التأمين على المقالات الصحفية

صدور التعديل على خمس مواد من نظام المطبوعات والنشر قوبل بردود فعل متفاوتة في الأوساط الثقافية والإعلامية، فمنهم من أثنى وشكر وأيد تلك التعديلات، ومنهم من التزم الصمت، ومنهم من أعرب عن امتعاضه وعدم رضاه، بل وأبدى رغبته في التوقف عن الكتابة، وهذا أمر طبيعي فلا يمكن أن يصدر قرار ما إلا وتجد له مؤيدين وآخرين لهم وجهة نظر مختلفة.
وقد ورد في مقدمة التعديل أن من أسباب التعديل ما لوحظ من تساهل بعض وسائل الإعلام في ذلك الأمر من خلال الإساءة أو النقد الشخصي سواء للعلماء الأفاضل أو غيرهم ممن حفظت الشريعة لهم كرامتهم وحرمت أعراضهم من رجال الدولة أو أي من موظفيها أو غيرهم من المواطنين، مع التأكيد على حقيقة النقد البناء الذي لا يستهدف الأشخاص والتنقص من أقدارهم أو الإساءة إليهم تصريحا أو تلويحا.
وقد اطلعت على المواد التي تم تعديلها ووجدت أن ذلك التعديل يحتاج إلى مزيد من التفصيل والإيضاح حتى لا يساء تفسيره ويوضع في غير موضعه، ومن ذلك الإيضاح المطلوب ما ذكر في نص تعديل المادة التاسعة والذي سيكون (يلتزم كل مسؤول في المطبوعة بالنقد الموضوعي والبناء الهادف إلى المصلحة العامة، والمستند إلى وقائع وشواهد صحيحة ويحظر أن ينشر بأي وسيلة كانت مما يأتي: ما يخالف أحكام الشريعة الإسلامية أو الأنظمة النافذة، ما يدعو إلى الإخلال بأمن البلاد أو نظامها العام، أو ما يخدم مصالح أجنبية تتعارض مع المصلحة الوطنية، التعرض أو المساس بالسمعة أو الكرامة أو التجريح أو الإساءة الشخصية إلى مفتي عام المملكة أو أعضاء هيئة كبار العلماء أو رجال الدولة أو أي من موظفيها أو أي شخص من ذوي الصفة الطبيعية أو الاعتبارية الخاصة، إثارة النعرات وبث الفرقة بين المواطنين، تشجيع الإجرام أو الحث عليه، ما يضر بالشأن العام في البلاد، وقائع التحقيقات أو المحاكمات، دون الحصول على إذن من الجهة المخولة نظاماً).
هناك توضيحات وتفسيرات مهمة تحتاج إلى أن تعلن وتربط بهذه المادة لا تقل أهميتها عن أهمية الإعلان عن التعديل نفسه، فحظر نشر ما يخالف أحكام الشريعة الإسلامية هو إطار واسع تختلف فيه الآراء والأحكام وإن اتفقنا على نبذ ما قد يخل بأمن هذا الوطن فكيف سنحدد إطار المساس بالسمعة أو الكرامة أو التجريح أو الإساءة الشخصية، وهذه قضية واسعة وكبيرة يجب أن يشار إليها عند إصدار الوزارة للقواعد المنظمة لعمل اللجنتين الابتدائية والاستئنافية المشار إليها في تعديل المادة 37 والمادة الـ 40، كما أن حرية الرأي المنضبطة والمسؤولة والتي أشير إليها في مقدمة القرار هي الأخرى تحتاج إلى تفسير وتوضيح، فما هو إطار تلك الحرية المنضبطة وما هو تعريفها وكيف يمكن الالتزام بها وعدم تجاوزها.
أما ما تضمنه الأمر من غرامات فهي بلا شك غرامات رادعة وقوية ستسهم في الحد من الكثير من التجاوزات التي كانت في السابق وستجعل أولئك المتجاوزين يفكرون كثيرا قبل الشروع في التجاوز، ولعل بعضهم يلجأ إلى القيام بالتأمين على مقالاته وعلى ما يكتب لدى شركات التأمين حتى لا يتحمل عقوبة النصف مليون ريال التي قد تطاله في حال تجاوزه ومخالفته.
أعتقد أننا يجب أن ننظر إلى الأمور دائما بإيجابية وأن نحكم العقل والمنطق في أعمالنا وأقوالنا، فجميعنا وإن اختلفت آراؤنا وأفكارنا توحدنا الشريعة الإسلامية وتوحدنا مصلحة هذا الوطن وخدمته، فيجب علينا أن نسمو بمفاهيمنا ونرتقي بها فلن تحصر مجالات المقالات في بنود المحظورات التي أعلنت كالنقد الشخصي أو التجريح أو إهانة الآخرين، بل المجال أوسع من ذلك بكثير والكلمة الطيبة لها مكانتها والحق بيّن، فعلينا أن نستفيد مما يصدر من قرارات وأنظمة تسعى إلى وضع حدود وضوابط تسهم في إحقاق الحق وإزهاق الباطل وإنهاء الفوضى والحروب الكلامية التي كانت تثار بين فترة وأخرى ما يسهم في وضع إطار لحرية الرأي يسعى لتحقيق الصالح العام ويشيع الألفة والتحاب وينبذ الفرقة والخلاف.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي