مفهوم التكتيك في كرة القدم
كلمة التكتيك وهي الكلمة المتتابعة دوماً مع كلمة التكنيك سنحاول أن نبحث في أصولها ومنابعها، فاصلها العربي تخطيط، وكلمة تكتيك تدل على حالة تخطيط أو وضع خطة ما، وبدل من أن نقول تكتيكنا يمكننا القول تخطيطنا كما يمكننا القول خطتنا. قد يظن البعض أن هذا التشابه لا يقدم دليلا على أن اللغة العربية هي اللغة التي منها اشتقت كل هذه الكلمات الأوروبية وغيرها، لكن الأوربيين ربما يعتقدون أن العكس هو الصحيح، لكن تحليلاً مستفيضاً لهذه الكلمات يجعلنا ندرك أنها عربية المصدر، والخطة يتجلى فيها فعل خط، ولندخل مباشرة في تعريف التكتيك فهو يعرف بمجموعة الحركات الفردية والجماعية لفريق منظم في إطار قانون اللعبة، وهي الإجابة الطبيعية للاعبين لحالات اللعب سواء كان ذلك في حالة هجومية أو في حالة دفاعية على المستويين الفردي والجماعي.. فهي تخص عمليات محدودة في زمن محدد ومحيط محدد وعدد محدد من المشاركين، ويعتبر التكتيك الوسيلة التي بواسطتها يستفيد الفريق من صفات لاعبيه وقدراتهم مع توفير الظروف الملائمة لإبرازها، وهناك معطيات أخرى لها علاقة وطيدة مع التكتيك نذكر منها: التقنية، التكتيك الفردي، التركيبة التكتيكية، المرسوم التكتيكي، الحالة الهجومية، الحالة الدفاعية، هذا بصفة عامة، وبصفة خاصة يعتبر التكتيك الرياضي في مصطلح كرة القدم هو الانضباط والتقيد بالواجبات التكتيكية داخل الملعب وهو أحد العناصر الأساسية في لعبة كرة القدم ويتمثل في اللياقة البدنية والنواحي الفنية والتكنيكية وتطبيق توجيهات المدرب بشكل يخدم الفريق بالدرجة الأولى، ويعتمد هذا التكتيك على تطوير إمكانات اللاعبين بشكل ممتاز وفي سرعة اتخاذ القرار المناسب في تنفيذ الواجبات التكتيكية مع بقية اللاعبين في الفريق، والتكتيك يعني الاعتماد على وضع الطرق والوسائل التي تكفل لعباً يعتمد على خطة أو تكتيك مثالي من دون الاعتماد على مهارات اللاعبين الفردية مهما كانت من أجل تحقيق الفوز والإنجاز وتحقيق النتائج، ويعتمد التكتيك الرياضي على تطبيق اللاعب جميع المهام المكلف بها في الدفاع والهجوم في وقت واحد وتوظيف إمكاناته الفنية بشكل يتناسب مع التكتيك العام الموضوع من قبل المدرب بدرجة عالية من الانضباط، ويسمى هذا الانضباط (بالانضباط التكتيكي) وهو يسهم بصورة مثالية في تعزيز قدرات اللاعبين وتوظيف إمكاناتهم الفنية والبدنية والعقلية بشكل كبير ويسهم أيضا في تنمية قدرات اللاعبين على التعامل مع أي تكتيك يطبقه المدرب لتحقيق نتائج إيجابية.
وبهذه المناسبة نود أن نوضح أن هناك نوعين من اللاعبين أولهما اللاعب المهاري والآخر اللاعب التكتيكي والمهاري هو اللاعب الاستعراضي الذي يعتمد على موهبته الفنية والحركية التي يحولها إلى حركات يراوغ بها ويقطع الكرة بها ويتميز بقدرات فنية عالية تمكنه من الإبداع بالكرة، واللاعب التكتيكي وهو الذي يعتمد على تطبيق التكتيك الموضوع مستعملاً ذهنه وتفكيره في الملعب فهو يكشف الساحة ويكيف نفسه حسب خطة المنافس وحسبما يمليه عليه المدرب من تعليمات ويلعب في أكثر من مركز يحتاج إلى لاعب تكتيكي مثل مركز الارتكاز أو في وسط الملعب بصورة عامة أو حتى في الهجوم، لكن هذا لا يمنع وجود لاعبين تكتيكيين على طراز عال في الدفاع والهجوم، الذين بإمكانهم تغيير معطيات المباراة بسرعة البديهة عندهم وتمركزهم الصحيح داخل الملعب وهم يعرفون متى يشاركون في هجمات فريقهم ومتى يبقون في الخطوط الخلفية واللاعب منهم يعرف متى يتقدم كي يوقع المهاجم الخصم في التسلل، ومثال آخر المدافع التكتيكي الذي يعرف مكامن الخطورة في الفريق الخصم ومن أين تأتي هذه الخطورة فليس اللاعب الذي بحوزته الكرة هو اللاعب الأكثر خطورة، فمراقبة القادمين من الخلف أفضل من التجمع على حامل الكرة، لأن المدافع التكتيكي يعتمد على مهارة ذهنه في قطع الكرة وليس على قدمه.
حتى عام 1860 لم يعرف التكتيك حيث كان يسود على اللعب العشوائية والاعتماد على مهارات اللاعب الفردية حيث كان يقف حارس المرمى في مرماه وبقية اللاعبين العشرة يهاجمون الخصم لإحراز أكبر عدد من الأهداف، وهكذا فقد كان الملعب يعرف ازدحاما حول الكرة والكل يركض وراءها، وفي عام 1863 شهدت أول حركة من المهاجمين بحيث عاد لاعبان اثنان من الهجوم للوراء وذلك لتغطية الهجمات السريعة المضادة من الخصم، وهنا يظهر أن الفكر التكتيكي بدأ يترعرع في الملاعب الكروية، وفي عام 1892 بدأت تتبلور صورة التكتيك وحدث تحسن واضح في أداء الفرق الدفاعية وانتهج الاسكتلنديون أسلوبا جديدا يعتمد على مدافعين ثابتين وسبعة مهاجمين ولاعب واحد في الوسط يفصل بين الدفاع والهجوم، وطور فريق (نوتنجهام فورست) بحيث اعتمدوا في تكتيكهم على مدافعين ثابتين وثلاثة لاعبين في الوسط وخمسة مهاجمين أي 2-3-5 واستمر هذا النهج التكتيكي في الملاعب الأوروبية دون تغيير حتى سنة 1925 فقد تحولت الخطة إلى 2-3-2-3 واستمرت حتى عام 1928 وتتحول الخطة إلى 3-2-2-3 وبذلك تشكلت الخطة الشهيرة WM ثم بدأت الأمور تسير نحو مفهوم جديد في كرة القدم، ففي عام 1952 تم ابتكار تكتيك جديد لإبطال مفعول اللاعبين المهاريين وتم استخلاص خطة 4-2-4 بحيث تخلت الفرق عن فكرة اللعب بلاعبي الوسط صانعي الألعاب وتحول آخر لاعب في الوسط إلى الهجوم وهكذا فإن الفريق أصبح يعتمد على جناحين وقلبي هجوم ثم ظهر الكاتيناشيو فهو مفهوم جديد آخر ابتدعه (هيلينيو هيريرا) وهكذا تواصل التطور التكتيكي وأصبح المدربون يبدعون في ذلك فظهرت خطة 3-5-2 التي تتحول إلى 5-3-2 وكذلك تتحول من 3-5-2 إلى 5-3-2 حسب الحالة إن كانت هجومية ِأو دفاعية، وفي كثير من الأحيان يرتكز هذا التغيير بناء على الانسجام والتنظيم بين اللاعبين في الفريق وبالتالي فإن نجاح هذا الأمر يعتمد على مدى تقبل اللاعبين للتكتيك الذي يتوافق مع إمكاناتهم الفنية والبدنية، بل في أغلب الأحيان يكون لطريقة التدريب أثر كبير في تنفيذ التكتيك الموضوع.
وهناك تكتيكات مختلفة اشتهرت الدول المتقدمة كروياً بها مثل الإيطاليين، فهم أصحاب المقام الرفيع في الخطط الدفاعية بأسلوب الكاتاناتشيو، والإنجليز أصحاب فكر الكرات الطولية في عمق الدفاعات، والبرتغال والدول اللاتينية هم أصحاب اللمسات السحرية والمهارات الفردية والتمرير القصير، والألمان والهولنديون هم أصحاب فكر الكرة الشاملة، أما العرب فقد جربوا كل ذلك ولم يتقنوا أيا منه، على أن هذا كله هو من تكتيكات التشكيل والخطط الأصلية التي يعتمد عليها المدرب على حسب قناعاته وعلى حسب رؤيته لقدرات لاعبيه على المستوى الجماعي والفردي للوصول للخطة والتكتيك الأمثل.
وعلى المدربين العرب عدم الاعتماد على الخطط الموضوعة، فهذا التكتيك صمم بواسطة مدربين صاغوا هذا التكتيك حسب إمكانات وقدرات لاعبيهم، لذلك يجب عليهم ابتكار أنواع التكتيك التي تتناسب مع مثل هذه القدرات والإمكانات، ولتطبيق مثل هذه التكتيكات هنالك متطلبات يجب أن تتوافر في اللاعبين، ويجب عند وضع أي تكتيك للاعب مراعاة عوامل أخرى كثيرة مثل البنية الجسمانية للاعبين العرب، وعدم تطبيق الاحتراف بصورته المثلي، الظروف الاجتماعية والشخصية، عوامل الطقس، نوعية الغذاء المتناول، الرعاية الصحية، الحالات النفسية والذهنية التي تطرأ على اللاعب العربي من الآثار الاجتماعية التي يعيشها نتيجة تفاعله مع مجتمعه، كل هذه العوامل يجب أن توضع في الحسبان وتبنى الأسس لوضع الخطط في ضوئها، وهذا ليس بصعب ولا مستحيل، بل على المدرب العربي أن يمارس التفكير ويعتمد على الإحصاءات التي يجمعها ودراسته وتقييمه لقدرات لاعبيه وتحديد إمكاناتهم البدنية والفنية والذهنية، وبالتالي تظهر أمامه الصورة بوضوح وبأي أسلوب يلعب وأي تكتيك ينتهج، كما عليه إخضاع تجاربه للدراسة والتحليل لاستخلاص الأخطاء ومن ثم معالجتها.