حول «خدمة المجتمع» واللجان العمالية
الخدمة الاجتماعية علمٌ وفنٌ وأحاسيس، بيد أنه كعلم، بفروعه الثلاثة: خدمة الفرد وخدمة الجماعة وتنظيم المجتمع في المؤسسات الاجتماعية، يدخل ضمن العلوم الاجتماعية، ويعتمد عليها في تحكيم الحقائق والوقائع والقواعد الثابتة والمتغيرة في المجتمع، ويظهر كفن في تغليب الجانب الذاتي الإبداعي في تطبيق قواعد هذه الخدمة على أرض الواقع، وكأحاسيس، وهي المشاعر التي تعتري القائمين على خدمة المجتمع.
تبلورت "خدمة المجتمع" مع استقرار الجماعات وانتهاء عصر الترحال، حيث تبدلت تطلعات الإنسان من الأنانية الفردية إلى الدوافع الغيرية، لتصبح أداةً للتنمية الاجتماعية، مرتكزة على تمكين الأفراد من استغلال طاقاتهم وقدراتهم ومواهبهم كجماعات.
ولا يجوز حصر "خدمة المجتمع" في مجال واحد، إذ تتوزع على سائر مستويات الحياة في المجتمع، من اقتصادية واجتماعية ونفسية، تربوية وأسرية ورياضية وطبية وأمنية، كما تشمل كبار السن، وذوي الاحتياجات الخاصة والأحداث المنحرفين، وسائر الجزئيات التي تدخل ضمن هذه العناوين العريضة.. وغيرها.
وفي العصر الحالي تساهم "خدمة المجتمع" في التخفيف من سلبيات المتغيرات الطارئة أو المستديمة، وما ينتج عنها من مشكلات اجتماعية، كالتقلبات السياسية والاقتصادية الإقليمية والدولية، وتزايد عدد السكان وآثار الحروب، وكذلك الأمية، وسؤ التنظيم والتوزيع، وغياب الاستراتيجيات المنهجية، التي تساهم في خلق الكثير من التجاذبات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فتقوم "خدمة المجتمع"، كأداة، بمحاولة الحد من سلبيات هذه التجاذبات والمساهمة في توجيهها توجهاً إيجابياً، فتسهم في الإصلاح الاجتماعي بشكل عام.
ليطرح السؤال نفسه هنا: أين "خدمة المجتمع العمالي" في المجتمع؟ خاصة أن الاهتمام بالمجتمع العمالي، يوازي الاهتمام برأس المال المستثمر في الشركات الخاصة والمؤسسات العامة، ويسهم مساهمة مباشرة في تنمية وتطوير المجتمع ككل واستقراره.
فإذا كانت "خدمة المجتمع" تتوجه إلى فئات معينة من المجتمع، فإن لفئة العمال أهمية موازية، باعتبار العنصر البشري من أهم مقومات النجاح في بيئات العمل الحديثة، خاصة بعد التغيرات المتسارعة التي طرأت على الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، في الداخل والخارج. من هنا كان اهتمام الحكومات بمساندة المجتمع المدني من خلال تشكيل لجان عمالية تقدم التوصيات المؤدية إلى تطوير العمال وزيادة الإنتاجية، والمحافظة على حقوقهم، من خلال تحفيز المهارات وتنمية القدرات.. فتطوير شخصية العامل، وحل مشاكله وإحقاق حقوقه، وفسح المجال أمامه لإبداء رأيه واقتراحاته، سيؤدي إلى تحقيق البنود الخمسة التي تضمنتها "قواعد تشكيل اللجان العمالية" الصادر عن وزارة العمل في السعودية، للوصول إلى تحقيق الهدف المشترك بين الشركاء الثلاثة: الحكومات وأصحاب العمل والعمال، وهو: دفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للبلاد، من خلال تحقيق استقرار علاقات العمل بين العمال وأصحاب العمل، لتصبح اللجان العمالية مكملة وداعمة لخدمة المجتمع، خاصة أن الفريقين يتوجهان في نهاية الأمر نحو هدفٍ واحد، وهو خدمة المجتمع ككل، بما هو ذاته أساس لوجود الدول وأساس لثروات الشركات المادية والمعنوية. ولن تكتمل هذه الخدمة بشقيها: المجتمع ككل، والمجتمع العمالي كجزء، إلا بعد الاقتناع بضرورة تنمية المؤسسات الاجتماعية والنفسية والتربوية والإنتروبولوجية والاقتصادية، وكذلك مؤسسات الإحصاءات وعلم السكان والعلوم الجنائية، وبخاصة المؤسسات التنموية الاستراتيجية، حتى تغلب النزعة الخيرية لـ"الخدمة الاجتماعية" على النزعة الإعلانية وشوائبها المؤثرة في مسيرتها في العالم العربي والإسلامي.