الغاز الصخري .. هل سيغير خريطة الطاقة العالمية؟ «2 من 2»
في الجزء الأول من هذه المقالة تناولنا التحولات الجذرية في صناعة الغاز العالمية المتمثلة بثورة الغاز الصخري، وضخامة الأرقام التي يتم تداولها عن مخزونات الغاز الصخري ترجح أنه سيغير قواعد اللعبة في صناعة الغاز العالمية وستكون له تداعيات على الصناعات المرتبطة بالغاز وفي مقدمتها صناعة البتروكيماويات.
وسنناقش في هذا الجزء بشيء من التفصيل أبعاد ظاهرة الغاز الصخري عالميا ومحليا.
#2#
تداعيات ظاهرة الغاز الصخري
تطور صناعة الغاز الصخري في الولايات المتحدة خلال العقد الماضي والتغييرات الهيكلية المتوقعة في أسواق الطاقة تبرز إلى الواجهة جملة من التداعيات المحتملة لعل أبرزها:
أولا: تباطؤ التحول نحو الطاقة المتجددة
مع بدء إنتاج الغاز الصخري في عدد من الدول سيصبح من العسير على حكوماتها المضي بتبني برامج تطوير الطاقة المتجددة الباهظة التكاليف والتي لا تستطيع المنافسة إلا من خلال دعم مالي مكثف تقدمه الحكومات في وقت يتوافر فيه وقود محلي نظيف بسعر منافس وبكميات تغطي الاستهلاك المحلي لعقود طويلة قادمة.
هذه المعطيات قد تحجم أو تبطئ توجهات الدول المنتجة للغاز الصخري لتطوير مصادر الطاقة المتجددة التي قد تأخذ مدى زمنيا أطول حتى تصبح جاهزة للمنافسة دون دعم عندما تتناقص إمدادات الغاز الصخري بعد عدة عقود. لكن ذلك لن ينسحب على توقف الدعم والإعانات الحكومية لبرامج البحث والتطوير الخاصة بالطاقة المتجددة في الدول الصناعية. وبالمثل فإن وفرة الغاز الصخري ستجعله الخيار المفضل لتوليد الكهرباء على حساب بناء المفاعلات النووية ذات التكاليف الاستثمارية العالية أو الفحم الحجري الأكثر تلويثا للبيئة من الغاز بنسبة 45 في المائة.
ثانيا: التداعيات الجيوسياسية
قبل ''ثورة'' الغاز الصخري كانت كل المؤشرات تدل على تنامي اعتماد الدول المستهلكة للغاز على تلبية احتياجاتها من الخارج في وقت تعاظمت فيه أهمية الغاز كمصدر للطاقة. وكانت المخاوف آنذاك تتركز حول كون معظم تلك الإمدادات تأتي من مناطق غير مستقرة أو معادية للغرب مثل روسيا وإيران وهما تسيطران على إمدادات الغاز وتملكان أكبر احتياطيات الغاز المعروفة في العالم.
وسبق لروسيا مطلع عام 2009 استخدام إمدادات الغاز لأوروبا كرافعة سياسية، حيث أدت الخلافات مع أوكرانيا إلى إيقاف صادراتها من الغاز تاركة مستهلكيه في كييف وأوروبا بلا وقود في شتاء قارص، وهو الأمر الذي أجبر أوكرانيا على التخلي عن الغرب والارتماء في أحضان موسكو. ولعل ما أسهم في تعزيز نفوذ روسيا كون أوروبا تحصل على 25 في المائة من إمداداتها من الغاز عبر خطوط أنابيب من روسيا مع اعتماد بعض المستهلكين عليها اعتماداً شبه كلي.
ومع اكتشاف الغاز الصخري في أوروبا وحتى قبل أن يبدأ الإنتاج تعززت القوة التفاوضية للمستهلكين ما اضطر مصدري الغاز إلى إبداء مرونة أكبر في الأسعار، حيث خفضت غازبروم الروسية أسعار الغاز لأوكرانيا وأوروبا مطلع 2011 بنسبة 30 في المائة، إضافة إلى ذلك ستذكي الإمدادات المحلية المتزايدة من الغاز الصخري المنافسة بين الدول المصدرة للغاز للحفاظ على حصصها في الأسواق العالمية ما يضع إسفينا في مساعي تلك الدول لتكوين منظمة لمصدري الغاز على غرار أوبك وهو هدف لم تخف روسيا رغبتها في تحقيقه لكنه أضحى غير قابل للتحقيق.
ويرجح دخول الغاز الصخري مرحلة الإنتاج التجاري في الولايات المتحدة بدوره إلى وضع استراتيجية أمن الطاقة التي ترفعها الإدارات الأمريكية المتعاقبة على الرف لانتفاء الحاجة إليها.
الأمر نفسه ينطبق على الصين حيث ستساعد الاحتياطيات المكتشفة فيها من الغاز الصخري والتي تقدر بنحو 30 تريليون متر مكعب على تقليص وارداتها من دول غير مستقرة مثل إيران والسودان وبورما وأنجولا.
وهذا يفسر الهدف الذي حددته الصين لشركاتها بإنتاج 30 بليون متر مكعب سنويا والتي تعادل نصف مستويات استهلاكها من الغاز في عام 2008.
وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى موافقة الرئيس أوباما في تشرين الثاني (نوفمبر) 2009 على تزويد الصين بتقنيات إنتاج الغاز الصخري وهي خطوة تعكس رغبة الولايات المتحدة في فك ارتباط الصين بتلك الدول!
ثالثا: التداعيات الاقتصادية
يشكل الغاز المسال في الوقت الحاضر نحو 30 في المائة من إجمالي مبيعات الغاز السنوية عالميا مرتفعا من 5 في المائة في تسعينيات القرن الماضي.
وخلال عامي 2009/2010 تمت إضافة 9 بليون متر مكعب إلى إجمالي الطاقة الإنتاجية العالمية للغاز المسال ما أدى إلى حصول فائض في العرض ضغط على أسعاره في الأسواق العالمية.
وقبل بدء إنتاج الغاز الصخري كان من المتوقع أن يشكل الغاز المسال نصف تجارة الغاز العالمية بحلول عام 2025 لكن التقديرات المعدلة اليوم ترجح ألا تبلغ تلك الحصة إلا الثلث غالباً.
وفي الولايات المتحدة، يستطيع المراقب أن يرى تأثير الغاز الصخري على صناعة الغاز المسال إذ إن موانئ استيراد الغاز المسال تكاد تكون خاوية، ومن المتوقع أن نشهد مستقبلا تراجع اعتماد الولايات المتحدة على الغاز المسال بحيث تنتفي الحاجة إليه بحلول عام 2015م. وفي هذا المناخ ستتوجه حمولات الغاز المسال من قطر وغيرها إلى مشترين أوروبيين، ما سيشكل فائضا في العرض ويضغط على أسعار الغاز المسال في السوق الفورية.
تاريخيا يبلغ مكرر سعر النفط إلى الغاز 9: 1 بمعنى أن سعر النفط يبلغ تسعة أضعاف سعر الغاز. ومع التوسع في إنتاج الغاز الصخري في الولايات المتحدة ارتفعت هذه النسبة لتبلغ نحو 17: 1 في عام 2009.
وواصلت الارتفاع خلال الربع الأول من العام الحالي لتبلغ نحو 24: 1 بسبب القفزة الكبيرة في أسعار النفط المصحوبة بانخفاض أسعار الغاز في الأسواق العالمية. بلغة الأرقام تراجعت أسعار الغاز من مستوى 11-12 دولار لمليون وحدة حرارية بريطانية قبل عام 2008 إلى 4-5 دولارات لمليون وحدة حرارية بريطانية في الربع الأول من عام 2011.
ولن يكون مستغربا انخفاض الأسعار في السوق الأمريكي إلى ما دون هذه المستويات بسبب الفائض في إمدادات الغاز والتطور التقني الذي ينعكس على تخفيض تكاليف الإنتاج مستقبلا. ومن المهم الإشارة إلى أن تكاليف إنتاج الغاز الصخري ستبقى أعلى نسبيا من تكاليف الغاز التقليدي ما يرجح أن الأولوية ستعطى للغاز التقليدي الأرخص تكلفة في البلدان التي تملك مزيجا من الاثنين.
هذه المعطيات ستحسن اقتصاديات الصناعات الكثيفة الاستخدام للطاقة ومن ضمنها صناعة البتروكيماويات الأمريكية وهو موضوعنا التالي.
ما أبعاد الغاز الصخري على صناعة البتروكيماويات؟
صناعة البتروكيماويات في الولايات المتحدة تعد من بين الأكبر عالميا لجهة الطاقات الإنتاجية التي شكلت في عام 2010 نحو 25 في المائة من إجمالي الإنتاج العالمي وكذا السوق الأمريكي الذي يستهلك نحو ثلث إجمالي الإنتاج العالمي من البتروكيماويات.
وعلى العكس من أوروبا وآسيا التي تعتمد على النفثا كمادة أولية لإنتاج البتروكيماويات الأساسية، تعتمد الصناعة الأمريكية بالدرجة الأساس على الغاز وسوائله (الإيثان، وغاز البترول المسال، والمكثفات).
وقبل ''ثورة'' الغاز الصخري كانت توقعات المحللين تجمع على أن حصة الولايات المتحدة من كعكة الإنتاج العالمي ستنكمش بحلول عام 2015 إلى نحو 20 في المائة وسيواكب ذلك تحولها من دولة مصدرة للبتروكيماويات ـ وتحديدا خامات البلاستيك ـ إلى دولة مستوردة لها.
وبنيت تلك التوقعات على تراجع تنافسية الصناعة الأمريكية إزاء مراكز الإنتاج الجديدة في منطقة الخليج والصين بسبب ارتفاع أسعار الغاز في السوق الأمريكي إضافة إلى تقادم وحدات الإنتاج التي تتطلب صيانتها تكاليف عالية. فعلى سبيل المثال 21 في المائة من وحدات إنتاج الأثيلين عمرها أكثر من 35 سنة وهي تمثل 33 في المائة من طاقات إنتاج الأثيلين في الولايات المتحدة.
ونتيجة لذلك إضافة إلى تراجع الطلب بسبب الأزمة المالية العالمية بلغ حجم طاقات الأثيلين التي تم إيقافها بنهاية عام 2009 نحو 1.6 مليون طن تشكل ما نسبته 5.5 في المائة من إجمالي طاقات إنتاج الأثيلين. لكن هذه الصورة تغيرت جذريا خلال السنوات القليلة الماضية مع تنامي إنتاج الغاز الصخري ما انعكس إيجابا على تنافسية منتجي البتروكيماويات في الولايات المتحدة من خلال:
• تحسن اقتصاديات إنتاج البتروكيماويات، فوفقا لدراسة حديثة لمصرف مورغان ستانلي ستكون تكاليف إنتاج البولي أثيلين في الولايات المتحدة أقل بنسبة 50 في المائة من تكاليف إنتاجه في آسيا وأوروبا بحلول عام 2012. فأسعار غاز الإيثان تراجعت بنسبة 65 في المائة عن مستوياتها قبل 2008 وهذا مثل نقلة دراماتيكية في اقتصاديات إنتاج البولي أثيلين الذي تمثل تكاليف اللقيم فيها نحو 60 في المائة من تكاليف الإنتاج التشغيلية. يضاف إلى ذلك أن الغاز يستخدم كوقود في المصانع وأي توفير في فاتورة الوقود سيحسن هوامش أرباح المنتجين بشكل ملحوظ.
• توسيع الطاقات الإنتاجية لتوظيف اقتصاديات الحجم التي تتيحها وفرة إمدادات الغاز واللقيم بما يعظم اقتصاديات الإنتاج في الصناعة. وهذا ما تجسد في مسارعة العديد من اللاعبين الكبار لزيادة طاقات وحدات تكسير الإيثان ومن بينها شركة داو كيمكال ثاني أكبر منتج للكيماويات عالميا التي أعلنت في كانون الأول (ديسمبر) الماضي خططا لزيادة طاقات وحدات تكسير الإيثان بنسبة 30 في المائة خلال السنتين أو الثلاث المقبلة.
ويعتبر الإنتاج والطلب على الأثيلين بمثابة الثرموميتر الذي يكشف عن حالة صناعة البتروكيماويات في بلد ما لأنه اللقيم أو وحدة البناء الأكبر حجما في الصناعة إضافة إلى كونه الأكثر تنوعا في عدد المشتقات.
وخلال السنوات الخمس الماضية زادت كمية الإيثان المتاحة لإنتاج الأثيلين في السوق الأمريكي بنسبة 25 في المائة عن مستوياتها السابقة. وتشير التقديرات إلى استمرار هذا النمو وتحقيق قفزة كبيرة خلال السنتين القادمتين في إنتاج الإيثان بنسبة 30 في المائة عن مستويات عام 2010.
ويقف وراء هذه القفزة وفرة الإيثان المستخلص من الغاز الصخري التي انعكست بدورها على تزايد ملحوظ في إنتاج الأثيلين ومشتقاته. ونتيجة لذلك حصل تغيير ملموس في مزيج مدخلات الإنتاج أو مصادر الأثيلين في الصناعة الأمريكية خلال الفترة 2005 - 2010. ففي مطلع عام 2010 كان مصدر 64 في المائة من الأثيلين من تكسير الإيثان وهذه النسبة تمثل ارتفاعا كبيرا عن معدلاتها التي كانت 40 في المائة عام 2005.
في المقابل انخفضت خلال الفترة نفسها حصة النفثا كمصدر للأثيلين من 22 في المائة إلى 13 في المائة.
عودة الحياة إلى صناعة البتروكيماويات في الولايات المتحدة يعكسه أيضا ارتفاع صادرات الولايات المتحدة في عام 2010 من البتروكيماويات إجمالا بنسبة 16.8 في المائة ومن البلاستيك بنسبة 15 في المائة قياسا بمستوياتها في عام 2009، ما نتج عنه تحول في الميزان التجاري من عجز بقيمة 50.1 بليون دولار في عام 2009 إلى فائض مقداره 3.7 بليون دولار في عام 2010.
ومع أن الصورة مستقبلا تبدو وردية أكثر بالنسبة للصناعة، لن يخلو الأمر من مصاعب تتمثل في إيصال الإيثان من بعض مناطق إنتاجه النائية إلى مراكز إنتاج البتروكيماويات في خليج المكسيك. ووصلت الأمور في مناطق شمال شرق الولايات المتحدة حيث حقل المارسيلز الضخم والغني بسوائل الغاز إلى اعتبار الإيثان مادة ملوثة غير مرغوب فيها لأسباب تتعلق بغياب شبكة أنابيب تنقل الإيثان أو وسائل مناسبة أخرى لنقله.
ما أبعاد ظاهرة الغاز الصخري على الاقتصاد الوطني؟
هذا السؤال لا يمكن تقديم إجابة وافية له في هذا الحيز، فالموضوع يحتاج إلى بحث ودراسة معمقة، وعلى الرغم من ذلك سأسجل هنا رؤية أولية لأبرز تلك التداعيات.
أولا: تنافسية صناعة البتروكيماويات
يمكن القول إن تنافسية الصناعة في المملكة ودول الخليج وتحديدا في قطاع البتروكيماويات السلعية ومنها مشتقات الأثيلين ستبقى قوية مستقبلا وهي تستند إلى كون تكاليف الإنتاج الحالية في المملكة ودول المنطقة تعد الأقل عالميا.
لكن هذا لا يمنع من القول إن المنتجين الخليجيين سيواجهون منافسة أقوى مستقبلا في أسواقهم التقليدية في آسيا وأوروبا من قبل الصادرات الأمريكية. ففي الوقت الذي تجري الصين توسعات ضخمة ستسد نسبة كبيرة من احتياجاتها مستقبلا يتزايد إنتاج الولايات المتحدة بشكل مطرد نتيجة لوفرة الغاز الصخري.
هذه التطورات ستجعل المنتجين الخليجيين يتجهون إلى أوروبا التي ستكون بدورها ساحة تنافس مع نظرائهم من الولايات المتحدة مع ما يترتب على ذلك من ضغط على الأسعار وتقليل لهوامش الأرباح. وفي هذا المناخ سيكون الخاسر الأكبر المنتجين في المناطق ذات التنافسية الأقل الذين يعتمدون تكسير النفثا الأغلى سعرا من الإيثان وفي مقدمتهم المنتجون من أوروبا وآسيا وتحديدا اليابان وكوريا الجنوبية ما قد يضطر عددا متزايدا منهم إلى إغلاق مصانعهم لتراجع قدرتهم التنافسية.
ثانيا: الطلب على النفط
يستهلك قطاع النقل 60 في المائة من إجمالي النفط المستهلك عالميا والبالغ 87 مليون برميل يوميا. وتمثل أنواع الوقود الأحفوري السائل أكثر من 96 في المائة من إمدادات الطاقة الحالية لقطاع النقل. ومع تنامي إمدادات الغاز الصخري وتدني أسعاره يبرز احتمال تزايد استخدامه لتوليد الكهرباء واستخدامها كوقود في السيارات الهجينة التي يتزايد إنتاجها عالميا بما قد ينعكس سلبا على الطلب على النفط ويضغط على أسعاره مستقبلا.
ثالثا: إمدادات الغاز المحلية
معلوم أن الطلب على الغاز في السوق المحلي ينمو بمعدلات عالية نتيجة لتنافس عدد من الصناعات كتوليد الكهرباء وتحلية المياه والبتروكيماويات والصناعات المعدنية. والجانب الإيجابي في ظاهرة الغاز الصخري يتمثل بتقارير تشير إلى وجود مخزونات كبيرة منه في المملكة، فوفقا لوكالة المسح الجيولوجي الأمريكية تقدر مخزونات الغاز الطبيعي غير المكتشفة في المملكة بنحو 447 تريليون قدم مكعب.
وتشير التقارير إلى تواجد الغاز الصخري في المنطقة الشرقية وكذلك في المناطق المحاذية للأردن، حيث توجد احتياطيات كبيرة من الزيت الصخري. ومع ذلك تبقى هذه التوقعات في مرحلة مبكرة يصعب تأكيدها خصوصا مع وجود تحديات جيولوجية، إضافة إلى التكاليف الرأسمالية العالية للبنية التحتية تتضمن تجهيزات إنتاج وتجميع الغاز وشبكات نقله من مواقع الإنتاج إلى مراكز الاستهلاك البعيدة.
وهذا يعد تحديا كبيرا في المملكة التي يقل فيها سعر بيع الغاز عن دولار واحد لكل وحدة حرارية بريطانية، في حين يبلغ معدل تكاليف إنتاج الغاز الصخري في الولايات المتحدة 3.50 دولار لكل وحدة حرارية بريطانية، إضافة إلى ذلك تبرز حزمة من التحديات التي تكتنف تطوير حقول الغاز الصخري في المملكة ومنها كميات المياه المستخدمة، حيث إن حفر بئر الغاز الصخري الواحد يحتاج إلى نحو 5 ملايين جالون من المياه المعالجة أو ما يعادل 19 مليون لتر، الأمر الذي قد يتطلب تحلية تلك المياه وهو خيار مكلف جدا. التحدي الآخر والذي لا يقل أهمية هو غياب مقدمي الخدمات الفنية المتخصصة في المملكة.
ولعلي أختم بتقديم إجابة مختصرة عن التساؤل الذي اخترته عنوانا لمقالتي فأقول إن تنامي إمدادات الغاز الصخري في الولايات المتحدة كان أثره في أسعار الغاز أشبه بتساقط أحجار الدومينو حتى بدون حفر بئر واحدة في أوروبا والصين. ومع أن الضبابية ما زالت تغلف حجم مخزونات الغاز الصخري إلا أنه أصبح مؤكدا أنه سيغير قواعد اللعبة في أسواق الطاقة العالمية مستقبلا.
لكن يبقى مدى وسرعة التوسع في إنتاجه داخل الولايات المتحدة وخارجها مرتبطا بالتحديات البيئية والتشريعية التي قد تعيق استغلال كامل تلك المخزونات في المناطق المأهولة بالسكان.
ولعل ما يجب التوقف عنده في قصة الغاز الصخري هو دور التطور التقني في تحويل ما كان يعد إلى وقت قريب غير مجد اقتصاديا إلى صناعة رائجة لها أبعاد وامتدادات عالمية. وهذه القصة تقترن بما أصبح يتعارف عليه ''والد الغاز الصخري'' جورج ميتشل التسعيني المنحدر من عائلة مهاجرة من اليونان والذي حقق في عام 2001 ثروة تقدر بنحو 3.5 مليار دولار من بيع شركته (Mitchell Energy Corp) التي توجت جهود عقدين من بحوثها الميدانية بتطوير تقنيات استخراج الغاز الصخري.
هذه القصة وغيرها من الوقائع تؤكد أهمية الاستثمار في تطوير كيانات وطنية متخصصة في قطاع الخدمات الفنية المساندة لصناعة النفط والغاز تستثمر في تطوير تقنيات تساعد على تعزيز تنافسية قطاع الطاقة في المملكة الذي يعد وسيبقى لعقود طويلة قادمة العمود الفقري للاقتصاد الوطني.