الشباب طاقات فاعلة!
أثبت شباب وشابات جدة خلال كارثة السيول الأخيرة والسابقة أن لديهم طاقات تطوعية كامنة مفيدة. وتفكر الغرفة التجارية في جدة بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية تحت إشراف الإمارة، في استغلال هذه الطاقات على مدار العام، وهذا شيء حسن جدا. علينا تنظيم وتفعيل العمل التطوعي ليس بين الشباب فحسب, بل حتى بين الكبار من المتقاعدين, بل حتى من هم على رأس العمل، وسنكتشف أن لدى المجتمع طاقات عديدة يمكن توجيهها نحو استخدامات مفيدة. ولعل أهمية تنظيم هذه الجهود تأتي من الحاجة الماسة إليها في الأوقات الاستثنائية كفترات الكوارث, حيث قد تقصر طاقة الأجهزة الرسمية عن مجاراة هذا الظرف. وحينها تكون هذه الجماعات التطوعية قد اكتسبت خبرة تمكنها من سرعة تلبية الحاجات الطارئة لها.
ومن الجميل أن توسع الغرف التجارية مساهماتها تجاه المجتمع. وأنا على يقين بأن بإمكان جميع الغرف التجارية والصناعية في كل مدن المملكة أن تسهم بقدر ما تستطيع في الجهود التي تبذل لتطويق بعض مشكلاتنا الاقتصادية كمشكلة البطالة مثلا. إن تضافر هذه الجهود غدا أمرا ملحا، ولم يعد من قبيل ترف تنويع الخدمات المطلوبة من هذه الغرف. فقد توقعت دراسة أعدها مركز تنمية المنشآت الصغيرة في الغرفة التجارية والصناعية في مكة المكرمة، أن يدخل سوق العمل نحو أربعة ملايين شاب وشابة خلال السنوات العشر المقبلة. وهو رقم مذهل يشير إلى حجم التحدي الذي يقتضي يتعاون جميع أجهزتنا الرسمية والخاصة في تحمل مسؤولياتها بالجدية المناسبة والموارد اللازمة والبرامج الكافية.
ومن أساليب تطويق المشكلة ما قامت به بعض الغرف بإنشاء مراكز متخصصة لتنمية قطاع المنشآت الصغيرة. وهي خدمة تغطي سلة عريضة ومتنوعة من الخدمات الاستشارية والتدريبية والمعلوماتية والإرشادية والإجرائية التي تهدف إلى دعم الطموحين وإرشادهم لكيفية بدء مشاريع خاصة بهم مهما صغر حجمها. وكم كانت الأعمال الكبيرة نتاج فكرة صغيرة، ثم مع مرور الوقت تنمو هذه الأفكار بالاجتهاد والمثابرة وتراكم الخبرة وبناء السمعة ومعرفة أسرار النشاط. ولذلك على شبابنا وشاباتنا أن يدركوا أن التحرك الإيجابي أفضل وأضمن وأسلم من انتظار وظيفة هنا أو هناك قد تأتي وقد لا تأتي. وإذا كان الشاب مصرا على الحصول على وظيفة، فعليه أن يفعل شيئا ريثما تأتي الوظيفة. فربما اكتشف باب كسب يصرفه عن الوظيفة ويجعله يحمد الله أنه لم يبدأ حياته بوظيفة فيظل أسيرا لها!
على الشباب أن يبادروا ويجتهدوا ولا يستسلموا للإحباط, فالعمل الإيجابي سنة من سنن الحياة والفرص لا تنتهي. وفي كل جيل يبرز شباب عصاميون يسطرون قصصا رائعة ويحققون نجاحا مذهلا. ومنهم ذلك الشاب الذي حكت ''الاقتصادية'' قصته في الصفحة الأولى منذ نحو أقل من ثلاث سنوات، وفي قصته دليل على عدم صحة الادعاء بضرورة توافر رأس المال الابتدائي في كل الأحوال. فقد بدأ هذا الشاب بقرض صغير من خلال برامج عبد اللطيف جميل ثم بعد سنوات معدودة فاز بعقد مقاولة بعدة مئات الملايين! وعرفت أيضا قصة الشاب الذي أصبح يملك أكبر سلسلة معارض لبيع أجهزة الهواتف الجوالة. وكان قد بدأ من الصفر وانطلق بسرعة كبيرة ساعدته على ذلك ظروف النمو الصاروخي في تجارة هذا النشاط.
وفي محاضراتي الجامعية ولقاءاتي مع الشباب أحرص على تشجيعهم على بناء الحس التجاري في دواخلهم من الآن. وأسرد لهم قصصا واقعية عن كبار رجال الأعمال الذين بدأوا نشاطهم التجاري مبكرين واقتحموا الصعاب دون مهابة، بيد أنهم كانوا واقعيين جدا وصعدوا طريق المجد التجاري خطوة خطوة, فسليمان الراجحي بدأ عاملا ينقل أحشاء الإبل بين البائعين في السوق ودماؤها تسيل على ثوبه, وصالح كامل كان يبيع البليلة في الحارة، ثم باع المذكرات الجامعية لزملائه. ووزير البترول علي النعيمي بدأ عاملا بسيطا في ''أرامكو''. بينما بدأ حسين قزاز بنوع واحد من العطور وبإمكانات متواضعة في محل صغير جدا في السوق المقابل لباب الزيادة في مكة المكرمة. وهكذا كان حال أرباب ومؤسسي أغلبية البيوت التجارية العريقة في البلاد.
أرجو أن تكون تجارب كوارث سيول جدة كافية لتقنعنا بأهمية العمل التطوعي، وبقدرات الشباب وطاقاتهم المذهلة، علينا منحهم فرصا كافية لاستغلالها على نحو يفيدهم ويفيد مجتمعهم.