أين تقع المملكة من المؤشرات العالمية في الرساميل المعرفية؟
أولت حكومة خادم الحرمين الشريفين خلال الخطط التنموية الخمسية اهتماماً كبيراً للتنمية البشرية وفق توجهات الاقتصاد المعرفي والتنافسية العالمية. وقد تجسد هذا الاهتمام في الموازنات الحكومية الأخيرة التي جعلت الإنسان محور الإنفاق والرعاية.
واستمراراً لهذا النهج الرشيد فقد أتت موازنة هذا العام بالخير الكثير لدعم بناء الإنسان السعودي المسلح بسلاح المعرفة والعلم والتقنية الحديثة.
فالدول تدرك اليوم أن التنافس الدولي لمواكبة التقدم وتحقيق النمو لم يعد قائماً على عناصر الإنتاج التقليدية بل أصبح قائماً على رأس المال البشري المعزز بالمعرفة.
ورواد الأعمال هم من يستطيعون اكتشاف المصادر الجديدة للموارد، وفتح أسواق جديدة وفقاً للمفاهيم الحديثة للتسويق، وابتكار التقنيات والصناعات والمنتجات الحديثة، وهم القادرون على خلق فرص عمل جديدة من خلال المشاريع الريادية التي توظف أعداداً من الناس. كما أثبتت التجارب دور ريادة العمال في تحسين الوضع الاقتصادي للفرد، والتوظيف الذاتي لرواد الأعمال، و زيادة الدخل، وبالتالي زيادة النمو الاقتصادي.
#2#
التوجه نحو مفهوم رأس المال البشري
في ظل توجه الدول نحو تنمية اقتصاداتها على أسس تنافسية في البيئة العالمية المتفاعلة فإنه يجب على منظمات الأعمال أن تبحث عن المحددات والعناصر التنظيمية الضرورية لإدارة العمالة المعرفية ليس من باب جذب الكفاءات للبقاء في العمل ولكن من باب المحافظة عليها باعتبارها أحد عناصر الإنتاج ورأسمال بشريا يعتمد عليه في النجاح والاستمرار.
وتنظر المنشآت العاملة في الاقتصاد المعرفي إلى العاملين بمنظور مغاير لما هو مألوف في الاقتصاد التقليدي، حيث يصبح العاملون هم المنشأة ويمثلونها والناتج من مجهودهم هو المعرفة، وهذا خلافاً للمفهوم السائد في الاقتصاد التقليدي، والذي ينظر إلى العاملين كمجموعة من الأصول الثابتة.
أما في اقتصاد المعرفة فهم ''رأسمال بشري وفكري'' وينظر إلى الأفكار التي تصدر عن العاملين، وهم الذين يستثمرون وقتهم وجهدهم وطاقتهم وذكاءهم وتوظيفها لإنتاج الأفكار التي تحقق أهداف المنشأة والتي تمثل في النهاية المعرفة التي تنتجها المنشأة وبالتالي يصبحون هم رأس المال.
وقد ظهرت أهمية مصطلح رأس المال البشري كأحد عوامل الاقتصاد العامة في ستينيات القرن العشرين عندما نشر BECKER 1964 كتابه بعنوان ''رأس المال البشري'' ثم شاع استخدام هذا المصطلح في التسعينيات، حيث اعتبر بيتر دراكر DRUKER 1991 المعرفة رأس مال فكريا تمثلها نخبة من العاملين الذين لديهم قدرات تنظيمية ومعرفية لإنتاج الأفكار الجديدة وتطوير الأفكار القديمة ويتعلمون ويتبادلون فيما بينهم أفضل سلوكيات العمل التي تقود إلى إحداث التغيير والتحويل المطلوب في ممارسات منشآتهم من أجل تنظيم القدرة التنافسية للمنشآت.
أدى هذا التطور في مفهوم التنمية البشرية المرتبط بنظريات التنمية الاقتصادية إلى وجود نظرة جديدة للقوى العاملة، وبالتالي أصبحت التنمية البشرية عنصراً رئيساً وداعماً لاقتصاد المعرفة، وتوسع مفهوم التنمية البشرية ليشمل كفاءة سوق العمل، والرعاية الصحية، والتغذية والبنية الاجتماعية، والتقنيات الحديثة في مجال المعلومات والاتصالات والابتكار والبحث والتطوير بجانب المؤشرات السابقة المتمثلة في التعليم والتدريب.
#3#
المؤشرات العالمية
لقد سعت المملكة إلى أن تتبوأ موقعاً متقدماً في مجال رأس المال المعرفي الذي يعكسه التقدم في مؤشرات الاقتصاد المعرفي العالمية، وقد أظهرت مؤشرات عام 2009 التي نشرت خلال عام 2010 أن هناك فجوة تجعل المملكة تقع في المرتبة 68 عالمياً والسادسة عربياً، ويظهر من المعايير الموضحة في الجدول ضرورة الاهتمام بعدد من المؤشرات، مثل براءات الاختراع وزيادة الاستخدام للحاسب الآلي في المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وتحسين الأنظمة والإجراءات وجودتها، وغيرها من المؤشرات الضرورية لبناء المكونات الأساسية للمعرفة.
أهمية ريادة الأعمال في التنمية البشرية
تدرك الدول اليوم الأهمية البالغة للمنشآت الناشئة، فهي إحدى الركائز الأساسية للتنمية الاقتصادية، وأحد المنافذ لتوسيع القاعدة الاقتصادية وتنشيط الحركة التجارية، كما أنها أهم المحاضن لتوفير فرص العمل للمواطنين، إضافة إلى كونها تمثل رافداً أساسياً في زيادة الصادرات ونمو الناتج المحلي الإجمالي.
كما أثبتت التجارب دور ريادة الأعمال في تحسين الوضع الاقتصادي للفرد، والتوظيف الذاتي لرواد الأعمال، وزيادة الدخل وبالتالي زيادة النمو الاقتصادي.
فالولايات المتحدة اعتمدت خطة قصيرة الأمد في الفترة من 1992 إلى 1998 لحل مشكلة البطالة بالتركيز عل توفير ودعم المشروعات الصغيرة، (الصناعات الصغيرة والمتوسطة)، فكان من نتيجة ذلك توفير أكثر من 15 مليون فرصة عمل في تلك الفترة، مما خفف من حدة البطالة وآثارها السيئة، وأصبحت تلك المشاريع الصغيرة القائمة اليوم تستوعب أكثر من 70 في المائة من قوة العمل الأمريكية.
كما لجأت اليابان والصين وإيطاليا والبرازيل لمعالجة مشكلة البطالة إلى الحلول الابتكارية المعتمدة على ريادة الأعمال.
فتوجهت من منذ فترة ليست بالطويلة صوب المشروعات الفردية الصغيرة (1 ــ 5 أفراد) والمتوسطة (5 ـــ 50 فردا)، ذات المنتجات المطلوبة والبسيطة وغير المعقدة تكنولوجيا والتي لا تحتاج لرؤوس أموال كبيرة أو ضخمة ولا تحتاج لنظام إداري ومحاسبي كبير أو معقد، ويمكن تأسيسها برأسمال قليل مثل صناعات الملابس والأثاث والمنتجات الجلدية والسجاد والنجف وقطع الغيار وكاميرات التصوير البسيطة، والنظارات وأدوات التجميل ولعب الأطفال والعمل من المنزل.
وكان ذلك مدعوماً بحزمة من القوانين والحماية والتسهيلات، البنكية والإدارية والضريبية. وجراء ذلك شهد معدل البطالة انخفاضا ملحوظا في تلك الدول. فقد انخفضت البطالة في صفوف القوى العاملة في البرازيل منذ عام 2004، حيث كانت 12.3 في المائة، لتصل إلى 9.3 في المائة في عام 2008، ثم 8.1 في المائة في عام 2010. وفي المقابل فقد بلغ الناتج المحلي الإجمالي للبرازيل في عام 2010م 2.023 مليار دولار أمريكي، ليضع البرازيل في مرتبة تاسع أكبر اقتصاد في العالم، وفي المرتبة الأولى في أمريكا اللاتينية مع متوسط ناتج محلي للفرد يبلغ أكثر من 11220 دولارا في 2010م. وفي إيطاليا انخفضت نسبة البطالة من 11 في المائة عام 1999 إلى 6 في المائة عام 2008. وأصبح في إيطاليا أكثر من مليونين و300 ألف مشروع فردي صغير تلك الفترة.
ويمتد دور ريادة الأعمال ليشمل التصدي لظاهرة الفقر أيضا. فبحسب الإحصاءات المنشورة عن الفقر فقد ارتفع عدد الأسر شديدة الفقر إلى نحو 16 ضعفا خلال نحو عقد من الزمن، فقد كان 7.6 مليون أسرة عام 1997 ليصل إلى 190 مليون أسرة عام 2009.
وفي المقابل فقد أوضحت الإحصاءات لعام 2009 أن إقراض الأسر الفقيرة لإنشاء مشاريع متناهية الصغر قد ساهم بأن تحصل 128 مليون أسرة حول العالم على قرض لتبدأ عملا كريما يساعدها على الكسب من جهدها، ويتيح لها خلق وظائف لأفراد الأسرة.
وبحسب إحصاءات حملة القمة الدولية لإقراض المشاريع متناهية الصغر لعام 2011، فإن الحملة أتاحت لنحو 641 مليون فرد في العالم الاستفادة من تخطي خط الفقر. وكانت مجالات الإقراض لرواد الأعمال بسيطة ومركزة على إنشاء المشروعات الصغيرة أو متناهية الصغر، مثل إنشاء محال التجزئة الصغيرة لبيع المواد التمويلية البسيطة، أو بيع الملابس والأجهزة الكهربائية والهواتف النقالة ومستلزماتها، والحرف والمصنوعات اليدوية، والنقل والمواصلات. وصرحت سفيرة الولايات المتحدة في وزارة الخارجية لشؤون المرأة بأن ريادة الأعمال عبر الإقراض متناهي الصغر انتشلت ملايين السيدات من براثن الفقر، وأن أكثر من 81 في المائة من القروض الصغيرة كانت موجهة للنساء.
مشروعات دعم ريادة الأعمال
من المعلوم أن مفهوم الاقتصاد المعرفي Knowledge Based Economy، يعتمد إلى حد كبير في إدارة الموارد الاقتصادية وتشغيلها على المعرفة الفنية والإبداع والذكاء والمعلوماتية. إن متطلبات التحول نحو الاقتصاد المعرفي تقتضي تكييف التطور التقني والمعرفي العالمي مع الاحتياجات الوطنية، وتوفير الوظائف المرتبطة بتطبيقات الاقتصاد المعرفي، وإعداد الكوادر الوطنية اللازمة لقيادة هذا التحول في المستقبل، علاوة على ضرورة زيادة القدرة التنافسية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، لأهميتها في التحول.
يكتسب تطوير كفاءات الشباب في المملكة أهمية بالغة في ظل التحول إلى الاقتصاد المعرفي وتوفير الوظائف للمواطنين، خصوصاً أن نحو 50 في المائة من المواطنين السعوديين تحت سن الـ 18، كما يبلغ عدد الطلاب والطالبات في جميع مراحل التعليم قرابة خمسة ملايين نسمة.
ويعد توفير فرص العمل لهؤلاء السعوديين في المستقبل هدفا استراتيجياً يتطلب إيجاد قوى عاملة عالية الأداء من خلال تنمية المهارات التقنية والاجتماعية لدى الشباب.
كما يتطلب هذا التوجه دراسة الواقع السعودي لتحديد مجال القصور في الوظائف وتحديد نوعية الاختصاصات للمتخرجين الباحثين عن العمل. وكذلك وضع استراتيجية العمل بتأهيل الخريجين والتنسيق مع الوزارات المعنية كوزارة الصناعة لتدريبهم في مجالات اختصاصهم، وإعداد الخطط لاستيعابهم في مؤسسات الدولة وتشجيع وتحفيز الشركات الخاصة لتوظيفهم.
وقد اهتمت حكومة خادم الحرمين الشريفين بالشباب السعودي وأتاحت له عددا من الفرص للنجاح، فقد افتتحت أكثر من 30 جامعة، إضافة للكليات المتخصصة لتأهيل وتدريب الشباب السعودي وإكسابه القدرات والمهارات اللازمة التي تؤهله للدخول في المنافسة على فرص العمل. كما تتمتع البيئة السعودية بعدة مشاريع تصب في هذا الاتجاه وتدعمه منها:
- اهتمام المؤسسات التعليمية والتدريبية العليا ومراكز البحوث المتخصصة باقتصاد المعرفة وافتتاح أودية التقنية والحاضنات لرعاية ودعم الشباب السعودي، وتهيئته للدخول في الأعمال الخاصة، وضمان فرص النجاح فيها من خلال الدعم الفني المتواصل، والمساعدة في الحصول على الدعم المالي.
ـــــ وجود مؤسسات الإقراض المتخصصة والتي تساهم بشكل كبير في منح القروض للشباب لتمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة مثل صندوق التنمية الصناعية، والبنك السعودي للتسليف والادخار وصندوق تنمية الموارد البشرية، فقد قامت هذه الصناديق بتقديم عشرات الآلاف من القروض لدعم الشباب السعودي في إنشاء أعماله الخاصة.
- وجود عدد من الصناديق الداعمة مثل (صندوق المئوية، صندوق الأمير سلطان لدعم السيدات، والصندوق الخيري الاجتماعي)، والتي تقوم بالدعم الفني والمالي للشباب السعودي لإنشاء المنشآت الصغيرة والمتوسطة التي توفر فرصاً جيدة للشباب السعودي.
- التسهيلات الكبيرة في منح القروض وتخفيف القيود والضمانات على المشاريع الريادية المدعومة فنياً من قبل الحاضنات والجهات الراعية والداعمة.
- مساهمة الشركات الكبرى بدعم رواد الأعمال مثل معهد ريادة الوطني ومشروع داعم لشركة أرامكو وصندوق عبد اللطيف جميل (باب رزق جميل).
- مساهمة بعض رجال الأعمال وبعض المنشآت الأهلية في دعم الشباب السعودي المبادر فنياً، ومساعدته في إعداد دراسات الجدوى وتوفير المقر للمنشآت حتى تستطيع أن تبدأ أعمالها دون مصروفات إدارية قد يعجز الشباب عن توفيرها.
مقترحات لتعزيز دور ريادة الأعمال في التنمية البشرية
لا شك أن الجهود الوطنية لتعزيز التنمية البشرية في الوطن تتضمن أبعادا عديدة وجوانب مختلفة، ومن تلك الأبعاد المتوافقة مع الاستراتيجية الشاملة تبني ريادة الأعمال. وقد تم تقسيم هذه المقترحات إلى مراحل استراتيجية :
أ) على المدى القصير:
ـــــ الاستمرار في التوسع في التعليم والتدريب المتخصص والقائم على الابتكار والإبداع لتحقيق الجودة النوعية للتعليم من المخرجات.
ـــــ الاستمرار في إنشاء حدائق التقنية ودعم القائم منها مادياً وفنياً حتى تستطيع أن تساهم في تحضير البنية التحتية للمعرفة والتقنية.
- دعم الحاضنات القائمة أو توسيع طاقاتها الاستيعابية حتى يمكن أن تستقطب أكبر عدد ممكن من المبادرين وتقدم لهم الدعم المطلوب.
ب) على المدى المتوسط:
- إنشاء صندوق رأس المال الجريء أو إنشاء صناديق استثمار متخصصة في تقديم القروض المتوسطة والطويلة الأجل للمشاريع الريادية ذات التكلفة العالية والتقنية المتقدمة.
- استكشاف الفرص الاستثمارية المتاحة في المدن الاقتصادية ودراسة إمكانية استغلالها من الشباب السعودي، وبالتالي توفير المزيد من فرص العمل.
ج) على المدى الطويل:
ـــــ تنفيذ حملة وطنية لنشر فكر ريادة الأعمال، والتعريف بالمزايا التي تقدمها المشاريع الريادية.
- التعريف بمشاريع ريادة الأعمال حتى يمكن تشجيع الشباب السعودي على الإقدام على المبادرات.
- إعداد سياسة وطنية ذات أهداف محددة مرتبطة بالخطط والسياسات القائمة تعمل على زيادة أعداد المشاريع الريادية وتوفير الإمكانات اللازمة لدراستها ثم تمويلها.
* توسيع مساهمة القطاع الخاص وذلك بالشراكة مع القطاع العام لقيام المؤسسات الراعية لرواد الأعمال.