مجرد تساؤل!!
كدت أصرخ بأعلى صوت، لولا أني كنت في مكان عام أحترمه، فكظمت غيظي ولم أجد سوى هذا المقال لأسكب غضبي فيه. استسلمنا للمقولة المستهلكة إن الشباب السعودي لا يقبل على الأعمال الشاقة ومتدنية الأجر، وانتهينا بجيوش جرارة من العمالة الأجنبية الرخيصة والتي تعتبر المملكة حقل تجارب خصبا ومركز تدريب ممتازا لها في كل المهن والحرف اليدوية. واستسلمنا أيضا لنظرية السوق الحرة وتطبيقاتها المجحفة بحق شبابنا، وسيطر الأجانب على تجارة التجزئة. ولكنني بحكم تجربتي وما أشاهده بشكل يومي، لن أستسلم أبداً لمقولة عدم توافر شباب سعودي محترف في المهن ذات الدخل المرتفع، كمهنة المالية والمحاسبة. لقد عملت في الجامعة زهاء ربع قرن، ومر أمام عينيّ شبابٌ كثرٌ يحق للوطن أن يفتخر بهم وكنت أجزم بمستقبلهم الباهر. أين هم من هذه الوظائف؟ أكاد لا أراهم في شركات الاستشارات المالية والمحاسبة والمراجعة والإدارات المالية للشركات إلا نادرا. إنني رغم عملي منذ سنوات طويلة عضوا في لجان مراجعة لشركات مساهمة، لا أكاد ألتقي شبابا سعوديا مع فرق المراجعة لتلك الشركات، وكانت الحجة التي تقال لي دوماً هي عدم توافر الكفاءات السعودية. ولكن ما آلمني وأثار غضبي في الاجتماع الأخير مع فريق مكون من ثمانية مراجعين ومستشارين غير سعوديين أغلبهم من حديثي التخرج ولم يستطيعوا الإجابة عن أسئلة بديهية بسيطة وجهتها لهم. المصيبة أنني أعلم يقينا أن مرتب الواحد منهم يقبل بأقل منه شابٌ سعوديٌّ مقاربٌ لتأهيلهم .. ما هذا التناقض؟! أين الخلل؟! لقد قيل لي من زملاء في مهن أخرى انطباق هذه الحال، لا أدري حقا، ولكنه بالتأكيد ليس السبب في الكلفة ولا التعليم ولا الخبرة. فتشوا معي، فلا بد أن هناك أسبابا أخرى. الله بها عليم.
أحبائي، سيحتجب هذا العمود الأسبوعي لالتقاط الأنفاس أرجو أن يكون هذا العمود قد ساعد ولو بشكل غير مباشر في نشر الوعي المالي والاقتصادي، شكراً لكل مَن دعم، وخاصة رئيس تحرير ''الاقتصادية''، وزملائي وطلابي وقرّائي الأعزاء، والله يحفظكم جميعا وإلى اللقاء.