القرار.. الصناعة والتنفيذ والمتابعة والتقويم

القرار مهما كان حجمه وأهميته والفئات الموجه إليها يحتاج إلى مجموعة من المراحل تبدأ بصناعة القرار ثم تنفيذه ثم متابعة التحقق من حسن التنفيذ ثم التقويم ثم إعادة الصياغة أو التعديل وهذه المراحل يجب ألا تجتمع في يد جهة واحدة، لأن كل مرحلة من هذه المراحل وغيرها عندما تجتمع في يد فرد واحد أو جهة واحدة يصبح ارتباطها وإنجازها وتقويمها مرتبطا بها، وهذا يضعف القرار ولا يحقق الفائدة المرجوة منه وينتهي القرار بانتهاء صانعه.
إن اتخاذ القرار وما يتبعه من إجراءات تنفيذ ومتابعة وتقويم دائما تبرز إلى الذهن مع كل قرار جديد سواء على المستوى الوطني أو العمل الشخصي وبأهمية القرار وأثره يكون الاهتمام بمعرفة مصدره وآثاره على المجتمع المصدر إليه والمتعامل معه، وما يلفت النظر ويستحق الوقوف عليه أن كل أو أغلب المؤسسات الحكومية تقوم بإصدار الأنظمة والإجراءات المرتبطة بعملها والمتعلقة بمصالح الناس، ثم تقوم تلك المؤسسات أو الوزارات بتنفيذ ما أصدرت من قرارات ثم تقوم بتقويمه، وتضع تلك المصلحة أو الوزارة نفسها الخصم والحكم مع كل قرار تصدره، وهنا يبرز سؤال مهم هل من حق الوزارة أو المصلحة ذات العلاقة بالعمل أن تصدر الأنظمة خصوصاً عندما تكون ذات بُعد وطني وتأثير اجتماعي واقتصادي واسع.
الأساس في إصدار الأنظمة والتشريعات أن تكون على مستوى الدولة وليس على مستوى الحكومة بمعنى أن يشارك في صنع القرار مختلف قطاعات الدولة مثل القطاع الخاص والقطاع الأكاديمي وغيرها من قطاعات الدولة إضافة إلى القطاع الحكومي، حيث يكون القرار مدروسا وموجها بشكل يضمن حسن التنفيذ واستدامة العمل به.
لو أخذنا مثلاً ما يتعلق بالقطاع المالي على المستوى الوطني فليس من حق وزارة المالية أن تصدر الأنظمة والتشريعات المالية، وإنما دورها هو تنفيذ ما يصدر لها من أنظمة والجهة المصدر لهذه الأنظمة هي المعنية بمتابعة حسن تنفيذها وتقويمها، وهذا الأمر ينطبق على بقية القطاعات الحكومية، فمثلاً وزارة العمل لا يجب أن تصدر الأنظمة والتشريعات التي تحكم العمل والعمال وأداء الشركات والمؤسسات، وإنما دورها تنفيذ سياسة الدولة في مجال العمل والعمال، وكذلك الأمر بالنسبة للصحة والتعليم والبلديات وغيرها من القطاعات الحكومية.
إن المتابع اليوم لما يصدر من قرارات أو أنظمة أو تشريعات يجد أن مصدرها والمنفذ لها والمقوم لها هو الجهة ذات العلاقة، فالصحة تصدر استراتيجية الصحة والعمل تصدر أنظمة العمل والتعليم تصدر أنظمة وأساليب التعليم وكل قطاع يقوم بتنفيذ استراتيجية، ولهذا تأتي تلك الاستراتيجيات والخطط والأنظمة ذات طابع فردي، ولهذا ينتهي العمل بها بنهاية صاحبها، فعند أي تغيير في قيادة هذا القطاع أو ذاك تتغير سياسة وأنظمة وأولويات القطاع، ومع القادم الجديد يتغير ثوب القطاع وفي الغالب العاملون فيه وخصوصا قيادات القطاع، وهذا يجعل من تحقيق استدامة التطوير واستقراره وتطوره أمرا غير ممكن.
إن صناعة القرار يجب ألا يكون منبعه الوزارة أو القطاع المختص، وإنما يأتي وفقا للسياسة والتوجهات العامة والأساسية للدولة وينطلق صناعة القرار من المتطلبات الأساسية والمهمة والمتدرجة للمجتمع ووفقاً لأهداف الخطط والاستراتيجيات الوطنية التي لا تتغير بتغير الأشخاص ثم بعد صناعة القرار واعتماده يكلف كل قطاع أو وزارة بتنفيذ ما يخصها في هذا القرار وفقاً لبرنامج زمني محدد يتم تقويم مخرجاته من فريق مرتبط بصانع القرار، ويتولى هذا الفريق مهمة تقويم الأداء ومراجعة التغيير وتحديد الأولويات، حيث يحقق كل قرار أو نظام البناء التنموي والمؤسسي المستدام.
إن استمرار التغيير غير الإيجابي لقراراتنا وأنظمتنا وفقاً لتغير المسؤولين ونظرياتهم ورؤيتهم للأمور لن يمكننا من تحقيق الاستمرار في التطوير وبناء القرارات والإجراءات وفقا للمتغيرات الطبيعية والحتمية التي تتطلبها المرحلة الحالية والقادمة ووفقاً لتغير متطلبات المجتمع والمجتمعات المتعاملة معه والمؤثرة فيه والزمان ومتطلباته.
إن صناعة القرار وضمان حسن تنفيذه والاستمرار في تقويمه تتطلب إعادة النظر في أسلوبنا الحالي الذي يرقى إلى مستوى الأسلوب العقيم غير القادر على تحقيق التطور والاستدامة للأنظمة والمؤسسات ويجعل كل المتعاملين معنا في حالة من الارتباك والقلق لعدم وجود الضمانات التي تحقق لهم الاستثمار التنموي السليم، ولهذا يجب الفصل بين الأجهزة المعنية بصناعة القرار ــــ والقرار هنا ما كان ذا رؤية وأثر وطني ـــ وبين منفذي القرار، بمعنى يجب ألا تكون الأجهزة التنفيذية مهما علت هي المشروع أو المحضر أو المعد للمشروع أو صانع القرار وإنما تبقى فقط منفذة للقرار، حيث نحقق التنمية الإنسانية والمكانية المستقرة والمتطورة والمستدامة.

وقفة تأمل:

بمناسبة العام الهجري الجديد أسأل الله للجميع قبول أعمال عام مضى وحسن أداء عام جديد وكل عام وأنتم بخير.
أسيء فيجزي بالإساءة أفضالا
وأعصي فيوليني برا وإمهالا
فحتى متى أجفوه وهو يبرني؟!
وأبعد عنه وهو يبدل إيصالا
وكم مرة قد زغت عن نهج طاعة
ولا حال عن ستر القبيح ولا زالا

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي