عبد الناصر نموذج آخر

كثيرا ما نقف عند عبارة رأس المال البشري، وكثيرا ما نتحدث عن أن من أهم أنواع الاستثمار للدول في العالم هو الاستثمار في العنصر البشري، وكثيرا ما نسمع عن دعم الموهوبين والتعريف بأنشطتهم والترويج لابتكاراتهم، كل ذلك وغيره الكثير مما يهدف إلى السعي نحو الاهتمام بأبناء وبنات الوطن ورعايتهم باعتبارهم مستقبل هذا الوطن وهم الأمل في تحقيق الإنجازات والرقي.
وهذا الوطن يزخر بكثير من الكنوز البشرية، وبين فترة وأخرى نجد أن أحد أبنائه قد تميز في مجال من المجالات سواء كانت العلمية أو الفنية أو الطبية أو غيرها من المجالات التي تؤكد أن شبابه يمتلك الشيء الكثير من الطاقات والقدرات والمهارات لو أحسنا الاهتمام به ورعايته وتشجيعه.
عبد الناصر الغارم أحد أبناء هذا الوطن ويعمل في القطاع العسكري في منطقة عسير وعلى الرغم من طبيعة عمله العسكرية إلا أن داخل هذا الشاب روحا فنية متميزة لم يكتشفها أحد إلا أحد السياح الأجانب الذين كانوا يزورون قرية المفتاحة التشكيلية قبل نحو عشر سنوات، فقد تعرف على بعض أعمال عبد الناصر الفنية ووجد فيها نموذجا فنيا رائعا وأعجب بهذا الفن الراقي، وعمد هو وعبد الناصر إلى تشجيع الفنانين السعوديين والتعريف بفنهم في المعارض الدولية وذلك من خلال تأسيس معرض للفنانين السعوديين أطلقوا عليه اسم Edge Of Arabia أو حافة الصحراء.
ومع مرور الزمن ازداد عدد الفنانين السعوديين الذين يقدمون أعمالهم من خلال هذا المعرض، وقد تم دعم هذا المعرض من قبل مبادرات عبد اللطيف جميل الاجتماعية، وشارك في عدد من المعارض الدولية في فرنسا وإسبانيا ولندن، كما شارك في عدد من المزادات الدولية والتي كان آخرها مزاد في دبي.
عرض الفنان عبد الناصر الغارم عمله الفني الأسبوع الماضي في مزاد كريستيز العالمي في دبي وكان عبارة عن قبة من الخشب والنحاس بحجم ثلاثة أمتار تجسد قبة الصخرة في مدينة القدس، وكان التصور المبدئي لقيمة ذلك العمل في تقدير القائمين على المزاد لا تتجاوز 70 ألف دولار، وكانت المفاجأة أن هذا العمل حقق في نهاية المزاد مبلغا وقدراه 842.500 دولار تم دفعها مقابل هذا العمل الفني السعودي، أي أكثر من عشرة أضعاف ما كان مقدرا له.
الفنان عبد الناصر لم يصدق هذا الخبر عندما تم إبلاغه به وظن أن بعضهم أحب أن يمازحه، وعندما تحدثت معه كان مندهشا من هذا التقدير الذي حصل عليه عمله الفني في مزاد دبي العالمي، وهذا هو حال كثير من المواهب الفنية الوطنية المميزة، فكثيرا ما تهمش ولا يلتفت إليها أحد ولا يسعى إلى دعمها أو تشجيعها من قبل المسؤولين، بل قد يسخر البعض منها ويشكك فيها، والمؤسف أيضا أنه لا نجد التغطية الإعلامية المناسبة لمثل هذا الإنجاز الفني الوطني.
عبد الناصر نموذج آخر من المواهب الفنية الموجودة في هذا الوطن والتي يجب أن نسعى إلى اكتشافها وتطويرها وتنميتها وأن نحرص على أن نستثمر فيهم وأن نوفر لهم كل رعاية وتأهيل ودعم، فهذه المواهب هي كنوز تحتاج منا إلى صقل واهتمام وسيكون أصحابها بعد نجاحهم خير سفراء لهذا الوطن ومصدر إلهام للأجيال من بعدهم، وهم رأس المال الباقي والثروة الحقيقية الباقية إذا ما ضمرت باقي الثروات الطبيعية.
إن نشأة جيل اليوم تواكبها قفزة تقنية كبيرة في عديد من المجالات ولن تتقدم الأمم إلا بإنجازات أبنائها ولن يحقق الأبناء الإنجازات إلا من خلال تأهيل ورعاية متميزة ومهما سخرت لهذه الرعاية وهذا التأهيل من مال فهو ليس كثيرا لأن العائد ــــ بإذن الله ــــ منه سيكون أكثر، فخير لنا أن نشجع أبناءنا ونستفيد من قدراتهم وطاقاتهم ونكتشف مواهبهم فهم الثروة الحقيقية لهذا الوطن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي