اعتراف أممي بممارسة إيران فظائع ضد حقوق الإنسان
أصدر المقرر الخاص من قبل منظمة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في إيران ''أحمد شهيد'' تقريره في 15 تشرين الأول (أكتوبر) عام 2011 والذي تضمن إدانة واضحة وشفافة لممارسات إيران التي لا تنطبق مع أدنى متطلبات حقوق الإنسان، واعترف المقرر ومن ورائه الأمين العام للأمم المتحدة، وهذا يعني اعترافا أمميا طبعا بأن النظام الإيراني يقوم بانتهاك صارخ وتجاوز فاضح في مجال حقوق الإنسان.
فالتقرير الذي رفع إلى الأمين العام وهو يحمل توقيع بان كي مون، علاوة على المقرر أحمد شهيد، وهو تقرير سنوي يصدر من قِبل مكتب الأمين العام يحمل ﻗﻠقا ﺷﺪﻳﺪا تجاه انتهاكات حقوق ﺍلإنسان ﻓﻲ إيران، ﻣﺘطرقا للإﻋﺪﺍﻣﺎﺕ ﺍﻟﻌﺸﻮﺍﺋﻴﺔ والاعتقالات غير القانونية ﻭﺍﻟﻤﺤﺎﻛﻢ غير العاﺩﻟﺔ ﻭﻗﻤﻊ ﻧﺸﻄﺎﺀ ﺣﻘﻮﻕ الإﻧﺴﺎﻥ ﻭﺍﻟﻤﻀﺎﻳﻘﺎﺕ ﺿﺪ ﺍﻟﻤﺤﺎﻣﻴﻦ ﻭﻣﻄﺎﺭﺩﺓ ﺍﻟﺼﺤﺎﻓﻴﻴﻦ، ﻭﻗﻤﻊ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺿﺔ والشعوب غير الفارسية.
وكذلك في خطوة غير مسبوقة وفريدة من نوعها ركز تقرير الأمم المتحدة على الوضع الكارثي الذي يعيشه أبناء الشعوب غير الفارسية بمن فيهم عرب الأحواز، وﺣﺴبما ذكر ﻣﻮﻗﻊ ﺍﻷﻣﻢ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ ﻴﻮﻡ ﺍﻟﺴﺒﺖ المصادف 14 تشرين الأول (أكتوبر) فقد عبَّر ﺍﻟﺘﻘﺮﻳﺮ ﻋﻦ قلقه الشديد حيال ﺍﻹﻋﺪﺍﻣﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﻔﺬﻫﺎ ﺇﻳﺮﺍﻥ ﺑﺤﻖ ﻣﻌﺎﺭﺿﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺮﺏ في ﺍﻷﺣﻮﺍﺯ ﺧﺎﺻﺔ والتأكيد والحصر في هذا التوقيت بالذات على ملف الشعوب في إيران الذي بقي طي النسيان لسنوات عدة يحمل في طياته دلالات عدة.
ﻭﻗﺎﻝ ﻛﻲ ﻣﻮﻥ ﻓﻲ ﺗﻘﺮﻳﺮﻩ: إنّ ''ﺇﻳﺮﺍﻥ، ﺭﻏﻢ ﺍﻟﺘﻮﺻﻴﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻗﺪﻣﺘﻬﺎ ﻣﻨﻈﻤﺔ ﺍﻷﻣﻢ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ ﻭﺃﻣﻴﻨﻬﺎ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ، ﻭﺍﺻﻠﺖ ﺳﻴﺎﺳﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﻤﺴﺘﻤﺮﺓ ﻓﻲ ﺍﻻﻧﺘﻬاﻜﺎﺕ ﺍﻟﺼﺎﺭﺧﺔ ﻟﺤﻘﻮﻕ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ، ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﻨﺸﻄﺎﺀ ﺍﻟﻤﺪﺍﻓﻌﻴﻦ ﻋﻦ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﻭﺍﻟﺼﺤﺎﻓﻴين''. ﻭﻟﻔﺖ ﺍﻟﺘﻘﺮﻳﺮ ﺇﻟﻰ ﺇﻋﺪﺍﻡ الأحداث ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻟﻢ ﺗﺘﺠﺎﻭﺯ ﺃﻋﻤﺎﺭﻫﻢ 18 ﻋﺎﻣﺎ، ﻭﺍﻹﻋﺪﺍﻣﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﻔﺬ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻸ، ﻣﺒﻴﻨﺎ ﺃﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺯﻳﺎﺩﺓ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﻓﻲ ﻋﺪﺩ ﻣﻦ ﺗﻢ ﺇﻋﺪﺍﻣﻬﻢ ﺧﻼﻝ ﻋﺎﻣﻲ 2010 و2011.
ﻭﻋﺒّﺮ ﺍﻷﻣﻴﻦ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻓﻲ ﺗﻘﺮﻳﺮﻩ ﻋﻦ ﺍﻟﻘﻠﻖ ﺍﻟﺸﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻹﻋﺪﺍﻣﺎﺕ ﺍﻟﻌﺸﻮﺍﺋﻴﺔ ﻓﻲ ﺇﻳﺮﺍﻥ، ﻣﺆﻛﺪﺍ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻔﻮﺿﻴﺔ ﺍﻟﻌﻠﻴﺎ ﻟﺤﻘﻮﻕ الإﻧﺴﺎﻥ ﻃﻠﺒﺖ ﻣﻦ ﺇﻳﺮﺍﻥ ﻭﻗﻒ ﺍﻹﻋﺪﺍﻣﺎﺕ ﺍﻟﻌﺸﻮﺍﺋﻴﺔ، ﻭﻣﻨﻬﺎ ﺇﻋﺪﺍﻡ ﺍﻷﻃﻔﺎﻝ ﺩﻭﻥ سن الـ18 ﻋﺎﻣﺎ. ﻭﻛﺸﻒ ﺍﻟﺘﻘﺮﻳﺮ عن ﺃﻥ ﺇﻳﺮﺍﻥ ﺃﻋﺪﻣﺖ ﻣﺎ ﻳﺘﺮﻭﺍﺡ ﺑﻴﻦ 140 و185 ﺷﺨﺼﺎ، ﺣﺴﺐ ﺗﻘﺎﺭﻳﺮﻫﺎ ﺍﻟﺮﺳﻤﻴﺔ منذ ﺑﺪﺍﻳﺔ شباط (ﻓﺒﺮﺍﻳﺮ) ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﻭﺣﺘﻰ الـ20 ﻣﻨﻪ، ﻭﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﻔﺬ ﺃﺣﻜﺎﻡ الإعدام ﺑﻤﻌﺪﻝ ﺷﺨﺺ ﻭﺍﺣﺪ ﻛﻞ ﺛﻤﺎﻧﻲ ﺳﺎﻋﺎﺕ ﻓﻲ ﺑﺪﺍﻳﺔ ﻋﺎﻡ 2011.
ينقل المقرر الخاص لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة عن حالات مروعة ضد الشعوب غير الفارسية، وكذلك أتباع الأقليات الإثنية ترتكبها الحكومة الإيرانية ضدهم فيتعرض العرب والأكراد والبلوش والترك لتمييز عرقي متواصل، كما أنّ أتباع المذاهب غير الرسمية في إيران يعانون اضطهادا إثنيا ممنهجا، فإنّ السنة والصوفيين والبهائيين والمجتمع المسيحي يعانون التمييز نفسه ولا يحق لهم ممارسة طقوسهم الدينية والعقائدية بحرية في إيران وتمارس السلطات مضايقات مستمرة ضدهم.
لكن ما أثار غضب المنظمات الدولية لحقوق الإنسان ما جاء في التقرير الذي يفضح فيه عمليات الإعدام السرية التي تمارسها السلطات الإيرانية ضد المعارضين، حيث بلغت الإعدامات أكثر من 300 عملية إعدام سرية تمت العام الماضي في إيران، فضلا عن مئات المحكومين الذين يعلن رسميا إعدامهم كل سنة.
ويظهر التقرير الأممي أن هذه الإعدامات السرية في سجن وكيل أباد في مشهد (شمال شرق البلاد) تمت ''انتهاكا للقانون الإيراني'' دون حضور محامي المعتقلين الذين يتم إعدامهم ولا أفراد من عائلتهم. حيث أحصى التقرير ما لا يقل عن 146 عملية إعدام سرية تمت منذ مطلع السنة في إيران، ذاكرا شهادات وإفادات لمنظمات حقوقية.
رغم كل ذلك، فإنّ القضاء التابع لولي الفقيه والساسة المؤدلجين بحب أئمة الشر في إيران يعتبرون تقرير المقرر الخاص لحقوق الإنسان في إيران على أنه غير عادل وغير مقبول ولا أساس له من الصحة لا لسبب وجيه، بل إنه لا يلبي طموحات قيادتهم السياسية ونظامهم الهرِم.
ويسعى النظام الإيراني عند كل تقرير حقوقي يصدر مساندا للشعوب المضطهدة في إيران وضحاياها الأبرياء إلى التأكيد على أنّ هكذا تقارير ''تأتي نتيجة للتوجه الأحادي الجانب المشبع بالأغراض السياسية لأمريكا وحلفائها'' وعودونا هؤلاء على سماع كلمات أمريكا والعدو الرئيس لإيران، وأنها لا تدخر وسعا في خداع المجتمع الدولي عبر سرد معلومات خاطئة ومضللة عن إيران، وإلى نهاية السرد المزيف للقصة على لسان قراصنة النظام في المؤسسات الدولية.
وأما تراجيدية إيران فلم تنتهِ عند هذا الحد؛ فقد وصف كبار قضاة طهران ومعمميها آية الله صادق لاريجاني بأنّ التقرير يحتوي على ''أكاذيب كبيرة''، وقال في تصريحات نشرت على موقع التلفزيون الإيراني الرسمي: إن تقرير الأمم المتحدة بشأن إيران ''سخيف''. وأضاف أن التقرير ''لا يفعل سوى ترداد شكاوى الفصائل المعارضة والمناهضة للنظام''، مشددا على أن هذا التقرير يمسّ بحيادية كاتبه أحمد شهيد المقرر الجديد للأمم المتحدة حول حقوق الإنسان في إيران.
وتساءل المسؤول الإيراني: ''كيف يمكن لمقرر خاص للأمم المتحدة أن يعد تقريره متضمنا هذا الكم من الأكاذيب الكبيرة؟''. وتابع ''من الواضح أن حملة حقوق الإنسان ضد إيران سياسية، وهذا ما جعلنا نرفض استقبال المقرر الخاص في إيران، واعتبر لاريجاني أن مبادئ حقوق الإنسان في إيران تختلف عما هي عليه في الدول الغربية. وتابع ''لا نستطيع أن نقبل بمبادئ لحقوق الإنسان يفرضها الغرب. نحن ندافع بحزم عن المبادئ الإسلامية لحقوق الإنسان.
لنفرض جدلا لو امتدح العالم بأسره ما يقوم به النظام الإيراني من جرائم هل يعني ذلك صواب الفعل؟ أم أنّ العمل المنافي لحقوق الإنسان يبقى دائما شنيعا في جميع الشرائع والأديان وأنّ حقوق الإنسان أصبح مقاسا ومسطرة حقيقية لمعرفة الدولة الديمقراطية من سواها؟
فالتدخل في ملفات حقوق الإنسان لا يعتبر تدخلا في شؤون داخلية ولا ينتهك السيادة لأي بلد، لكن يبدو أن النظام الإيراني يريد التعتيم وبعدما أصبحت قضية حقوق الإنسان في إيران قضية أممية تتدخل فيها جميع الدول ومنظمات حقوق الإنسان أغضب ذلك نظام الملالي.
من هنا فهل اعتبار التقارير الصادرة من قبل المنظمات الدولية كاذبة من قبل طهران بسبب شهادة أشخاص فيها يبرر ما يقوم به نظام دموي قمعي مثل النظام الإيراني؟ بالطبع لا، ولو كان هذا النظام راغبا في تقارير نزيهة وذات مصداقية عالية وطبقا لقواعد ومواصفات القضاء - حسبما يدعي - فيجب عليه أن يسمح للمقرر أولا بالدخول إلى البلاد ومقابلة عائلات الضحايا ودخول السجن ثم يعترض.
وقبل ذلك عليه السماح للصحافة الحرة بمراقبة ما يقوم به من إجرام وليس إفساح المجال لببغاوات ناطقة باسمه مثل (العالم، المنار، الفرات، وكالة فارس وإيرنا وغيرها التي تنقل أخباره المشفرة، التي لا تصلح سوى لغسل أدمغة المتخلفين عقليا) فقط، من ثم سيحكم العالم على مصداقية التقارير من عدمها، لكن في ظل الظروف كهذه لا يحق لهكذا نظام الطعن بالتقارير والقول إنها بنيت على أساس شهود زور ويسلب الآخرين، وعلى رأسهم أصحاب التقرير، الحق في التدقيق وأخذ العينات ويصبح النظام كما قال الشاعر''فيك الخصام وأنت الخصم والحكم''.