فشار وتلفزيون وغباء
يلمس معظمنا كوالدين أن وسائل التسلية المتسارعة تجعل المحتويات الدراسية تبدو مملة جدا لأبنائنا وتضعف من تحصيلهم الدراسي، حيث يؤدي الوجد البصري للأطفال بقوة الألوان وسرعة تغير اللقطات وحركة الشاشات إلى عزوف التلاميذ عن الاهتمام بالمناهج الدراسية والتفوق الأكاديمي. ولهذا يتفق أغلبية علماء الأعصاب والخبراء التربويون على أن مظاهر الحياة المعاصرة وتزايد الممارسات الإلكترونية في حياة أطفالنا تؤثر سلبيا بشكل واضح على وظائف التطور العصبي للدماغ وقدرات التفكير، ويتربع التلفاز على قائمة المتهمين؛ فعدا عن مظاهر العنف المستمرة التي يبثها بالمشاركة مع أفلام الفيديو وألعاب الكومبيوتر فهناك النزعة الاستسلامية التي يولدها الاستلقاء أمامه معظم اليوم وتناول الفشار أو رقائق البطاطس؛ مما يحجب فرصة التفكير المبدع وتطوير الهوايات والأنشطة الرياضية المقوية للعقل، حيث تمارس برامج التلفزيون والأفلام تنبيها بكميات بسيطة للتفكير وتعطل القدرات التحليلية والربط العميق بين المعلومات، ويصعد الاستفزاز أكثر تلك الضحكات الافتعالية المسجلة مسبقا مع المسلسلات الكوميديا والتي أعتبرها شخصيا من أكبر الإهانات لعقلية الطفل ومن أشكال الإساءة لشخصه، فكأنها توصمه مسبقا بالغباء؛ مما يضطرها للفت نظره باستمرار للمواقف التي تستلزم الضحك، وبالرغم من التأثير البسيط للألعاب الإلكترونية على التناسق البصري اليدوي والذكاء المكاني إلا أن ذلك لا يسهم كثيرا في التطور الفكري لأدمغة أطفالنا.
يؤكد كل ما سبق أن أنماط الحياة العائلية المرهقة تستنزف طاقات وإبداعات أطفالنا، فالكثير من الوالدين على عجلة من أمرهم ولا يملكون الوقت للإشراف التربوي على ممارسات أطفالهم؛ مما يحرم الأولاد من فرصة الاجتماع العائلي وتبادل الحوارات المعززة لمهارات الاتصال والتفكير، كما يهمل الكثير من الوالدين تنمية عادة تناول الفطور الصحي قبل للمدرسة فيلجأ أطفالهم للإفراط في تناول الوجبات السريعة وإدمان المشروبات الغازية؛ مما يعمل بشكل عميق على كبح تطور الدماغ و الطاقة العقلية، وتبرز كذلك مشكلة السهر واتجاه الأطفال أكثر نحو متع الحياة الليلية، فمشاهدة التلفزيون والحديث على الإنترنت والاستماع للموسيقى وربما ممارسة بعض المباريات الإلكترونية كل ذلك يجعلهم ينامون في وقت متأخر ولا يستطيعون القيام بأداء جيد في اليوم التالي، ونتج من ذلك أن كثيرا من الأطفال في حضارتنا المعاصرة يترعرون في أنماط حياة وممارسات يومية مدمرة لقواهم الفكرية؛ مما يؤلمنا كآباء حريصين على التنشئة التربوية الجيدة لأبنائنا، وقد يدفعنا ذلك للقيام بتعديلات جوهرية في عاداتنا وإدارة أوقاتنا لأجل مستقبل أطفالنا.