ميدان المخالفات
في جدة هناك ميدان يقع قرب مكان عملي, وأشاهد كل يوم في هذا الميدان أنواعاً مختلفة ومتنوعة من المخالفات المرورية, وأطلقت عليه (ميدان المخالفات). وقد يقول قائل وما الغريب في هذا الأمر, فالمخالفات المرورية موجودة في كل مكان وفي كل مدينة, فما الجديد في هذا الأمر؟ وفي اعتقادي أن الجديد في هذا الأمر هو أن المخالفات التي ترتكب في ذلك الميدان مخالفات جسيمة وكبيرة وتؤدي إلى تعطيل حركة السير, بل قد تؤدي إلى حوادث خطيرة ينتج عنها ضحايا وفقدان الأرواح. والأغرب في هذا الأمر أن هذا الميدان, وهو ميدان الطائرة سابقاً في حي الصفا في جدة, تعبره يومياً عشرات الآلاف من السيارات, والكل يشاهد تلك المخالفات المرورية، والكل يرى كيف تتم القيادة في الاتجاه المعاكس والعبور من خلال المصدات الأسمنتية وغيرها من المخالفات الأخرى. ولا توجد ردة فعل على تلك المخالفات سواء من إدارة المرور ونظامه (ساهر)، أو إدارة الطرق أو الأمانة, التي تعاني في تلك المنطقة أشد المعاناة, فهي منطقة مشاريع انتهى بعضها مثل (النفق) وما زالت ما قبله وما بعده من مشاريع للكباري لم تنته, ما أسهم في وضع العديد من التحويلات المرورية هناك, وبالتالي أدى إلى زحام شديد وفوضى واضحة, فهناك أربعة طرق تصب في نقطة واحدة شمال نهاية النفق الموجود, ما يؤدي إلى عرقلة السير بشكل يومي وتوقف الحركة في كثير من الأوقات.
ليست القضية ــ في رأيي ــ قضية تعثر مشاريع تنموية، ولا قضية مخالفات مرورية عادية، ولا قضية تنقل. مسؤولية ما يحدث بين عدد من الإدارات الحكومية, كما إنني لا أسعى من خلال هذا الطرح إلى النيل من جهة ما أو نقدها, فلكل منها ظروفها التي قد لا أعلمها, لكن ـ في رأيي ـ أن القضية تتلخص في أني أشاهد كل يوم مخالفات كبيرة في ميدان عام قد تؤدي إلى حوادث جسيمة ووفيات، ولم يتحرك أحد وكأن الجميع ينتظر أن تقع تلك الكارثة ونفقد بعض الضحايا حتى يتم التحرك لمعالجة الوضع وإيجاد الحلول. وهذا الحال أجده يتكرر في كثير من قضايانا المعاصرة, إذ إننا نلاحظ وجود المشكلة ومعاناة الناس وتضررهم ومع ذلك لا نرى التغيير يحدث، ولا نرى أي ردة فعل في كثير من الأحيان من أي مسؤول, ما قد يسهم في تفاقم الوضع.
لقد كنت مترددا في الكتابة عن هذا الموضوع, إذ إنني كلما تحدثت مع أي زميل يفيدني بأنه لا فائدة من طرح الموضوع, وليس هذا أول ميدان تحدث فيه مخالفات، ولن يكون الأخير، وانتظر إلى أن يفرجها المولى ــ عز وجل.ـ ومع ذلك عزمت على الكتابة في هذا الموضوع لأنني اعتقدت أنني لن أسامح نفسي لو وقع حادث وأدى إلى سقوط ضحية جديدة، وهذا في اعتقادي ما يجب أن نسعى إليه جميعاً, فجميعنا نرى ميادين مختلفة للمخالفات بغض النظر عن نوعية تلك الميادين وتلك المخالفات. ويجب علينا أن يكون لنا دور في تصحيح ذلك الأمر, إذ إن التغيير لن يحدث من خلال المشاهدة, ولن يحدث من خلال الامتعاض أو الانتقاد، لكن من أراد التغيير فيجب أن يصنعه هو من خلال مبادرة بكلمة أو فعل يسهم في التغيير, أما الانتظار كي يحدث التغيير فهذا ما قد يستغرق وقتاً طويلاً, فلنكن ممن يصنع التغيير لا من ينتظره.