقصود في عنوان هذا المقال، هو رشيد عالي الكيلاني، وهو سياسي عراقي بارز، تولى رئاسة الوزارة في العراق أربع مرات، وتزعم عام 1941م ثورة اشتهرت باسمه، هدفها طرد الإنجليز من العراق، وقاتله البريطانيون، ثم صدر عليه حكم بالإعدام، ففر الكيلاني إلى ألمانيا، وبقي فيها حتى انتهت الحرب العالمية الثانية عام 1945م، ثم قصد فرنسا متخفياً، وغادرها بجواز سفر مزور إلى بيروت فدمشق، ثم توجه إلى الرياض ضمن مجموعة ادعوا أنهم سوريون.
ويروي خير الدين الزركلي في كتابه شبه الجزيرة في عهد الملك عبد العزيز، قصة دخول الكيلاني على الملك عبد العزيز في الرياض، حيث يقول: ''ودخل على الملك عبد العزيز، في أحد مساجدها، وهو يصلي الصبح، استعداداً للسفر إلى الحجاز، وعرّفه بنفسه، فاستعاذ الملك بالله، وأبقاه في رعاية وليّ العهد الأمير سعود، وقام بالطائرة إلى مصيفه بجوار الطائف، حيث أبرق إلى الأمير عبد الإله، الوصي على عرش العراق، وإلى الملك فاروق وآخرين، واصطدم عبد العزيز بإصرار البريطانيين على إبعاد رشيد، أو تسليمه إلى حكومة العراق، ودون هذا خرط القتاد، وكانت حجتهم الأولى أنه مجرم حرب، ثم نزلوا عن هذه الحجة، وقالوا: إنه محكوم عليه بالإعدام، في العراق، ودارت محاورات بشأنه بين الحكومتين السعودية والعراقية، ولم يتحول فيها عبد العزيز عن موقفه في حماية ضيفه''.
لجوء رشيد عالي الكيلاني إلى المملكة، وفي ذلك الوقت العصيب، لم يكن أمراً سهلا على الملك عبد العزيز، إلا أن الملك عبد العزيز لم يكن ليخفر ذمة من استجار به، حتى ولو كان على غير وفاق معه، وهذا ما توضحه برقية بعثها الملك عبد العزيز إلى الملك فاروق في أكتوبر 1945م، وجاء فيها ''أخي إني على يقين بأن الذي يزعجني يزعج جلالتكم، وتأتي الأمور بالحوادث بغير اختيار ولا رغبة، فقد حدث عند خروج أخيكم من بلدكم الرياض، أن وفد إلينا وفدٌ، ادعوا أنهم سوريون، فلما وصلوا إلينا ظهر أن أحد رجال الوفد، رشيد عالي الكيلاني، وتعلمون جلالتكم أننا لم نكن مؤيدين له، بل كارهين لما كان منه في وقته، ولكن بما أن الرجل حل وسط المحارم والعيلات التي هي محارمكم وبلادكم، فما وسع أخاكم إلا أن يسعى فيما يؤمنه، كما تقضي به الشمائل الدينية والشيم العربية، وفي الحال أبرقنا لسمو الأمير عبد الإله، رجوناه العفو عنه، فأرجو من جلالة الأخ العزيز أن يساعد أخاه في هذه المهمة، فيتفضل بالكتابة لسمو الأمير عبد الإله للعفو عنه، حتى يلتجئ إليه ويعيش تحت ظله''.
ولم يُظهر الملك فاروق حماساً للأمر، كما أصر الأمير عبد الإله على تسليم رشيد عالي الكيلاني، وكان موقف المملكة أنه ''لا يمكن أن يتغير موقفنا، لأن تسليم الرجل إلى المشنقة فيه عار إلى الأبد''. ولم ينته الأمر عند هذا الحد، بل تعرضت المملكة لضغوط بريطانية شديدة، وإلى حملة إعلامية كبيرة، هدفها إبعاد الكيلاني، أو تسليمه لحكومة العراق، ولم ترضخ لكل تلك الضغوط.
وقد عمل الكيلاني مستشاراً لدى الملك عبد العزيز حتى توفي الملك عبد العزيز ـــ رحمه الله ـــ عام 1953م، فغادر إلى القاهرة، ثم توجه إلى بغداد عقب ثورة عبد الكريم قاسم، حيث اعتقل وسجن لمدة ثلاث سنوات، ثم أطلق سراحه، فتوجه إلى القاهرة، فبيروت، حيث توفي هناك عام 1965م.
وزبَن بمعنى لجأ، وتطلق كلمة المزبِّن على الرجل القوي، ذي المروءة، الذي يقبل من يلجأ إليه ويحميه، كما تُطلق كلمة مَزبَن على المكان المنيع.