الاحتراق النفسي لدى مدرّبي كرة القدم ولاعبيها
علم النفس الرياضي يعد من العلوم الحديثة على المجتمعات العربية، ولكن تاريخه ممتد عبر سنوات الرياضة ويهتم به المشتغلون بالمهارات العقلية والنفسية المختلفة والتي تساعد الرياضيين على الوصول إلى أعلى المستويات في الأداء التنافسي، وعلم النفس الرياضي هو بمثابة بحر مليء بالأسرار والمعلومات والكنوز، وبما أن الرياضة عامة وكرة القدم بصفة خاصة أصبحت من الأركان الأساسية في الحياة وترتبط بعلاقة قوية مع علم النفس لأن علم النفس الرياضي يهدف إلى فهم السلوك الرياضي وتفسيره، ومعرفة أسباب حدوثه، والعوامل التي تؤثر فيه، والتنبؤ بما سيكون عليه، وذلك استنادا إلى معرفة العلاقات الموجودة بين الظواهر الرياضية ذات العلاقة بهذا المجال، ويتحكم في ضبط السلوك الرياضي وتعديله وتوجيهه وتحسينه إلى الأفضل، وهو يوجه إلى معرفة أفضل الطرق لتنشئة الرياضيين وخاصة الناشئين، لأن علم النفس الرياضي يهتم بالصحة النفسية بجانب الصحة البدنية في وقت واحد، فاللاعب القلق والمتردد لا يمكن أن يحقق أي إنجاز رياضي مهما تدرب أو تلقى من المفاهيم والنظريات التدريبية، وتعديل بعض السمات الشخصية عند اللاعب، مثل: الثقة بالنفس ــــ التعاون ــــ احترام القوانين ــــ رفع المستوى الفني، أصبح ضروريا وشيئا مهما، ولذلك يظهر جليا دور هذا العلم في تحديد هذه الأمراض النفسية، والتخلص منها قدر الإمكان، عبر الاستخدام الأمثل لنظريات الصحة النفسية، بجانب ذلك يسهم علم النفس الرياضي في زيادة مستوى الدافعية نحو تحقيق إنجاز أفضل، وذلك من خلال مراعاة حاجات اللاعبين ورغباتهم والتذكير بالمكاسب المهمة والشهرة والمال التي يمكن أن يحصلوا عليها عند تحقيق الإنجازات العالية.
وكثيرا ما يختلف مستوى اللاعب في التدريب عن مستواه في المباراة، لذلك تأتي أهمية الإعداد النفسي للاعب في البرنامج التدريبي للتخلص من الرهبة التي تصيب اللاعب أمام الجمهور، وخصوصا في المباريات المصيرية، بجانب أنه يحدد الميول والرغبات لمختلف الفئات العمرية والتي تسهم بشكل جدي في تنمية الاتجاهات وتطويرها نحو ممارسة كرة القدم التي تخدم الإنسان والمجتمع على حدٍ سواء.
وهناك واجبات كبيرة تقع على عاتق المدرب، وهي مساعدة اللاعب على استخدام وإتقان جميع الأساليب المرتبطة بالتأهيل النفسي في مختلف الظروف الصعبة (قبل وأثناء وبعد المسابقات) بما يرفع درجة استعداد اللاعب نفسياً للاشتراك في تلك المسابقات.
ويأتي دور المدرب في تهيئة اللاعب لإمكانية استيعاب أهداف المسابقة عن طريق تشكيل الدوافع المطلوب تنفيذها من خلال تلك المسابقة، وذلك بإثارة الجوانب العاطفية لدى اللاعب وبشكل مقنن، ويعدّ الإعداد النفسي عملية معقدة تتحقق نتائجها المرجوة فقط عندما يتوافر لدى اللاعب جملة عوامل، منها الرغبة في الاستفادة من هذا الإعداد الذي يبدأ بتحديد النتائج والمستويات الرياضية المطلوب تحقيقها، ثم مصداقية وشعور اللاعب الحقيقي في كيفية تنفيذ هذه الأهداف، ويستخدم المدرب قبل المسابقات وسائل تحقق له التأكد من فاعلية الأداء النفسي للاعب، عن طريق اللجوء لاختبارات تربوية يمكن بواسطتها قياس منحنى نمو درجة استعداد الفرد نفسياً.
وفي الآونة الأخيرة انتشر استخدام مصطلح ''الاحتراق النفسي''، ويعتبر مفهوم الاحتراق النفسي من المفاهيم الحديثة نسبيا. وقد استخدم هذا المصطلح في أوائل السبعينيات للإشارة إلى الاستجابات الجسمية والانفعالية لضغوط العمل لدى العاملين في المهن الإنسانية الذين يرهقون أنفسهم في السعي لتحقيق أهداف صعبة، وقد حظيت ظاهرة الاحتراق النفسي باهتمام عديد من الباحثين في كل مجالات الحياة، نظراً لآثارها السلبية على الناس في مجال العمل والإنجاز وفي المجال الرياضي، وأصبحنا نسمع أو نقرأ أن لاعباً يعاني الاحتراق النفسي، أي أن مستواه الرياضي قد انخفض إلى أدنى درجة، ما أدى إلى اتخاذه القرار الصعب، وهو الانسحاب الكلي من الممارسة الرياضية، أو نسمع أيضاً أو نقرأ أن مدرباً قد احترق نفسيا، أي أنه قد أصابه الملل والضيق واليأس وانتابته العلل والأمراض من جراء ممارسته مهنة التدريب، ويقوم بحزم حقائبه للابتعاد النهائي عن المجال الرياضي وعن ممارسة هذه المهنة الشاقة، ولكن بالنسبة لمفهوم الاحتراق النفسي للمدرب الرياضي فقد تعددت وجهات النظر حول مفهوم الاحتراق النفسي، ومنهم من قال إن الاحتراق النفسي هو فقد الاهتمام بالناس الذين يتعامل معهم كاستجابة للضغط المرتبط بمهنة التدريب.
إن سبب الإصابة بالاحتراق النفسي يعود إلى الرغبة الشديدة والملحة عند مدربي ولاعبي كرة القدم والرياضيين بصفة عامة في تحقيق أهداف مثالية وغير واقعية، وهنا سنحاول أن نلقي الضوء على هذه الظاهرة ونعرفها، وهناك عدد من المختصين أصاغوا بعضا من التعاريف، منها:
الاحتراق.. هو استجابة تتميز بالإنهاك الذهني والانفعالي والتي تظهر كنتيجة جهد كبير غير فاعل لمواجهة متطلبات التدريب والمنافسة.. وتعريف آخر يقول: هو حالة إنهاك عقلي وانفعالي وبدني ناجم عن الحب الشديد والإخلاص والتفاني المستمرين في أداء العمل، ولكن دون تحقيق الفائدة المرجوة أو دون تحقيق عائد يذكر، ومن قال: إن الاحتراق النفسي ما هو إلا انعكاس أو رد فعل لظروف العمل غير المحتملة وينتج عنها آثار عديدة، منها: تدني الإحساس بالمسؤولية أو استنفاد الطاقة النفسية والتخلي عن المثاليات وزيادة السلبية ولوم الآخرين في حالة الفشل وقلة الدافعية ونقص فاعلية الأداء وكثرة التغيب عن التدريب وعدم الاستقرار الوظيفي، ولقد جذبت هذه المظاهر اهتمام بعض الباحثين في علم النفس الرياضي في السنوات الأخيرة، واهتموا بدراسة تلك الظاهرة في مختلف المجالات، نظرا لآثارها السلبية على الناس في مجال العمل والإنجاز، وكذلك الممارسة الرياضية، والتي ينظر إليها على أنها مهن ضاغطة على الفرد تؤدي إلى انخفاض مستوى إنجازاته وعدم الرضا عن عمله أو مهنته أو نشاطه، وتؤدي في النهاية إلى تقاعده أو تركه مهنته.
وهناك دراسات بحث عن أسباب وأعراض الاحتراق النفسي، وتبيّن فيها وجود ثمانية أسباب رئيسة للاحتراق النفسي، هي:
- العمل لفترات طويلة دون الحصول على قسط من الراحة.
- عدم وضوح الحقوق والواجبات.
- فقدان الشعور بالسيطرة على مجريات الأحداث.
- الشعور بالعزلة في العمل وضعف العلاقة مع من حوله.
- الزيادة في عبء وتعدد مهام العمل المطلوبة.
- الرتابة والملل في العمل.
- ضعف استعداد الفرد للتعامل مع ضغوط العمل.
- الخصائص الشخصية للفرد.
وقد يتساءل الكثيرون عن أعراض ومؤشرات الاحتراق النفسي، وهي بلا شك تختلف من شخص إلى آخر، ولكن تؤكد إحدى الدراسات أنه يمكن أن نستدل على وجود الاحتراق النفسي بواسطة ثلاثة مؤشرات أو أعرض بارزة، هي:
1ــ شعور الفرد بالإنهاك الجسمي والنفسي ما يؤدي إلى شعوره بفقدان الطاقة النفسية أو المعنوية وضعف الحيوية والنشاط، وبالتالي إلى فقدان الشعور بتقدير الذات، وهذا ما نلاحظه في عدد من المدربين أو اللاعبين الذين يبدأون النشاط بهمة وحيوية، وبعد فترة من الزمن تجدهم يفقدون هذا الإحساس وتبدأ مرحلة عدم الانضباط أو الإهمال في أداء التمارين أو حتى حضورها.
2 - الاتجاه السلبي نحو العمل والفئة التي يتعامل معها من لاعبين وإداريين، كمساعدين وجمهور، ما يؤشر إلى فقدان الدافعية نحو العمل.
3 - النظرة السلبية للذات والإحساس باليأس والعجز والفشل.
وهناك عدة أدوات استخدمت لقياس الاحتراق النفسي وأكثرها شيوعاً قائمة الباحثة كرستينا ماسلاش، والتي تقيس كلا من التكرار والشدة لمشاعر الاحتراق، ولقد توصل كل من ''ماسلاتش وجاكسون'' إلى ثلاثة مكونات مهمة للاحتراق:
1- الإنهاك الانفعالي: ويهتم هذا المكون بتقييم مشاعر الانفعالات ومشاعر الانفعالات الزائدة والإنهاك.
2- فقدان الإحساس (تبدد الشخصية): ويقيس هذا المكون الاستجابات التي تتميز بالافتقار إلى المشاعر وعدم التفاعل الشخصي مع الآخرين ــــ وهي حالة فيها يفقد الشخص إحساسه بحقيقته وحقيقة الآخرين، فكل شيء يبدو كالحلم، أفعال الذات والآخرين تراقب بنوع من عدم الاهتمام واللامبالاة.
3- الإنجازات الشخصية: يقيس الشعور بالكفاية والإنجاز الناجح في عمل معين مع الناس. هذا والمشاعر المنخفضة للإنجاز غالبا ما تظهر في إدراك الشخص افتقاده القدرة والتحكم في الموقف، وقد استخدمت ''قائمة الاحتراق لماسلاش'' في عديد من المهن التي تتميز بزيادة الضغوط مثل الطب ــــ المحاماة ــــ والتمريض، وقد أثبتت نجاحها خاصة في مجال مهنة التدريس والتدريب، حيث إن طبيعة العمل في هذه المهنة تتطلب ساعات طويلة، وإنفاق الكثير من الطاقة الذهنية والانفعالية، فضلا عن توقع إنجاز عال من قبل المديرين والإداريين والآباء، ويبدو أن وجه الشبه كبير بالنسبة لهذه الضغوط التي يتعرض لها العاملون في مهنة التدريس، وبين أداء كل من المدرب والرياضي، حيث إنهما يتعرضان لضغوط مماثلة كنتيجة لتأثير المنافسة الرياضية، بل الآن ومع الانتشار الإعلامي أصبحت الضغوط على الرياضيين، وخاصة المدربين واللاعبين وربما الإداريين، تزداد يوماً بعد يوم.
وترتبط هذه الظاهرة بمفهوم أمراض الحضارة التي تصيب الكثيرين منا من خلال الأزمات النفسية العديدة التي تنجم في الدرجة الأولى عن الضغوط النفسية التي يواجهها إنسان اليوم، ومنها ضغوط العمل التي تؤدي إلى حالة من الإنهاك البدني والعقلي والانفعالي والدافعي نتيجة الزيادة المستمرة في الأعباء والمتطلبات الواقعة على كاهل المدرب أو اللاعب على حد السواء وعدم مقدرتهم على تحملها، لا سيما عندما لا تتطابق الطموحات مع الواقع الفعلي الذي يستطاع تحقيقه بالفعل.
إن السبب الرئيس في الاحتراق النفسي هو الرغبة الشديدة والملحة عند الفرد في تحقيق أهداف مثالية وربما غير واقعية، وهذه الأهداف قد يفرضها المجتمع على المدرب أو اللاعب، وهو يتأسس على مبدأ الفروق الفردية بين الأفراد، أي يختلف من فرد إلى آخر، وعندما يفشل الفرد في تحقيق هذه الأهداف فإنه وقبل كل شيء يقع تحت وطأة الضغط النفسي، ومن ثم ينتقل بشكل تراكمي إلى الاحتراق النفسي الذي يظهر على شكل إحساس بالعجز والقصور عن تأدية العمل، وهذه تحدث لدى عدد كبير من الناشئين، فحينما تظهر موهبة الناشئ نجد أن الوالد أو المعلم أو المدرب يقحمه في مسؤوليات رياضية ويطلب منه تحقيق إنجاز فيها دون أن يعرف أن هذا الناشئ يحتاج إلى الكثير لصقل مهاراته الفنية أو يحتاج إلى إعداد بدني ونفسي وتحضير ذهني لمواجهة مثل هذه المواقف، وحينما يحدث الضغط عليه سيفشل في تحقيق هذه الأهداف ويصاب بالاحتراق النفسي الذي ربما يؤدي إلى ابتعاده الكلي عن كرة القدم، لأن الإحساس بالفشل سيظل يلاحقه، لذا يجب أن نكون حريصين جداً في التعامل مع قطاعات الأعمار السنية.
وفي المجال الرياضي يمكن أن يتحول الإخفاق في المباراة وعدم تحقيق الأهداف إلى حالة من الاحتراق النفسي التي تقود الرياضي إلى الابتعاد الكلي أو الجزئي عن ممارسة كرة القدم مع شعور حاد بالاستنزاف الانفعالي للمشاعر والأحاسيس، ما يقود إلى انخفاض في الإنجاز الرياضي، وبالتالي فإننا بهذه الحالة إذا لم نتمكن من إنقاذ اللاعب من هذه الحالة النفسية السيئة، فذلك يعني أن هناك إمكانية حقيقية لفقدانه في مجال كرة القدم.
ويذكر أن الاحتراق النفسي هو عبارة عن اختلال التوازن بين الموارد (القدرة، والوقت) والمتطلبات، ما يسبب استجابة انفعالية سريعة وقصيرة المدى نحو هذا الاختلال في التوازن، وتتميز هذه الاستجابة بمشاعر القلق والتوتر والتعب والإنهاك.
ورغم تعدد وجهات نظر الباحثين حول مفهوم الاحتراق إلى أن أغلبه يدور حول البيئة المحيطة بالفرد والموقف، وتتفق هذه المفاهيم على أن الاحتراق النفسي يسبب دائما الإنهاك بصوره المتعددة (بدني، انفعالي، وعقلي)، ويحدث تغيرا نحو الأسوأ، أي تغير سلبي في استجابة الفرد وعلاقاته مع الآخرين نتيجة الإنهاك بصوره المختلفة، ما يسبب الشعور بنقص الإنجاز الشخصي والذي ينتج عنه اتجاهات سلبية نحو الذات وتقدير الفرد لنفسه، ومشاعر الفشل والكآبة، ويتضح هذا في نقص إنجاز الفرد، وهذا لا يحدث الاحتراق النفسي الذي يحدث أحياناً، وإنما يحدث نتيجة الضغط المزمن، وهي عملية تستغرق فترة طويلة من الوقت.
هناك تشابه بين الضغط والاحتراق، لكنهما ليسا الشيء نفسه، فالاحتراق يحدث عندما يشعر المدرب بالتعب أو الإحباط نظراً للجهد الذي يبذله في التدريب وعلاقاته مع اللاعبين وأنها لم تحقق العائد من الجهد المبذول، ورغم أن هذه المشاعر في حقيقتها نوع من الضغوط فإن الاحتراق يحدث عندما يشعر المدرب بعدم وجود مساندة أو تدعيم أو عون من الآخرين. وعندما يصل المدرب إلى الاحتراق فإنه يمر بالإنهاك البدني والانفعالي والذهني وينشأ الإحساس بالاحتراق نتيجة عدم الرضا وإدراك الفشل في تحقيق الأهداف التي يسعى الشخص إلى تحقيقها، وبعد تكرار الجهد لتحقيق تلك الأهداف وبعد بذل العمل الشاق بقدر ما في استطاعته دون تحقيق النجاح، فإنه يشعر بعدم المساعدة وفقدان الأمل ويتطور ذلك إلى تكوين اتجاهات سلبية نحو عمله ونحو الآخرين ونحو نفسه، وظاهرة الاحتراق قد تكون أكثر انتشارا لدى المهن التي تعتمد على تقديم المساعدة للآخرين والتي منها مهنة التدريب.
إن الشخص الأكثر عرضة للاحتراق يتميز بدرجة عالية من الحساسية والالتزام والمثالية، فضلاً عن المبالغة في تقدير النفس في الانطوائية، والحماس الزائد، وتشير الدلائل إلى أن الأشخاص الذين هم ضحايا الاحتراق يتميزون بالتالي: العدوانية ــــ المنافسة ــــ حدة الانفعال ــــ والجمود، فالاحتراق النفسي يعطي تصويراً كبيراً عن تأثير الضغوط النفسية على عمل المدرب وعلى علاقته بالآخرين ويسبب توقف بعض المدربين عن العمل التدريبي.
إن ظاهرة الضغوط النفسية لها آثارها السلبية المتمثلة بصورة رئيسة في ظاهرة الإنهاك النفسي، وهذه الحالة من شأنها أن تؤدي إلى أن العاملين في المجال الرياضي يؤدون عملهم بطريقة آلية، إضافة إلى ذلك قد تنتابهم حالات من التشاؤم واللامبالاة وقلة الدافعية ومقاومة التغير وفقدان القدرة على الابتكار في الأداء والتغيب دون مبرر، وغير ذلك من الظواهر السلبية، لكن ليس كل فترة قصيرة من الضغوط النفسية التي يتعرض لها المدرب الرياضي والتي تكون سببا لوقوعه في الاحتراق النفسي، لأن الاحتراق النفسي ينشأ عن فترات طويلة من الضغط النفسي المزمن ما عدا عند اللاعبين الذين أعمارهم أقل من 18 سنة، كما أن هناك نوعا من الضغوط النفسية تعني التأثير السلبي على حياة المدرب، والضغط النفسي الإيجابي هو ذلك الضغط الذي يدفع المدرب إلى بذل المزيد من الجهد لمحاولة النجاح والوصول إلى الوضع الأفضل (النفسي والبدني)، كما أنه لا توجد متعة في عمل المدرب دون وجود هذا الضغط الذي يعتبر بمثابة دافع قوي أو تحد يثير دافعيته نحو العمل والإنجاز، ما يعني وجود اتزان بين الحاجات المطلوب من المدرب تحقيقها وبناء إمكاناته النفسية والبدنية، وعليه أن يقيم الجهد الذي يبذله وفي ضوء هذا التقييم يحدد القصور ونقاط الضعف والانخفاض في الأداء وكل ذلك يحدث نتيجة الإدراك السلبي لأعراض الضغوط وظهور أعراض الجهاد النفسي المتمثلة في استجابات نفسية سلبية، مثل: الإحباط، زيادة الخوف من الفشل، زيادة القلق، ضعف الثقة بالنفس، نقص تقدير الذات، سهولة الغضب أو العدوان أو عدم الاهتمام، وعندما يستمر الضغط تزداد درجة الإجهاد البدني، ويتملك المدرب التفكير السلبي وعدم القدرة على مقاومته، إضافة إلى زيادة الاستجابات النفسية السابقة، حيث يصبح المدرب أكثر عرضة للإنهاك البدني والذهني والانفعالي ومن ثم حدوث الاحتراق والذي يحدث الانسحاب الكلي أو الجزئي من الرياضة أو النجاح في مواجهة الاحتراق، وهذا ما يجب على المدرب العربي تعلمه (كيف يحقق النجاح في مقاومة الاحتراق)، لأن الاحتراق النفسي هو المرحلة التي يسبقها العديد من مراحل الضغوط النفسية التي يتعرض لها المدرب، وأحياناً قد يعمل المدرب، لمدة أسابيع أو شهور أو حتى سنوات، وعندما يصل إلى مرحلة الاحتراق فإنه يكون كثير الغضب والنقد والاستثارة.
وبذلك يتضح أن عملية الاحتراق النفسي للمدرب لا تحدث بصورة فجائية مثل اللاعبين، لكنها عبارة عن تراكمات لعديد من المشاكل والصعاب والصراعات، وشبح الاحتراق النفسي للمدرب الرياضي لا يبتعد عند محاولة المدرب الرياضي إنكاره أو إبعاد تفكيره عما يصادفه من عقبات أو محاولات كبت صراعاته داخله وعدم التنفيس عنها أو تفريغها، كما أن الاحتراق النفسي للمدرب تقل فرصة ظهوره عندما يكتسب خبرات ومعارف ومعلومات عن عمله كمدرب، وعندما يجد لعمله معنى وفائدة وعندما يحاول مواجهة التحديات الطارئة في مجال عمله ومحاولة حسم هذه التحديات.
ولا بد أن نشير إلى بعض التوجيهات حسب مرئيات بعض الباحثين والمختصين والعلماء في هذا المجال للإخوة المدربين وتتمثل في ضرورة إعادة المدرب لتقييم أهدافه وإعادة النظر بالنسبة لاتجاه المدرب نحو مهنة التدريب ونحو أنماط حياته، وأن يقوم بتحديد قدراته واستطاعته الحقيقية على مواجهة المسؤوليات والواجبات والأعباء المطلوبة منه، وأن يحاول تحديد مشكلاته بكل وضوح والتفكير في كيفية حل هذه المشاكل وإيجاد السبل التي تسهم في حلها، وهناك دراسات أشارت إلى أن أحسن وسيلة دفاعية لمواجهة الاحتراق هي إشراك الآخرين من أصدقاء ومعلمين سابقين وأفراد من الأسرة التي ترتبط بهم بعلاقات قوية والذين تستطيع أن تتحدث معهم بصدق وأمانة عن معاناته ومشاكله، وكما يقول الإخوة المصريون (يفضفض) ما بداخله، وهذا في حد ذاته يسبب له راحة نفسية، بجانب ذلك يجب عليه أن يحاول إيجاد بعض التوازن في حياته، وألا يكون كل وقته مسخراً لمهنة التدريب، فالتغيير في البرامج يعطي المدرب الفرصة لتجديد نشاطه واكتساب المزيد من الطاقة والحيوية والمرح، وأكثر شيء يساعد في ذلك هو العلاقة الأسرية، فلها مفعول السحر في امتصاص الحالات النفسية التي تنتاب المدرب أو حتى اللاعب من جراء المشاكل في العمل.. يجب على المدرب الاعتناء بنفسه من النواحي الصحية والبدنية والنفسية، وألا يهمل ذلك، وأن يحاول ممارسة بعض التدريبات الاسترخائية لكي يمكنه التخلص من الضغوط والاستثارات والقلق الذي يصادفه في عمله، ولكي يمكنه اكتساب الشعور بالراحة النفسية، وهناك المشاركة الوجدانية من المساعدين والزملاء في العمل من مساعد مدرب أو كابتن الفريق أو غيرهما، فهي تسهم في تحمل جزء من المسؤولية الملقاة على عاتقه وتساعد على الارتقاء بالعمل، ولذلك عليه أن يحدد بدقة المسؤوليات والواجبات والأعباء الملقاة على عاتقه ويوزع الأدوار فيها على فريق العمل الذي يعمل معه، ومن الأشياء المهمة التي تقلل نسبة الوصول إلى الحالة التي تؤدي إلى الاحتراق، ومن أجل تحقيق النجاح وتحقيق أهداف المدرب يجب حسن واستغلال إدارة الوقت على نحو جيد، والمدرب العارف بالأمور يعلم أن مدرب كرة القدم هو إنسان قبل كل شيء، وبالتالي معرض للخطأ والصواب والتوفيق بيد الله وعليه محاولة تفهم طبيعة الضغوط التي يعانيها وأسبابها وأنه لن يبلغ الكمال لأن الكمال لله وحده وعليه دائماً تصليح أخطائه والسعي لتجويد عمله وأن يعمل وفق برنامج واقعي لتحقيق طموحاته.
إن عملية الاحتراق النفسي للمدرب تعتبر المرحلة الأخيرة الناتجة عن زيادة العبء البدني والنفسي عليه، حيث توجد عدة عوامل من زيادة العبء البدني والنفسي تنتهي بالاحتراق ثم الانسحاب من التدريب، وهذه المراحل يمكن توضيحها كما يلي:
ــــــ هبوط مستوى الإنجاز الرياضي وسوء أداء العمل التدريبي نتيجة الضغوط والأعباء المستمرة الزائدة على إمكانات وقدرات المدرب الوظيفية والبدنية والنفسية.
ــــــ عندما يدرك المدرب الرياضي هبوط مستواه (مستوى إنجازه) رغم الاستمرار في العمل التدريبي وتطوير نفسه، فإنه يحاول أن يعوض ذلك بمزيد من العمل وبذل الجهد آملاً في زيادة مستوى إنجازه نحو الأفضل.
ــــــ يحدث نتيجة مزيد من بذل الجهد وزيادة الجهود النفسية والأعباء على المدرب، ومن ثم يستمر هبوط مستوى إنجازاته.
ــــــ يبدأ إدراك المدرب الآثار السلبية الناتجة عن الضغوط الزائدة، أي يتحول العبء من زيادة الضغوط والأعباء على أجهزة الجسم البيولوجية ليصبح العبء عقليا وانفعالياً ومرتبطا بالتفكير السلبي.
أما بالنسبة للاعبين فمن خلال التمارين يبدو أن هناك تشابها بين كل من التدريب الزائد والاحتراق الرياضي، ويرجع سبب ذلك إلى كل منهما نتيجة ضغوط التدريب والمنافسة، حيث إن التدريب الزائد يرتبط بالضغوط الناتجة عن زيادة حمل التدريب دون تفسير المسببات لهذه الضغوط، أما عندما يعطي اللاعب اهتماماً لتعبير مسببات هذه الضغوط، أي الناحية المعرفية السلوكية، عندئذ يصبح اللاعبون أكثر عرضة لحدوث أعراض الاحتراق النفسي، والاحتراق يمثل المرحلة المتأخرة من سوء التكيف الرياضي مع الضغوط التدريبية يسبقها شعور اللاعب بالإنهاك ثم التدريب الزائد وتنتهي بالانسحاب من الرياضة، وهذا ما يحدث لمعظم اللاعبين العرب، وهنالك مصادر متعددة للاحتراق، منها:
1. شخصية اللاعب: إن اللاعبين الذين يتصفون بضعف الثقة بالنفس ولديهم القلق هم أكثر الرياضيين تعرضاً للاحتراق.
2. قيمة الإنجاز: إن عدم تمكن اللاعب من تحقيق الإنجاز لما هو مطلوب منه وما قدمه من أداء متواضع فضلا عن تكرار الهزيمة وفشله، يؤدي إلى عدم التقدير الجيد من المدرب والإداريين والجمهور.
3. تكرار الإصابة البدنية والنفسية: عندما يتعرض اللاعب لإصابة بدنية أو نفسية قد تتكرر هذه الإصابة فتصيبه بالإحباط أو استمرار هبوط المستوى نتيجة عدم التكيف مع الحمل.
4. ضغوط التدريب والمنافسات: يرتبط بالحمل الزائد بالتدريب وهبوط في المستوى نتيجة التدريب الزائد أو محاولة التعويض بالمزيد من التدريب والجهد.
5. ضغوط المجال الرياضي: أي علاقة اللاعب بالمدرب والإداريين.
6. ضغوط الحياة العامة: ترتبط بحياة اللاعب خارج المجال الرياضي والتي منها الإجهاد النفسي لاستجابات نفسية سلبية.
وكل ذلك يؤدي للانسحاب الكلي أو الجزئي أو ربما الانتقال إلى رياضة أخرى غير كرة القدم أو النجاح في مواجهة الاحتراق.
ومن هنا يمكن تحديد أهم أسباب الاحتراق النفسي عند اللاعبين، لأن اللاعب يأخذ وقتاً طويلا للاستعداد للبطولة والتدريب ويفشل في المنافسة لتحقيق أهدافه، وهي:
ــــ تعرض اللاعب لضغوط كثيرة من كل الذين حوله.
- تكثيف التدريب فوق طاقة الرياضي.
- عدم تلقي المساعدة من أحد في حل مشكلاته النفسية.
- قوة شخصية اللاعب ومدى قدرته على مقاومة الضغوط النفسية التي تواجهه.
ولا بد في هذا الصدد من الإشارة إلى بعض أساليب الوقاية من هذه الظاهرة رياضياً، ومنها تحديد أهم الظروف الأساسية المسببة للاحتراق، وكذلك المسؤولية الواقعة على المدرب والتفكير بشكل هادئ لحل المشكلات النفسية التي يعانيها اللاعب ووضع الخطط اللازمة لمعالجة الضغوط التي يتعرض إليها اللاعب بما يتناسب وطموحاته الشخصية.
والسؤال الذي ربما يطرأ في أذهان اللاعبين وخاصة الناشئين، هو ما أعراض الاحتراق النفسي للاعب؟ وهي تتمثل في: الإنهاك البدني، الإرهاق، التعب الشديد، انخفاض مستوى اللياقة البدنية، ضعف الحيوية والنشاط، إنهاك عقلي، تباطؤ العمليات العقلية، الإدراك التفكير، التذكر، عدم المواصلة على التفكير، سرعة الانفعال الدافعي، نقص الدافعية، ضعف الحالة التنافسية، ضعف الدافعية، عدم القدرة على الإنجاز الانفعالي، زيادة التوتر والقلق، التوتر والقلق دائم، وقدرة التحكم بالانفعالات الزائدة.
وعليه نوصي مدرّبينا العرب بعدم إهمال ممارسة علم النفس الرياضي كجزء من عملهم، لأنه يمكنهم من متابعة حالات الاحتراق لديهم أو لدى لاعبيهم وتحقيق النجاح في مواجهة الاحتراق النفسي.. مع أمنياتنا للجميع بالتوفيق.