الخليج عربي بحكم الجغرافيا والتاريخ والقانون الدولي (2)
استعرضنا في المقال السابق بعض الوقائع المتعلقة بالخلاف العربي - الإيراني حول اسم (الخليج) الفاصل بين شبه الجزيرة العربية ودولة إيران الحالية، ثم سردنا بعض الحقائق الجغرافية والتاريخية الوارد ذكرها في كتاب الأستاذ قدري قلعجي بعنوان (الخليج العربي .. بحر الأساطير)، حيث تثبت هذه الحقائق أن الخليج بشاطئيه الشرقي والغربي عربي الوجه واللسان، مستندا في ذلك إلى آراء مؤرخين قدامى. واستكمالا لما سبق نقول إن المؤلف لم يكتف بالاستشهاد بآراء المؤرخين القدامى وإنما استشهد أيضا بمؤرخ إنجليزي من القرن الـ 20 هو رودريك اوين الذي زار الخليج العربي وأصدر عنه عام 1957 كتابا بعنوان: (الفقاعة الذهبية - وثائق الخليج العربي)، وقد روى فيه أنه زار الخليج العربي وهو يعتقد بأنه خليج فارسي؛ لأنه لم ير على الخرائط الجغرافية سوى هذا الاسم، لكنه ما كاد يتعرف إليه عن كثب أيقن بأن الواقع والإنصاف يقضيان بتسميته (الخليج العربي)؛ ولهذا سمى كتابه بهذا الاسم.
ويشير المؤلف إلى واقعة تاريخية أشار إليها الرحالة (نيبور)، وهي أن هولندا عندما بسطت ظلها الاستعماري على الشطر الشرقي من الخليج، أذعن الشاه للأمر الواقع، ولم يحرر تلك المنطقة إلا الربابنة والفرسان العرب في ملحمة أشبه بالأساطير.
ويخلص المؤلف مما سبق إلى أن العرب سكنوا منذ قديم الزمان الشاطئ الشرقي للخليج الذي أصبح الآن تحت السيطرة الإيرانية، موضحا أن مقاطعة خوزستان الإيرانية، كانت تسمى إلى سنوات خلت من قبل الفرس (عربستان) أي (بلاد العرب)، وقد سكنها قبل الإسلام قبيلتا بني كلب وبني ثمر، وأهم قبائلها العربية اليوم آل كثير وبنو طرف وبنو سالة وبنو لام وبنو مالك وبنو خالد وآل لحميس وزبيد وربيعة في الشمال، وبنو كعب وبنو تميم في الجنوب. وقد عدل الفرس أخيرا عن تلك التسمية ليطلقوا على المقاطعة اسم (خوزستان) كما أطلقوا على عاصمتها (المحمرة) اسم (خرومشهر)، ولا يمكن أن يطمس تغيير الاسم الحقائق وستظل عربستان أرضا عربية.
ولعل من تمام الإحاطة بهذا الموضوع أن نشير إلى أن الاسم العربي الأصلي لإقليم عربستان هو (الأحواز)، وأن هذا الإقليم يحده من الشرق ومن الشمال سلسلة جبال زاجروس، ومن الجنوب الخليج العربي، ومن الغرب العراق.
وتفيد بعض المراجع بأن المساحة الحقيقية لإقليم عربستان هي 185 ألف كيلو متر مربع، لكنها أصبحت في الوقت الحاضر 159600 كيلو متر مربع بعد استقطاع مساحات من أراضي الإقليم وضمها إلى بعض المحافظات الإيرانية المجاورة للإقليم، وعلى النحو التالي:
1- 11000 كيلو متر مربع استقطعت من الجزء الجنوبي للإقليم وضمت إلى محافظة فارس.
2- 10 آلاف كيلو متر مربع استقطعت من الجزء الشرقي للإقليم وضمت إلى محافظة أصفهان.
3- 4400 كيلو متر مربع استقطعت من الجزء الشمالي الغربي للإقليم وضمت إلى محافظة كرمنشاه.
وأكثر من 90 في المائة من إنتاج النفط والغاز الإيراني يستخرج من حقول النفط والغاز الواقعة في إقليم الأحواز.
وكان هذا الإقليم إمارة عربية مستقلة، وكان آخر حكامها الشيخ خزعل بن جابر، الذي حكم هذه الإمارة من عام 1897 إلى 1925، وكان يرفض استخدام شركة النفط البريطانية العمال الفرس للمحافظة على عروبة دولته ودرء تسلل الفرس إلى صفوف المجتمع الأحوازي العربي. واستطاعت إيران احتلال هذا الإقليم عام 1925 على أثر حرب شنتها ضد هذه الإمارة بالتواطؤ مع بريطانيا، التي أخلت بتعهداتها وضماناتها للشيخ خزعل ضد أي اعتداء فارسي على إمارته وحكمه. وتمكنت إيران من أن تأسر الشيخ خزعل وتنقله إلى طهران، وظل في الأسر إلى أن توفي في 30/6/1436هـ. ومنذ تاريخ الاحتلال الإيراني يقاوم شعب عربستان هذا الاحتلال ويسعى إلى ممارسة حق تقرير مصيره بشتى الوسائل المتاحة لديه، وكان مسؤول في جامعة الدول العربية قد التقى في كانون الأول (ديسمبر) 2007 وفدا من عرب هذا الإقليم وتسلم منه مذكرة تتحدث عن (دولة عربستان المستقلة) وتشكو من اضطهاد وتمييز عنصري إيراني لهم بسبب كونهم عربا. ولا يتسع هنا المجال للحديث بالتفصيل عن قضية عربستان من الناحيتين التاريخية والقانونية وإنما نكتفي بالإشارة إلى أن الاحتلال الإيراني لعربستان كان نتيجة حرب عدوانية شنتها إيران ضد هذا الإقليم العربي، وطبقا لقواعد القانون الدولي العام لا يكتسب الاحتلال، الناتج عن الحرب العدوانية، المشروعية حتى لو تقادم عليه الزمان. ويتضح مما تقدم أن إطلالة إيران على الخليج من خلال إقليم الأحواز، إطلالة غير مشروعة، وإذا تمكن شعب الأحواز من استرداد حريته واستقلاله فسوف تفقد إيران هذه الإطلالة.
نخلص من جميع ما سبق إلى أن الخليج بساحليه الشرقي والغربي عربي بحكم حقائق التاريخ والجغرافيا البشرية وبحكم قواعد القانون الدولي العام التي لا تجيز الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة.
وليس من الصواب النظر إلى الخلاف العربي - الإيراني حول اسم الخليج بأنه خلاف شكلي يمكن تجاوزه باختيار اسم محايد مثل (الخليج الإسلامي) أو (خليج النفط) فهو في الواقع خلاف جوهري؛ لأنه يتصل بالسياسة الإيرانية الهادفة إلى (تفريس) منطقة الخليج وافتراسها، ولعل أحدث برهان على ذلك تصريح الجنرال حسن فيروز بادي رئيس أركان الجيش الإيراني الذي زعم فيه أن الخليج برمته (ملك) لإيران، وبهذا الادعاء بلغت الوقاحة الإيرانية حدها الأقصى ويجب على جميع الدول العربية أن تتصدى بحزم للسياسة التوسعية الإيرانية. كما يجب على جامعة الدول العربية أن تهتم بقضية تحرير الأحواز (عربستان) إعمالا لأحكام ميثاقها التي لم تقصر اختصاصاتها على التنسيق وتوثيق العلاقات بين الدول الأعضاء فحسب، وإنما منحتها أيضا اختصاص النظر في شؤون البلاد العربية ومصالحها بمعنى الاهتمام بشؤون ومصالح أي بلد عربي حتى لو لم يكن عضوا في الجامعة بسبب خضوعه للاحتلال الأجنبي.