تنويع مصادر الدخل ودور الثلاثة الكبار

''تنويع مصادر الدخل'' مفردة براقة جميلة طالما سمعناها ورددناها وأقمنا من أجلها المؤتمرات، وكتبنا الأبحاث، وشغلنا الإعلام والمتخصصين والرأي العام، وربما كانت هي الرهان الأساسي لكل شخصية تتسلم منصباً يقود بشكل أو بآخر مرفقاً اقتصادياً حكومياً، وكان أكثرهم إقناعا من يبهج قلوبنا وعقولنا بها، ويوصلنا ــــ بقوة حججه لا عمله ــــ إلى قناعة أن زمن الاعتماد على النفط الذي يشكل 85 في المائة من مصادر الدخل قد انتهى إلى غير رجعة، وأن باب الاستثمار مفتوح، وطريقه معبد بالورود، ثم نعود من حيث بدأنا، ويبقى النفط في صدارة الإنفاق حتى تأتي شخصية أخرى لتسلم ذلك المنصب، وتعيد علينا الأسطوانة الممجوجة نفسها!
يعلم الجميع أن الاعتماد على النفط كمصدر أساس للدخل ما زال يشكل 85 في المائة، وأن الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد GDP-Per Capita يشكل 24 ألف دولار في السنة، أي الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد من النفط يقدر بـ 20.400 دولار أمريكي عند متوسط سعر البرميل 90 دولاراً، لكن هل نعرف قيمة الناتج الإجمالي للفرد لو انخفض سعر النفط إلى 40 دولاراً، كما كانت عليه الحال في نهاية عام 1999 إلى 2000؟
وفي خضم هذه الأخطار، نأخذ حزمة أسئلتنا لنضعها على طاولة الثلاثة الكبار، شركة أرامكو السعودية، سابك، وشركة الكهرباء، ونبدأ بالأخت الكبرى أرامكو التي احتفلت قبل أكثر من خمس سنوات تقريباً على مرور 75 سنة على انطلاقتها، وهي الشركة الوطنية العملاقة التي كانت ولا تزال مصدر فخر للجميع، لكن هذا لا يمنع من أن نتساءل، أنه وخلال 80 سنة مضت من عمرها، كم مصنعا أسهمت في تأسيسه بشكل فردي أو حتى جماعي مع كثير من رجال الأعمال الذين يتوقون إلى ذلك ــــ لا أقصد بالتأسيس أو المساهمة المالية ولكن تشجيع وتذليل العقبات ــــ؟، الجواب....؟.
طرحت ''أرامكو'' قبل نحو سبع سنوات الفرص الاستثمارية أو احتياجاتها من خدمات أو صناعات معينة مثل: صناعة الصمامات Valves، وحسب الدراسة التي نشرتها ''أرامكو'' آنذاك، والتي تقضي أنها ستنفق نحو 5.8 مليار دولار خلال الفترة من 2007 إلى 2012 على هذا المنتج فقط، نفترض الآن أنه مضى على هذا المشروع أربع سنوات، فكم كانت حصة المصنع الوطني من هذه النفقات؟ ربما يرد المسؤول ويقول: لا يوجد مصنع وطني يستطيع تقديم هذا المنتج بالجودة التي نريد؟ وهذا من حقه، لكن من حقنا أيضا أن نوجه له السؤال ذاته: وماذا قدمتم أنتم لتشجيع المصنع الوطني؟ وانتظر جوابه..!
من خلال القصص الكثيرة التي تدور في أوساط المستثمرين ـــ لا سيما الراغبين في تحريك هذا القطاع ــــ نجد أنهم يذوقون الأمرين من التعقيدات التي تمر بهم، فالمصنع، أو المستثمر الوطني، يطالب ''أرامكو'' أن تقدم له نوعية المواصفات التي تريدها للحصول على موافقتها بأنه مصنع معتمد، إذ ليس من المنطقي أن يقوم المستثمر بإنفاق الملايين أو المليارات لينتظر موافقة ''أرامكو'' على مشروعه بعد إنجازه ــــ هذا إن اقتنعت به من الأساس ـــ أولا، وثانياً: لماذا لا تلتزم ''أرامكو السعودية'' بحصة معينة للمصنع الوطني كما هو معمول به في جميع دول العالم، وأكبر مثال على ذلك التزام الحكومة الأمريكية بشراء السيارات من المصنع الأمريكي؟.
قد يقول القارئ: أنت تدعم التجار بهذا الكلام، أنا أقول: لا، ليس هذا فقط، دعونا نفكر معا، إذا أنشئت لدينا شركات كبيرة، كم شابا وشابة من أبناء البلد يمكن أن يأخذوا مواقعهم فيها؟ وماذا لو أخذت ''أرامكو'' على عاتقها، أنها لا تتعاقد في عقود الشراء المسبقة إلا مع الشركات المدرجة في سوق الأسهم أو على الشركات الجديدة أن تدرج في سوق الأسهم خلال سنتين من تأسيسها بهذه المبادرة البسيطة؟ إنها ببساطة ستنعش الاقتصاد من جميع النواحي، ويكون لها هدف يتمثل في أنه خلال كل سنتين، نريد أن نرى شركتين صناعيتين في هذا المجال يمكنها أن تقدم خدمات البترول، وبهذا سنحل أزمة البطالة، وندعم مقتضيات السعودة، والكلام كذلك ينطبق على سابك وشركة الكهرباء، إذ من دون تعاون هذه الشركات مع القطاع الخاص، وتقديم اتفاقيات شراء مسبقة، واشتراط نسبة توطين الوظائف فلن يكون بمقدورنا الوصول إلى شيء.
نحن لا ندعي أن الساحة تخلو من حراك يعيد الأمور إلى نصابها، فهناك تجارب مشرقة مثل تجارب هيئة الاستثمار التي قامت بأعمال تشكر عليها، لكن الطموح أكبر بكثير، نريد اليوم من هيئة الاستثمار ألا تفكر بمنظور ربحي، ولكن تفكر بكمية ما أضافت للاقتصاد الوطني، ومن أهم العوامل التي تنفع الاقتصاد الوطني هي تصدير المنتجات غير النفطية، وتقليل الاعتماد على الإنتاج النفطي، نريد من هيئة الاستثمار أن ''تخلق'' شركات عملاقة في الصناعة، وتقدم لهم الأراضي بالمجان مقابل توظيف شباب الوطن، وتقدم لهم إعفاءات ضريبية لفترة من الزمن، لماذا لا تقوم هيئة الاستثمار بتطبيق التجربة اليابانية عندما استقطبت الشركات الأمريكية إلى اليابان؟ نريد أن يكون هدف هيئة الاستثمار أن تشجع الشركات الأجنبية على فتح خطوط إنتاج لها في المملكة، وليس مكاتب تمثيل المملكة، وأن توفر بها ميزات تشجع على الاستثمار.
فلتكن إذن ثقتنا بمن ذكرنا بمكانها، ونحن بانتظار ما يمكن تحقيقه من طموحات وأهداف، أعلاها أن تكون المملكة في مقدمة الدول المتطورة اقتصادياً، وأن يتوج ذلك ولا بد، بخبرة وسواعد أبنائها الأصلاء البررة، متمنين ألا يطول الانتظار 80 سنة أخرى، أو أكثر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي