في وداع سلطان الخير ..

- وما كان إلا مال من قلّ ماله
وذخراً لمن أمسى وليس له ذخرُ
اليوم تودع بلادنا والعالم الإسلامي أجمع سلطان بن عبد العزيز، أمير الخير والإنسانية.
اليوم يرحل سلطان الخير جسداً .. ويبقى فعله حاضراً، وذكراه عطرة، بعد أن كان بلسماً يُداوي الجراح، ويغيث المحتاج، ويواسي المكلوم.
اليوم يوارى سلطان الثرى فتغيب ابتسامته، بعد أن زرع الابتسامة في شفاه الآلاف من الناس.
اليوم يرقب العالمُ أجمع، كيف نودع هذا الرمز، الذي بكته القلوب قبل العيون، فيرى العالم كيف هي العلاقة بين أبناء الوطن الواحد، حكاماً ومحكومين، وكيف الكل يشعرُ بالأسى لفقد رجل كان أمة وحدة.
اليوم سيرى العالم مدى ترابط هذا المجتمع، وبساطته وتدينه، وكيف أن من كان ملء السمع والبصر، وملأت محبته القلوب، يوارى الثرى في مشهد بسيط لا يثير الاستغراب، مثله مثل غيره من ملوك وأمراء وأبناء هذه البلاد، وسيعجب كثيرون أن لا مقابر خاصة، ولا بناء مشيدا، بل مقبرة متواضعة يحيط بها سورٌ قليل الارتفاع، ويتساوى فيها الناس، صغيرهم وكبيرهم، فقيرهم وغنيهم، دون تمييز، فالكل سواسية، ولا يبقى إلا العمل الصالح.
سلطان بن عبد العزيز الذي كان سامياً في أعماله وتعامله وعطائه الإنساني الكبير، غادر هذه الدنيا ليلقى وجه ربه بما قدمه من عمل صالح، وهو - إن شاء الله - قدّم من العمل ما يُرضي الله تعالى، فهو رجل مؤمن، عرف أن الدنيا مزرعة الآخرة، وأن مآل الإنسان إلى الثرى، فلا ثروة تنفع، ولا طول أمل يشفع، وكان يرددُ دائماً أن الدنيا فانية وما يبقى إلا ما قدمه الإنسان من عمل صالح.
رحم الله سلطان بن عبد العزيز، فقد كان على مدى ستة عقود، ركناً مهماً من أركان الدولة، وله دورٌ وبصمةٌ واضحة في كل مجال من مجالات الحياة، وكان بما تولاه من مناصب ومهمات كبيرة، يجمعُ بين الحزم الذي تتطلبه هذه المهمات، وبين الجانب الإنساني الذي طبع شخصيته، حتى استطاع أن يجعل من وزارة الدفاع والطيران التي عُرفت في العالم أجمع بأنها قطاع عسكري صرف، مجالاً للعمل الإنساني، فتصبح من خلال مستشفياتها العسكرية ومبادراتها سباقة في هذا المجال.
نسأل العلي القدير أن لا يحرمه أجر ما قدمه من أعمال، وأن يجعلها شفيعاً له، وعزاؤنا في أبناء وأحفاد الملك المؤسس - رحمه الله - الذين ساروا على نهجه، فكانوا يد خير أينما حلوا، وفي مقدمتهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وإخوته الكرام ـــ حفظهم الله.
***
سَقى الغَيثُ غَيثاً وارَتِ الأَرضُ شَخصَهُ
وَإِن لَم يَكُن فيهِ سَحابٌ وَلا قَطرُ
وَكَيفَ اِحتِمالي لِلسَحابِ صَنيعَةً
بِإِسقائِها قَبراً وَفي لَـحدِهِ البَحرُ
مَضى طاهِرَ الأَثوابِ لَم تَبقَ رَوضَةٌ
غَداةَ ثَوى إِلا اِشـتَهَت أَنَّـها قَبرُ
ثَوى في الثَرى مَن كانَ يَحيا بِهِ الثَرى
وَيَغمُرُ صَـرفَ الـدَهرِ نائِلُهُ الغَمرُ
عَـلَيكَ سَـلامُ الـلَهِ وَقـفاً فَـإِنَّني
رَأَيـتُ الـكَريمَ الـحُرَّ لَيسَ لَهُ عُمرُ

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي