ليست كل الاكتتابات بالقيمة الاسمية جيدة.. ولا كل علاوات الإصدار سيئة
لعل من المسلمات لدى عموم المستثمرين أن أي اكتتاب بلا علاوة إصدار ربحها بيّن، وأن أي اكتتاب بعلاوة إصدار يستحق النظر بعين الريبة. ولكن الواقع يختلف عن ذلك كثيراً.
فالأصل أنه لا يجوز لأي شركة أن تطرح أسهمها للاكتتاب العام إلا بعد أن تحقق الاستقرار والربحية لثلاث سنوات على الأقل، وهذا من باب حماية عموم المستثمرين من الاستثمار في شركات وهي مجرد ''حبر على ورق'' مما يعرضهم لتحمل قدر عال من المخاطرة. ومن هذا المنطلق وإذا كان مؤسس الشركة قد تكبد الاستثمار والجهد والوقت لتحويل المشروع من مجرد فكرة على ورق إلى مشروع مربح ويدر دخلاً مستقرّاً، فمن غير المنطقي في هذه الحالة أن يُدخل معه شركاء بالسعر نفسه الذي أسس به مشروعه، ومن هذا المنطلق فإن الاكتتاب عادة يكون بسعر أعلى من قيمة السهم الاسمية وهي التي استثمر فيها المؤسس لدى بداية المشروع. وقد جرت العادة في هذا الصدد بحساب علاوة الإصدار (أي المبلغ الذي يزيد فيه سعر السهم في الاكتتاب عن القيمة الاسمية)، بحيث ينظر المستثمر للمشروع بنظرة ريبة وشك كلما زادت علاوة الإصدار فيه. والحقيقة أن التقييم العادل لسهم الشركة التي تحقق الربح لا علاقة له بعلاوة الإصدار بل بسعر السهم مقارنة بأرباحه المحققة (أو ما يعرف بمكرر الأرباح). فعلى سبيل المثال لنفترض أن لدينا شركتين: شركة ''فكرة وحلم'' و شركة ''ربح وفلّة''، وكلتاهما رأسمالهما 100 مليون ريال، وهما مطروحتان للاكتتاب العام. شركة فكرة وحلم بالكاد تحقق أرباحا (مليون في السنة)، بينما شركة ربح وفلة أكثر نجاحاً وربحية حيث تحقق 30 مليون ريال من الأرباح. ولو افترضنا أن شركة فكرة وحلم مطروحة بعلاوة إصدار 10 في المائة فقط (أي أن سعر السهم 11 ريالا)، بينما شركة ربح وفلة مطروحة بعلاوة إصدار 100 في المائة (أي أن سعر السهم 25 ريالا). هل يعني ذلك أن الاكتتاب في سهم شركة فكرة وحلم أجدى من الاكتتاب في شركة ربح وفلة؟ بالطبع لا!! لأنه بهذين الاكتتابين فإن شركة فكرة وحلم مقومة بمكرر أرباح يبلغ 110 أضعاف 100 مليون ريال رأس المال + 10 % علاوة إصدار / الربح البالغ مليونا سنويا)، بينما شركة ربح وفلّة مقومة بمكرر أرباح أقل بكثير يبلغ 6.67 ضعف 100 مليون ريال رأس المال + 100 % علاوة إصدار/ الربح البالغ 30 مليونا سنويا)، أي أن المستثمر الذي يدخل بسعر الاكتتاب يتوقع استعادة ما دفع من أرباح الشركة الحالية خلال السنوات السبع المقبلة (إذا استمرت الأرباح بالوتيرة نفسها)، بينما المستثمر في شركة فكرة وحلم لن يسترجع ما دفع إلا بعد 110 سنوات على الأرباح الحالية، أو إذا نمت الأرباح بشكل كبير. هذا يعني أن شركة ربح وفلة أقل قيمة وأكثر جدوى من سابقتها، وبالتالي فإن الاقتصار بالنظر لعلاوة الإصدار كمؤشر لجاذبية الطرح قد يعطي صورة مغلوطة للواقع.
وبالمقابل، وعلى سبيل الاستثناء، فقد اشترط النظام على الشركات التي تمارس عملها بناء على امتياز حكومي (سواء كان على شكل رخصة أو لقيم للغاز أو غيره) أن تطرح أسهمها بعد مدة محدودة من الترخيص لها بالقيمة الاسمية، وقد كان هدف النظام من ذلك نبيلاً لأنه افترض أن أي شركة تمارس عملها بناء على امتياز حكومي ستحقق الربح على نحو مضمون أو شبه مضمون، لذا فإن الأولوية في هذه الحالة ليست لحماية المستثمر، إنما ضمان مشاركته منذ وقت مبكر وبسعر رخيص في مشروع واعد، وذلك من قبيل توزيع الثروة على المواطنين. وبالرغم من أن هذه هي الفكرة العامة، إلا أننا أصبحنا نجد العديد من المشاريع التي تمارس عملها بناء على امتياز وقد اكتشفت في وقت لاحق أن احتمالية نجاحها لم تكن بالشكل المؤكد الذي هدف إليه النظام، بل إن العديد من هذه الشركات أصبحت تواجه مصاعب مالية تهدد استمراريتها. هذا الواقع طبيعي إلى حد ما بالنسبة لأي شركة حديثة التأسيس ولم تصل بعد لحد الربحية، إذ إن من المتفق عليه أن هذا النوع من الشركات عالي المخاطر، ولكنه لا يتناسب مع نظرة صانع القرار لتلك المشاريع على أنها ''شبه مضمونة'' على نحو يبرر تشجيع عامة المستثمرين على الاكتتاب بها في فترة إنشائها وتعريضهم لخطر الفشل.
ومن السرد أعلاه تظهر لنا النتائج التالية:
أولاً: ليست كل شركة تطرح بعلاوة إصدار هي شركة غير جذابة، بل إن الأمر لا يعود لحساب علاوة الإصدار بقدر ما يعود لمقارنة قيمة الشركة وقت الاكتتاب بربحيتها وقت الطرح (وذلك قد يكون باستخدام مكرر الأرباح الذي يعتبر من أبسط وسائل تقييم الشركات).
ثانياً: وبالمقابل، ليست كل شركة تطرح بلا علاوة إصدار تعتبر ذات جدوى استثمارية، خصوصاً إذا كانت الشركة لم تبلغ حد الربحية وإذا كانت في مجال عالي التنافسية لا يتناسب مع تكييفها أنها ''شبه مضمونة''.
ثالثاً: ينبغي تغيير القاعدة العامة بالاكتتاب الفوري بالقيمة الاسمية للشركات التي تمارس عملها وفق امتياز حكومي، إذ إن تطبيق هذه القاعدة على إطلاقها قد يدخل عموم المستثمرين في استثمارات عالية المخاطرة في قطاعات قد تتسم بالتنافسية العالية مما يهدد مدخراتهم.