مجموعة العشرين واقتراح متواضع

في آذار (مارس)، وفي اجتماع جرى في بكين بتنظيم من مبادرة جامعة كولومبيا للحوار السياسي والجامعة المركزية للتمويل والاقتصاد في الصين، ناقش صناع السياسات والباحثون كيفية إصلاح النظام النقدي الدولي. وحتى لو لم يكن النظام الحالي السبب المباشر الذي أدى إلى الخلل الأخير في التوازن وزعزعة استقرار الاقتصاد العالمي، فقد أثبت عجزه في التصدي لأي من هذا.
لا شك أن الإصلاح سيتطلب مناقشة مستفيضة ومداولات. لكن الإجماع في بكين كان يدور حول ضرورة تبني مجموعة العشرين لاقتراح متواضع هذا العام: توسع محدود لنظام حقوق السحب الخاصة في صندوق النقد الدولي. وهذا الاقتراح، رغم أنه محدود في نطاقه، من شأنه أن يلعب دورا بالغ الأهمية في تحريك المناقشة فيما يتصل بإصلاحات أكثر عمقا، في حين يساعد في إعادة الصحة إلى الاقتصاد العالمي الهش وتحقيق الهدف الذي أفصحت عنه مجموعة العشرين في إعلان بيتسبرج: النمو القوي المستدام المتوازن.
ويتلخص اقتراحنا في توسيع دور حقوق السحب الخاصة من خلال إصدارات جديدة وزيادة استخدامها في قروض صندوق النقد الدولي. والقيام بهذا من شأنه أن يبنى على الاقتراح المستنير الذي قدمته مجموعة العشرين في اجتماعها الذي استضافته لندن في نيسان (أبريل) من عام 2009 بإصدار حقوق سحب خاصة تعادل 250 مليار دولار أمريكي، وهو ما تم تنفيذه بسرعة آنذاك. وتستطيع مجموعة العشرين أن تقترح على صندوق النقد الدولي إصدار كمية كبيرة من حقوق السحب الخاصة على مدى الأعوام الثلاثة المقبلة. ونحن نقترح على سبيل المثال إصدار 150 إلى 250 مليارا من حقوق السحب الخاصة سنويا (نحو 240 إلى 390 مليار دولار أمريكي طبقا لأسعار الصرف الحالية).
والواقع أن هذا التدبير من شأنه أن يخلف تأثيرات إيجابية عديدة. فهو كاف أولا للحد من ميل الاقتصاد العالمي إلى الركود، وخاصة أثناء الأزمات وما يعقبها من فترات. فالكثير من البلدان لا تزال تكدس مستويات عالية من الاحتياطيات الاحترازية، وخاصة بهدف تجنب أزمات المستقبل التي قد تنتج من أي انتكاسات لحساباتهم الرأسمالية والتجارية. والواقع أن الأزمات المالية الأخيرة علمت البلدان أن هؤلاء الذين يحتفظون باحتياطيات ضخمة أفضل قدرة على الصمود في وجه تقلبات الأسواق المالية الدولية.
ورغم أن مثل هذه التراكمات من الاحتياطيات تساعد في حماية البلدان، فإنها في فترات معينة تعمل على الحد من الطلب العالمي الكلي. ونظرا لحجمها الصغير نسبيا، فإن الإصدارات السنوية من حقوق السحب الخاصة لن تعمل إلا جزئيا على التعويض عن أوجه القصور هذه، لكنها ستساعد رغم ذلك في تعزيز التعافي العالمي والتعجيل به من دون إحداث ضغوط تضخمية. فضلا عن ذلك، فإن الحد من حاجة البلدان إلى تجنيب بعض الأموال في هيئة احتياطيات من شأنه أيضا أن يسهل بعض الحد من اختلال التوازن العالمي.
إن الوضع الأمثل لهذه الإصدارات الإضافية من حقوق السحب الخاصة سيكون مصحوبا بتدابير إضافية لزيادة فعاليتها. على سبيل المثال، من الممكن حفظ حقوق السحب الخاصة غير المستخدمة لدى بعض البلدان في هيئة ''ودائع'' في صندوق النقد الدولي، وبوسع الصندوق بعد ذلك أن يستخدمها لتمويل برامج الإقراض. ولا بد أن يكون هذا مفهوما باعتباره خطوة أولى نحو إدماج حسابات ''الموارد العامة'' و''حقوق السحب الخاصة'' في حساب واحد تابع لصندوق النقد الدولي، ولتعزيز دور حقوق السحب الخاصة في تعاملات صندوق النقد الدولي حتى تصبح في نهاية المطاف الآلية الرئيسة - بل وحتى الوحيدة - لتمويل صندوق النقد الدولي. وأثناء أي أزمة معلنة، فإن الإقراض من جانب صندوق النقد الدولي لا بد أن يكون ممولا بالكامل بإصدارات جديدة من حقوق السحب الخاصة وبكميات غير محدودة.
ومن الممكن فضلا عن ذلك إنشاء فريق عمل يتولى دراسة إصلاحات جديدة من شأنها أن تعزز من الاستقرار المالي العالمي وأن تتعامل مع أهداف اقتصادية ومالية عالمية أخرى. على سبيل المثال، قد تسهم أنظمة بديلة لتخصيص حقوق السحب الخاصة، حيث يتم منح حصة أكبر من حقوق السحب الخاصة لبلدان تطالب بالاحتياطيات بالفعل (وهي بلدان نامية في المقام الأول)، في النمو العالمي والاستقرار. ومن بين المزايا التي يشتمل عليها هذا الاقتراح المتواضع أنه لن يضر بالنتائج التي قد يتوصل إليها فريق العمل فيما يتصل بالإصلاحات الأوسع نطاقا، مثل صيغ التوزيع الجديدة لحقوق السحب الخاصة. والواقع أن إصدار حقوق سحب خاصة إضافية، رغم إسهامه في تعزيز الاستقرار العالمي اليوم، لن يعمل بأي شكل جوهري على تبديل الترتيبات النقدية القائمة.
ونحن نقترح أن يجري بحث هذا الاقتراح في الاجتماعات المقبلة لمجموعة العشرين.
لقد أثبتت مجموعة العشرين فعاليتها في الاستجابة للأزمة التي اندلعت في عام 2008. والسؤال اليوم هو ما إذا كانت مجموعة العشرين قادرة - مع مرور لحظة الأزمة وتباين ظروف ووجهات نظر البلدان المختلفة - على إظهار ذلك القدر من الزعامة التي يحتاج إليها العالم في التعامل مع مشاكله الحرجة الجارية. ومن المؤكد أن الفشل في اتخاذ خطوة ملموسة من شأنه أن يهدد بتوليد خيبة الأمل والإحباط. والواقع أن اقتراحنا يؤكد من جديد زعامة مجموعة العشرين المستمرة وريادتها في ضمان قدر أعظم من الاستقرار والنمو المستدام للاقتصاد العالمي.

خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2011.
www.project-syndicate.org

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي