العلاج بالخلايا الجذعية.. حقيقة أم خيال علمي؟
شهدنا في العقد الماضي بزوغ ثورة طبية جديدة (تم التعارف على تسميتها الخلايا الجذعية) يعتقد الكثير من متابعيها أنها ستكون المخلَّص من جميع الأمراض والإصابات التي احتار الطب الحديث في علاجها. وإن كان هذا الاعتقاد مبنيا على معطيات علمية كثيرة أهمها النتائج الإيجابية التي تم الحصول عليها من الدراسات المختلفة على حيوانات التجارب، أو من التجارب الإكلينيكية الأولية، إلا أنه مازال هناك غموض يكتنف هذا المجال. ولم يقتصر هذا الغموض على عامة الناس، بل إن الكثير من العاملين في المجال الطبي يجهلون الكثير من جوانب هذه الثورة. ولعل من أهم النقاط التي تهم الناس، متى سيتم اعتماد العلاج بالخلايا الجذعية.
وإن كانت الإجابة عن مثل هذا السؤال صعبة وخصوصاً في عجالة كما هو الحال في هذا المقال، إلا أنه فرصة لتأكيد عدد من الحقائق:
أولاها:- أن مجال الخلايا الجذعية يُعد حديثاً نسبياً حيث لم يتمْ الاهتمام بهذا المجال إلا في النصف الثاني من التسعينيات الميلادية للقرن المنصرم, وطبيعة الاكتشافات الطبية والتطبيقات العلاجية الطبية عادةً ما تأخذ وقتاً طويلاًَ حتى تنضج، وبالتالي اعتمادها كعلاج.
ثانيتها:- أن الكثير مما ينشر أو يعلن عنه في وسائل الأعلام المختلفة من نجاحات في استخدام الخلايا الجذعية لعلاج مرض أو علة معينة، لا يتجاوز في أحسن الأحوال (مع إحسان الظن) مرحلة التجارب الإكلينيكية. ومن المعروف أنه لا يمكن الاعتداد بالتجارب الإكلينيكية إلا بعد أن تتخطى جميع مراحلها المختلفة وخصوصاً المتقدمة منها, وهذا عادةً ما يأخذ ما بين عشرة إلى 20 سنة وهو ما يتجاوز العمر الزمني لمجال الخلايا الجذعية.
ثالثتها:- مجال الخلايا الجذعية متشعب وكبير، ويكفي أن نعرف أن هناك أكثر من 170 ألف بحث نشر في هذا المجال حسب قاعدة البيانات العلمية الشهيرة pubmed, مما يعكس اتساع رقعة الاهتمام بأبحاث الخلايا الجذعية. فمجال أبحاث الخلايا الجذعية لا يتوقف عند استخدامها المباشر في العلاج (عن طريق حقنها في المريض, مثلا) بل يتعدى ذلك بمراحل, ومن ذلك استخدامها في الكشف عن فعالية بعض العقاقير الطبية والذي يُعد من أكثر مجالات الخلايا الجذعية تقدما وتطوراً.
هذه بعض من أهم الحقائق التي يجب أن تكون واضحة لدى من يهمه أمر أبحاث الخلايا الجذعية. ومع إيماني الشديد بأن مستقبل الطب الحديث سيكون بلا شك مرهونا بالتطور في مجال أبحاث الخلايا الجذعية, وهذا ماد فعني للمراهنة عليه والتخصص فيه, إلا أن هذا التفاؤل والإيمان لا إفراط فيه. ومن هذا المنطلق كنت وما أزال مع فكرة إطلاع المجتمع عامةً، والمختصين في المجال الطبي خاصةً، وبكل شفافية على آخر المستجدات دون أن يكون ذلك على حساب مصداقية ومستقبل هذا المجال الحيوي والمهم.
وتتناقل بعض وسائل الإعلام الباحثة عن الإثارة أخبارا في غالبها غير دقيقة، ناهيك عن أن كثيرا منها غير صحيحة في أساسها من تمكن بعض المتطفلين على مجال أبحاث الخلايا الجذعية من الوصول إلى حل جذري لأمراض معينة, وهذه الأخبار التي تتلاعب بآلام وجراح مرضى أعياهم المرض لا تعدو كونها دعاية ممجوجة, تدفعها أهداف شخصية ومكاسب آنية، وفي المقابل فإن أضرارها النفسية والاجتماعية والمالية كبيرة جدا, هذا دون التطرق لما لهذه الأخبار من آثار سلبية في تقدم هذا المجال وتطوره. وآمل أن يكون هذا المقال والذي كان الهدف منه تأسيس لمفهوم التعامل مع ما ينشر عن أبحاث الخلايا الجذعية، أن يكون باكورة لمقالات أخرى تسلط الضوء على جوانب تطور أبحاث الخلايا الجذعية, ونقل الصورة الصحيحة التي تنقل للقارئ حقيقة التقدم في أبحاث الخلايا الجذعية.