هل ستتحول أزمة السكن إلى افتراش بين الاستراتيجية والتكتيك؟

لا يزال البعض من تجار العقار وعدد من الاقتصاديين، أو بالتحديد بعض الكتاب ومحللي هذا الشأن يفسر والبعض يجتهد في تفسير مشروع نصف المليون وحدة سكنية والمبالغ المخصصة 250 مليارا على أنه مبلغ تم ضخه في السوق لإنعاش سوق العقار (هذا المصطلح الذي يعني سحب السيولة القليلة الباقية من المواطن)، ولكي يستفيد منه المواطن على وجه العموم، وملاك شركات المقاولات وشركات التطوير العقاري وتجار العقار (وغالبيتها شركات أهلية خاصة محدودة الشركاء) على وجه الخصوص كأي مواطن. وإنها مصدر دعم كبير لتجار مواد البناء (فيزيد الغني غنى والفقير فقرا). وهي ليست كذلك ويُنظرون ويفكرون في طرق الاستفادة من هذه المبالغ الكبيرة لفئة محدودة العدد والعدة من الأثرياء وعلية القوم (قد لا يتجاوز عددها الـ50)، ولو فرضنا معدل نصيب كل فرد من هؤلاء السعداء مقابل خدماتهم العظيمة 500 ريال من كل وحدة سكنية فتكون حصة هذه الفئة 0.05 في المائة من مبلغ المشروع ما مجموعه 12.5 مليار. لقد تناسوا أو لعلهم نسوا أنها أتت مباشرةً للمواطن الذي يعاني الأمرّين من السكن وبتوجيهات شخصية كريمة من خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - مباشرة وموجهة توجيها دقيقا، ومُبررة تبريرا لا يُشكُ فيه أنها:
أولا: حل سريع وعاجل جدا (الحل التكتيكي) لإيجاد سكن يحفظ للمواطن كرامته، وهذا معناه توفير سكن للمواطن بأسرع الطرق الممكنة، وليس وبعد 1080 يوما ما يساوي ثلاث سنوات لنخرج عن صمتنا ونعلن أننا سنوفر له 1236 وحدة سكنية وفي مواقع بعيدة عن الأزمة الفعلية والغلاء الفاحش. ومعلوم أن مثل هذه الإعلانات ستكون متتابعة، ولو سلمنا جدلا بهذا النمط وهذا المنوال وأنه سيتم الإعلان عن ألف وحدة سكنية أسبوعيا (دون أي اعتبار للإعدادات والترتيبات السابقة تحت مسمى هيئة الإسكان قبل تحولها بالكامل، وكما هي إلى وزارة للإسكان)، فإننا نحتاج إلى 500 أسبوع أو 3500 يوما حتى يتم الانتهاء من الإعلانات يعني 13 سنة حتى يتم الانتهاء من بناء نصف مليون وحدة سكنية، ولا أظنهم على هذه الوتيرة قادرين.
ثانيا: تكون هذه البداية لوضع الحل الشامل لأزمة الإسكان (الحل الاستراتيجي) ورفع المعاناة عن المواطن.
ولذلك فإن النظرة العامة لحل أزمة الإسكان هي بمثابة إدخال أزمة الإسكان إلى غرفة الإنعاش السريع وإيجاد الحل السريع والمباشر.. الحل التكتيكي. ولم يكن هذا الرصد وهذا الاعتماد لهذه المبالغ بميزانية الدولة لوضع الاستراتيجيات أو لعمل الدراسات والخطط ودراسة التأثيرات الاجتماعية والمناخية والنواحي السلبية لتوفير هذه الوحدات. ولو سلمنا جدلا بذلك فإن الجامعات وكليات الهندسة وخبراء الاقتصاد والاجتماع لديهم من الإمكانات (وليست الشركات الأجنبية التي تجهل الكثير عن الأنماط السلوكية لمجتمعاتنا وخصوصية المجتمع السعودي الذي نتجاهله وقت ما نريد ونستخدمه بقوة أوقات أخرى)، ما يُُمكنهم لوضع التصور العام والخروج بتصور عن السلبيات والمحاذر (إن وجدت) والتي على ما يبدو أن وزارة الإسكان تجعله أساسات وقواعد وأعمدة وخزان القلق الذي تقوم الوزارة ببنائه تسليم مفتاح سدا منيعا وعائقا لا مبرر له. والمثير للدهشة أن الوزارة تستعين بخبراء وشركات أجنبية لتقديم حلولها فيما لا يُختلف في محدودية علم وخلفية هذه الشركات به (الاستشارات الاجتماعية غير الفنية....)، ونطلب من شركات المقاولات الوطنية بمحدودية خبرتها وضعف إمكاناتها نطلب منها تنفيذ هذه المساكن، فلم نسمع أو نعلم أن هناك شركة وطنية واحدة قامت ببناء وتنفيذ ما مجموعه خمسة آلاف وحدة سكنية في خلال 830 يوما، أي 24 شهرا أو سنتين، والدليل أمام أعيننا عقد الوزارة 1080 يوما، أي ثلاث سنوات لبناء عدد 1236 وحدة سكنية.
هناك شركات في دول العالم تستطيع بناء فنادق مكونة من 15 طابقا في مدة 90 يوما، عفوا 90 ساعة، يعني أقل من أربعة أيام، نعم أقل من أربعة أيام وشركة أخرى تبني فندقا من 30 دورا في 15 يوما. ونحن نقضي سبعة أشهر لنضع مسودة لاستراتيجية يناقشها الخبراء بعد ذلك، هل الأمر يحتمل كل هذا؟
إن بناء 100 ألف وحدة سكنية خلال الفترة السابقة (السنة الماضية أو حتى نهاية هذا العام 2012 لم يكن ليؤدي بأي حال من الأحوال إلى تدهور الخدمات أو الكثافة المرورية، فلا يمكن أن تصبح أسوأ مما هي عليه الآن. ولم يكن ليُحدث خللا في البنية السكانية أو التركيبة الاجتماعية (فلا توجد عندنا- ولله الحمد- هذه التفرقة بين فئات المجتمع، فتجد السكن الخيري في أرقى وأغنى حي)، خاصة أن هذا العدد من الوحدات سيوزع على 20 مدينة على الأقل بمتوسط خمسة آلاف وحدة لكل مدينة وعلى مساحة مقدارها كيلو متر واحد لكل مجمع سكني (وحسب معايير الوزارة والتي لم تلتزم بها فيما تعرضه حاليا)، ولن يكون لفئة أو طبقة معينة، فأزمة السكن طالت الجميع. الفقراء من يرعاهم الضمان الاجتماعي (خمسة ملايين مواطن يعتبرون محتاجين ويستفيدون من مساعدات الضمان)، ويعاني كذلك المواطن الذي دخله 12 ألف ريال نفس معاناة الذي دخله ثلاثة آلاف ريال على حد سواء، فالأول ينفق أكثر من ثلث راتبه للسكن والثاني ينفق أكثر من نصف راتبه للسكن. وكذلك الخدمات أو الكثافة فلن تكون أسوأ مما هي عليه الآن.
الخلاصة:
إن الربط أو مجرد التفكير أن هناك علاقة تكافؤ مباشرة بين مشروع النصف مليون أو 500 ألف وحدة والاستراتيجية العامة لحل أزمة الإسكان يعتبر من الأسباب التي ستؤدي في نهاية المطاف إلى أن يُفقد المعنى والهدف من العلاج السريع لأزمة السكن (التكتيك الذي أمر به خادم الحرمين الشريفين). والتعليل يفهمه كل من لديه خبرة في هذا المجال؛ فشتان بين التكتيك والاستراتيجية، وبالإمكان في بعض الظروف استخدام التكتيك لخدمة الاستراتيجية، وليس العكس في حالة عدم وجود استراتيجية واضحة المعالم بدايةً. وهنا يتضح هذا جليا في مشروع الإسكان فمشروع النصف مليون وحدة سكنية هو عملية تكتيكية سريعة وقتية فورية (وليست 1080 يوما أو ثلاث سنوات) وتسهم وتساعد مستقبلا لحل الأزمة ويستفاد منها في وضع الاستراتيجية، ولا يمكن بحال من الأحوال تأجيلها حتى نضع الاستراتيجية التي تتطلب بناء 200 ألف وحدة سكنية سنويا. فلتكن دراسة أفضل السبل لتوفير هذه الوحدات السكنية وتوزيعها الجغرافي منفصلا عن الأزمة التي في غرفة الإنعاش، أما الانتظار والانتظار فقد يحول أزمة الإسكان إلى مشكلة افتراش لا يتمنى أحد حدوثه، فبعد 1080 يوما أو ثلاث سنوات نحن نتكلم عن أربع دفعات دراسية ما لا يقل عن 500 ألف من الخريجين ومن العائدين من الخارج وبعضهم بعائلته وفي حاجة إلى سكن، وكذلك كل خريج وكل منتظر بقائمة البنك العقاري. الأمر ليس نظرة تفاؤل أو غيرها إنما عملية حسابية بسيطة 1080 يوما تساوي ثلاث سنوات بالكمال والتمام، وهي نتيجة سلبية بكل المقاييس بعد أربع سنوات منها سنة دراسة وإعداد (عدا سنوات خبرة هيئة الإسكان والتي انتقلت معها إلى الوزارة الجديدة)، وثلاث سنوات بناء نخرج بـ1300 أو بالتحديد 1236 وحدة على الأرض، طبعا بنظرة تفاؤلية 100 في المائة دون أي تعثر، وبصرف النظر عن الإجازات والعطلات الرسمية في مدة العقد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي