ثمة شيء في الأفق الدولي يطبخ للتغيير السياسي في إيران
يبدو أنّ هناك حدثا أو مخططا ما يجري الإعداد له خلف الكواليس ضد النظام الإيراني، ما دفع المعارضة الإيرانية في المنفى بمعظم أطيافها وتياراتها إلى الهرولة لعقد مؤتمرات تناقش ملامح مرحلة ما بعد النظام الإيراني والآفاق المستقبلية لهذا البلد، حيث تم عقد مؤتمرين الأول في باريس برعاية منظمة ''مجاهدي خلق'' المعارضة الأكثر تنظيماً، والثاني في لندن برعاية المعارض ''علي رضا نوري زادة''، وشارك في المؤتمر الأخير عدد من الملكيين واليساريين وجماعات تطالب بالفيدرالية، كما شارك أيضاً عدد من ممثلي زعماء المعارضة الإصلاحية في المؤتمر الذي عقده مركز الدراسات العربية الإيرانية في لندن.
باريس التي احتضنت مؤتمراً ضخماً آخر اجتمع فيه لأول مرة عدد من الممثلين السابقين في الإدارة الأمريكية منهم أعضاء في الكونجرس الأمريكي وعدد من كبار المسؤولين في حكومات أوباما وبوش وكلينتون.
كما شارك في المؤتمر مجموعة من السياسيين الأمريكيين السابقين المقربين من مراكز صنع القرار الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط وعلى رأسهم ''جيمس جونز'' مستشار الأمن القومي لأوباما من 2009 إلى 2010 والسفير السابق للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة بيل ريشاردسون، ورئيس الحزب الديمقراطي الأمريكي السابق هوارد دين، وايرين خان الأمين العام السابق للعفو الدولية، فضلا عن نخبة من السياسيين والمثقفين العرب من مصر وتونس والكويت والسعودية وفلسطين والأردن ولبنان والجزائر. كان على رأس الشخصيات الأمريكية التي حضرت المؤتمر رودي جولياني عمدة نيويورك ومرشح للرئاسة الأمريكية عام 2008، فرانسيس تاونزند مستشار الرئيس بوش في الأمن القومي ومكافحة الإرهاب حتى عام 2009، مايكل مويزي وزير العدل الأمريكي السابق حتى عام 2009، توم ريج وزير الأمن الداخلي الأمريكي حتى عام 2005، وكذلك أحمد غزالي رئيس الوزراء الجزائري السابق والين فيوين وزير الشؤون الأوروبية السابق في الحكومة الفرنسية.
فيما يتعلق بهذا المؤتمر الذي هاجم القائمون عليه سياسة الحكومة العراقية بشدة بسبب ما وصفوها بأنها تعمل على تنفيذ أوامر طهران لطرد أعضاء المنظمة من العراق، حيث حمل المؤتمر عنوان ''أشرف والسياسية الإيرانية'' ما يشير إلى أنّ القوى المعارضة الإيرانية المنضوية تحت ''المجلس الوطني للمقاومة''، والذي تشكل ''منظمة مجاهدي خلق'' التيار الرئيس فيه كان يسعى هؤلاء المعارضون للظهور بمظهر المعارضة الأكثر حضوراً وإقناعاً للغرب على أنهم البديل الأوحد للنظام الحالي، لكن رغم ذلك ظل مؤتمر باريس، حاله حال مؤتمر لندن الذي عقده منافسو منظمة خلق، في تجاهل تام لاستحقاق الشعوب غير الفارسية، وركز المؤتمر في المجمل على نشاطه وأهمية دوره في تغيير النظام الإيراني، حيث تشير الشخصيات الحاضرة في المؤتمر والعدد الغفير من أنصار المجلس المذكور (نحو تسعة آلاف شخص) إلى أنه يشكل الحدث الأبرز إضافة إلى المشاركة الأمريكية الواسعة والتي سبق لها تصنيف منظمة خلق في قائمة الإرهاب.
لا شك أنّ فصائل المعارضة الإيرانية تسعى جاهدة لكسب التعاطف الدولي والاعتراف والتأييد الأممي لها ضد نظام ولاية الفقيه. فقد أثبت مؤتمر لندن على وجه التحديد خطورة الموقف وضبابية الرؤية المستقبلية لإيران، خاصة فيما يتعلق بالمطالب الشرعية التي تطالب بها الشعوب غير الفارسية، فقد تعمد القائمون على المؤتمر إقصاء الأحزاب التي تطالب بالتحرر خوفاً من أن تأخذ الشعوب دوراً ريادياً في الخارطة السياسية الإيرانية المقبلة، من ناحية والنزعة التي تشير إلى تفرد هؤلاء بالسلطة وسعيهم لتهميش دور الشعوب في النظام السياسي المقبل في إيران عبر جهدهم القيام بنظام أكثر مركزية في إيران وتحويل المناطق التي تقطنها شعوب غير الفارسية إلى ثكنات عسكرية تقمع الشعوب أكثر مما يقوم به النظام الحالي للحيلولة دون حصول أي تغيير جذري، ومن جهة أخرى، فالمعارضة والنظام الإيراني أثبتا أنهما وجهان لعملة واحدة فيما يتعلق بتجاهل المطالب الشرعية للشعوب غير الفارسية.
يبدو أن هنالك تغييراً وشيكاً سيحدث في إيران وهو ما دفع المعارضة في التوقيت الراهن إلى عقد مؤتمراتها ومناقشة شكل النظام المستقبلي وبحثها بصورة معمقة نوع النظام المقبل ويبدو أنّ الكل متفق مبدئياً على أن الشعب هو من يحدد ذلك عبر الاستفتاء العام ما بعد مرحلة الإطاحة بالنظام الحالي والتأكيد على إقامة دولة مدنية علمانية وتحديدا على أساس فصل الدين عن الدولة دون الاهتمام بالطابع الديمقراطي لهذه الدولة وهو ما أحدث إشكالية، حيث هناك أنظمة عدة منها في الشرق الأوسط رغم كونها علمانية لكنها أكثر ديكتاتورية وأشد قمعاً مقارنة بالأنظمة الأيديولوجية الأخرى وسورية خير شاهد على ذلك، كما أنّ النظام السابق في إيران كان علمانياً لكنه لا يقل قمعا لمعارضيه عن النظام الإيراني الحالي، إذن على ما يبدو أنّ التخبط الحالي بين قادة المعارضة مؤشر واضح على تسارع الأحداث في إيران وإمكانية تكرار السيناريو العراقي في إيران وأن ما يجري من تغيير في المواقف وعقد المؤتمرات يصب في الاتجاه الذي حدث للعراق نفسه.
ورغم تأكيد مؤتمر لندن على وضع دستور مقبل للبلاد على أساس الميثاق العالمي لحقوق الإنسان وإصرار مؤتمر باريس على مواصلة المقاومة السلمية دون التطرق لقضايا الشعوب غير الفارسية وشكل النظام القادم ''فدرالي'' أو ''جمهوري برلماني'' أو ''ملكي دستوري''. فهناك عدة تساؤلات ونقاط أكثر غموضاً تثار حول هذين المؤتمرين على هذا الأساس فإن ما تم طرحه في مؤتمري المعارضة الإيرانية في المنفى خلال الأسبوعين الأخيرين من حزيران (يونيو) 2011 في العاصمتين الفرنسية والبريطانية اللذين يحملان أيديولوجيتين مختلفتين أثار شكوك البعض حول جدية المعارضة ونوايا المثقفين الإيرانيين على حد سواء.
حيث يعبّر أحد النشطاء السياسيين البارزين في إيران ويشاطره الكثير من السياسيين والمثقفين الفرس في مناسبات عدة عن مخاوفهم من تفكك الدولة الإيرانية في مقابلة أجراها في وقت سابق عزت الله سحابي وهو أحد رموز المعارضة الإيرانية في الداخل مع صحيفة إيرانية إصلاحية معارضة ''اعتماد ملي'' عبّر عن قلقه حيال تفتيت إيران إلى دويلات، قائلا: ''أنا سأدعم النظام الإيراني الحالي رغم أنه ديكتاتوري ضد أي محاولة قد تؤدي إلى تجزئة إيران''. التوجه نفسه يعبّر عنه ''أكبر غنجي'' وهو سياسي إيراني يقيم في أمريكا في مقابلة له مع الناشط السياسي الإيراني المخضرم الدكتور إبراهيم يزدي في موقع ''روز أون لاين''، حيث يعبر عن مخاوفه من تفكك إيران إلى دول وقلقه إزاء دعم أمريكا لفصائل الشعوب غير الفارسية، معبراً عن اعتقاده بأن أمريكا تريد أخذ الثأر من إيران مهما كلف الأمر، وأن تحويل إيران إلى دويلات سيكون مطمحاً أمريكياً في حال عجزت عن توجيه ضربة عسكرية أو إرغام هذا البلد عن طموحاته النووية والتوسعية في الشرق الأوسط، معتبراً السياسة الأمريكية حيال طهران تشكل خطراً على الأمن القومي الإيراني.
من هنا رغم أن المعارضة الإيرانية تختلف في عدة مناسبات لكنها متفقة على عدم الاعتراف بحقوق الشعوب، وإن كانت مطلبية ضمن الدولة الإيرانية والحد الأدنى منها المتمثل في الفيدرالية، لذلك نرى أنّ المؤتمرين المنعقدين في باريس ولندن لديهما آليات تختلف مع ما يطرحه الآخر رغم وجود أهداف مشتركة في إسقاط النظام الإيراني، إلا أن الاثنين لا يتفقان على تفاصيل عميلة الإطاحة بهذا النظام لا شكلاً ولا مضموناً.
لكن التحدي الحقيقي الذي برز أمام مؤتمر لندن ليس نفوذ النظام الإيراني فيه كما أعرب البعض من المشاركين عن مخاوفهم حيال ذلك بسبب انشقاق القيادي في المعارضة محمد رضا مدحي الذي كان هو الراعي الأول لمؤتمر ''باريس'' الذي أطلق النظام الإيراني عليه اسم ''غوادالوب 2'' وذهابه لطهران وكشفه بعض أسرار المعارضة، حيث يأتي هذا المؤتمر استكمالا لذاك، بقدر ما تكمن الخلافات الجوهرية والآفاق المستقبلية بما يتطابق وطموح الشعوب غير الفارسية، فجر الحديث عن مستقبل النظام في إيران خلافاً بين المعارضين لنظام الجمهورية الإسلامية في الخارج، في اليوم الثاني والأخير لمؤتمرهم الاستثنائي والنوعي الذي عقدوه في لندن.
ولو افترضنا جدلا أنّ المعارضة الإيرانية في المنفى ستتفق على جميع الآليات والمخططات القاضية بإسقاط نظام الحكم في إيران رغم أنّ هذه القضية تبدو بعيدة المنال إلا أنها ستبقى في اتفاق دائم حول الحفاظ على الدولة المركزية في هذا البلد من هذا المنطلق، فإن الشكوك التي تثار حول المعارضة من قبل نشطاء غير فرس ستظل على حالها، فقد أصاب خالد عزيزي الأمين العام للحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني عندما عبّر عن ضرورة تواجد التنظيمات ''المسلحة والانفصالية'' في مؤتمر لندن، منتقداً التلويح باستبعادهم. وإنّ اتهام شاهو حسيني ممثل الحزب الديمقراطي الكردستاني للمعارضة والحكومة الإيرانية على السواء بمحاربة القوميات غير الفارسية، تعبّر عن حالة من التمييز والتهميش والإقصاء للدور تعانيها الشعوب غير الفارسية من قبل الحكومة والمعارضة في المنفى بالدرجة نفسها في مؤتمري لندن وباريس.