قصة نجاح
حتى نتطور ونحسن من مستوى ما نقدمه من أعمال يجب علينا أن نستفيد من أخطائنا وأن ندرس قصص نجاح غيرنا لنستفيد مما لديهم من إيجابيات ونسعى لتطبيقها بما يتلاءم مع ظروفنا الاجتماعية ونتعلم من السلبيات ولا نقوم بالوقوع فيها.
كتب بيرت مايس في العام الماضي مقالا بعنوان (ما الذي يجعل التعليم في فنلندا جيدا؟) وقد تضمن المقال عشرة مبادئ للإصلاح تقود إلى النجاح. وقد أوضح المقال أن الطلاب في فنلندا تفوقوا على أقرانهم في 43 دولة بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا واليابان في مواد الرياضيات والعلوم ومهارات القراءة، كما صنفت فنلندا بأنها تتمتع بأفضل تنافسية اقتصادية وكل ذلك نبع بشكل مباشر من سياسات التعليم التي طبقت في هذه الدولة قبل 40 سنة، ولم تكن قضية تطور فنلندا في التعليم قائمة على جمال المباني المدرسية أو رقي المستوى العلمي للمعلمين أو المقررات التعليمية بل كانت من خلال مبادئ أساسية تم اعتمادها كاستراتيجية للتعليم في تلك الدولة.
من تلك المبادئ أن جميع الأطفال الذين تبلغ أعمارهم سبع سنوات يتم توجيههم إلى المدارس الابتدائية الإلزامية ليقضوا فيها تسع سنوات وجميع الصغار يبدأون في نفس المستوى بغض النظر عن خلفياتهم الاقتصادية أو الاجتماعية ويتعلمون نفس المهارات والمواقف الأساسية التي يمكن أن تصاحبهم في حياتهم العملية، كما يمكن أن تفيدهم في تحصيلهم العلمي الأكاديمي في السنوات المقبلة.
أما المعلمون فيذكر المقال بأنه يتم إعدادهم في الجامعات ويتمتعون باحترام وتقدير كبيرين ويرجع ذلك إلى أن كل المعلمين الذين يلتحقون بالمؤسسات التعليمية يجب أن يكونوا من حملة درجة الماجستير ليتأهلوا للحصول على هذه الوظيفة، كما يتم عمل مقابلات وفق ضوابط صارمة بحيث يتم قبول نسبة 10 في المائة فقط من المتقدمين في كل عام للانضمام لتلك المؤسسات، ويتميز أولئك المعلمون باستقلالية كبيرة في الفصول الدراسية بحيث يختارون الطرق التعليمية المفضلة والملائمة لهم، كما يسعون إلى تحديث مهاراتهم المهنية بشكل مستمر من خلال عدد من الدراسات العليا.
كما يشير المقال إلى أنه وعلى مدى 40 عاما تنظر السلطات السياسية إلى التعليم كعامل رئيسي للبقاء والازدهار واعتبرت تلك الحكومات التعليم محركا مهما للنمو الاقتصادي، بل إن بعض الباحثين يقول إن التعليم أسهم في 25 في المائة من النمو الذي حققته فنلندا، (الاستثمار في الأفراد هو الاستثمار الأفضل).
لم تكتف فنلندا بكل ما سبق بل وفرت الحكومة المركزية تمويلا هائلا لضمان (التعليم المجاني للجميع)، فأصبحت متكفلة بجميع مصاريف التدريس وتوفير الوجبات الساخنة في المدارس والوسائل التعليمية ووسائل المواصلات والمعدات الجديدة والمرافق الترفيهية والمرشدين، ما أسهم في أن يركز المعلمون فقط على التدريس والتعليم وتقديم الأفكار الجديدة.
من أبرز ما يميز التعليم في فنلندا هو الثقة في المدارس والمعلمين، إذ إن المدارس هناك تتمتع باستقلالية تامة من ناحية تطوير طريقة تقديم الخدمات التعليمية اليومية وتؤمن وزارة التعليم هناك بأن المعلمين إلى جانب مديري المدارس وأولياء الأمور ومجتمعاتهم يدركون كيفية توفير أفضل تعليم ممكن للأطفال والشباب، لا توجد خطط أو اختبارات مفروضة بل للمدارس وضع الخطط الملائمة لها مع مراعاة الجوانب المحلية لكل مدرسة.
ومن المميز في مدارس فنلندا التعليم الصناعي والذي كان محورا للسياسات التعليمية هناك منذ التسعينيات، وهناك إجماع واسع على أهمية زيادة التعليم في المجالات التقنية والعلوم البيئية وريادة الأعمال والتي تسهم بدورها في التطور والنمو الاقتصادي.
ومما ذكرته تلك التجربة أن التعليم في فنلندا يقوم على البناء على تجربة المعلمين المحليين والذين تتيح لهم خبراتهم وآراؤهم وقدراتهم تحديد أفضل الطرق للسير إلى الأمام، ما أسهم في إيجاد منظمات خاصة للمعلمين والمربين يتم من خلالها الاستفادة من طاقاتهم وخبراتهم التي اكتسبوها كما يسهم في تطوير مهاراتهم.
تجربة التعليم في فنلندا تجربة فريدة وقصة نجاح مميزة آمل أن تتم دراستها للاستفادة منها في تطوير مستوى التعليم في وطننا.