قفل باب المرافعة في الدعوى التحكيمية
إنه في حال أبدى الخصوم في الدعوى التحكيمية جميع طلباتهم التي تنصب على موضوع الدعوى ورأت هيئة التحكيم اكتمال تلك المستندات والطلبات، فبناءً عليه تقرر قفل باب المرافعة للمداولة تمهيداً لصدور الحكم المنهي للنزاع. وقد يأتي قفل باب المرافعة بناء على طلب أحد الخصوم أو كليهما إذا كان ليس لديهم ما يقدمونه من دفوع أو مستندات أو ما يطلبونه من طلبات ورأت هيئة التحكيم ذلك أيضا، إلا أنه في بعض الأحوال يستمر أحد الخصوم في تقديم العديد من الدفوع والطلبات هادفاً من ذلك إلى استجابة هيئة التحكيم لها، وقد تكون هذه الطلبات غير منتجة في الدعوى التحكيمية وتؤدي الاستجابة لها إلى تبديد وقت هيئة التحكيم وإطالة أمد التقاضي مما يسبب أضراراً بالطرف الآخر، لذلك وجب على هيئة التحكيم أن تفوت على الخصم ــ طالب هذه الطلبات ــ هدفه وتأمر بقفل باب المرافعة إذا ما كانت الدعوى قد تهيأت للحكم بالفعل.
إن المادة (38) من اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم الصادرة بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 7/2021وتاريخ 8/9/1405هـ قد نصت على أنه (متى تهيأت الدعوى للفصل فيها تقرر هيئة التحكيم قفل باب المرافعة ورفع القضية للتدقيق والمداولة وتتم المداولة سراً لا يحضرها سوى هيئة التحكيم التي سمعت المرافعة مجتمعة، وتحدد الهيئة عند قفل باب المرافعة موعداً لإصدار القرار أو جلسة أخرى مع مراعاة أحكام المواد (9، 13، 14، 15) من نظام التحكيم) ويُفهم من مضمون هذه المادة أن هيئة التحكيم هي المنوط بها تقدير مدى تهيئة الدعوى التحكيمية للحكم فيها من عدمه ومن ثم لها قفل باب المرافعة في هذه الحالة.
ولقد ألزم نظام التحكيم الصادر بالأمر الملكي رقم م/46 وتاريخ 2/07/1403هـ هيئة التحكيم بأن تحدد موعداً لإصدار حكم التحكيم، ويجب عليها ــ حال تحديد هذا الموعد ــ أن تتأكد من توافر المتطلبات التي نصت عليها المواد (9، 13، 14، 15) من نظام التحكيم وأهمها ما نصت عليه المادة التاسعة من أنه (يجب الحكم في النزاع في الميعاد المحدد في وثيقة التحكيم ما لم يُتفق على تمديده وإذا لم يحدد الخصوم في وثيقة التحكيم أجلاً للحكم وجب على المحكمين أن يصدروا حكمهم خلال تسعين يوماً من تاريخ صدور القرار باعتماد وثيقة التحكيم ......) كذلك وجب مراعاة حالات مد مدة التحكيم المنصوص عليها بالنظام التي تكون حال عزل أحد المحكمين على النحو المنصوص عليه بالمادة (14) من نظام التحكيم ، فضلاً عن مد ميعاد التحكيم لظروف تتعلق بموضوع النزاع على النحو المنصوص عليه بالمادة (15) من نظام التحكيم.
وبقفل باب المرافعة ــ على الوجه المنصوص عليه نظاماً ــ تبدأ مرحلة جديدة من إجراءات الدعوى التحكيمية وهي مرحلة المداولة بين أعضاء هيئة التحكيم بهدف تكوين الرأي القانوني محل حكم التحكيم المزمع إصداره، وليس لأعضاء هيئة التحكيم إشراك أي من الغير في هذه المداولة لأن مهمة التحكيم ــ بحكم طبيعتها ــ مهمة سرية ، فإذا ما خالفت هيئة التحكيم ذلك وأشركت أحداً من غير أعضائها في المداولة كان الحكم الصادر عنها باطلاً لمخالفته لأحكام النظام، مع العلم أنه ليس للمداولة مكان بعينه يجب انعقادها فيه، إذ يجوز عقدها في مقر جلسات التحكيم أو في أي مكان آخر تحدده هيئة التحكيم.
وفي حال عدم حضور أحد أعضاء هيئة التحكيم جلسات المداولة المحددة من قبل هيئة التحكيم لأي سبب من الأسباب مثل الوفاة أو الاعتزال أو رد هذا العضو، فيجب على هيئة التحكيم إعادة فتح باب المرافعة من جديد بعد تعيين من يخلفه، ويتم نظر الدعوى في حضور هيئة التحكيم الجديدة ويقدم الأطراف ملخص طلباتهم ودفوعهم، وليس لهيئة التحكيم إعادة الإجراءات التي تم اتخاذها في ظل هيئة التحكيم السابقة مثل سماع شهادة الشهود أو الخبراء أو إعادة المعاينة، ولها الأمر بقفل باب المرافعة للمداولة مرة أخرى.
وقد ألزمت المادة (40) من اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم هيئة التحكيم بالعديد من الأمور التي يجب مراعاتها تحقيقاً للعدالة والشفافية أثناء قفل باب المرافعة إذ نصت على أنه ''لا يجوز لهيئة التحكيم أثناء رفع الدعوى للتدقيق والمداولة أن تسمع إيضاحات من أحد المحتكمين أو وكيله إلا بحضور الطرف الآخر وليس لها أن تقبل مذكرات أو مستندات دون اطلاع الطرف الآخر عليها وإذا رأت أنها منتجة فلها مد أجل النطق بالقرار وفتح باب المرافعة بقرار تُدون فيه الأسباب والمبررات وإخطار المحتكمين بالميعاد المحدد للنظر في القضية'' وقد تطلب نظام التحكيم أن تكون هذه المذكرات أو تلك المستندات المقدمة أثناء قفل باب المرافعة منتجة في الدعوى التحكيمية، ويرجع تقدير ذلك لهيئة التحكيم ولها في هذه الحالة إعادة فتح باب المرافعة لتمكين الخصم من الرد على هذه المستندات وتحقيق دفاع وطلبات الخصوم.
وخلاصة الأمر أن إعادة فتح باب المرافعة طبقاً لنص المادة (40) سابقة الذكر يرجع إلى تقرير هيئة التحكيم منفردة، فلها أن تُعيد فتحه أو الاستمرار في المداولة للوصول إلى الحكم في الدعوى، وفي حال تضمنت المستندات أو المذكرات المقدمة من الخصوم حقائق أو وقائع يتغير معها وجه الفصل في الدعوى ــ أي كانت منتجة فيها ــ فعلى هيئة التحكيم فتح باب المرافعة لتحقيق ذلك إحقاقا للحق والعدل، ونرى أن ذلك لا يخضع لرقابة المحكمة المختصة لأنه من الأمور التي تخضع لتقدير هيئة التحكيم وأن الحكم بقفل باب المرافعة لا يُعد حكماً قطعياً ويجوز لهيئة التحكيم الرجوع فيه.