المخ الغبي !!
ليعذرني القارئ الكريم على استخدام كلمة غبي, ولكني سمعتها تقال في أكثر من مقام, وهي تطل علينا بين الفينة والأخرى في بعض أحاديثنا. وتلكم الكلمة بشعة خصوصا إذا قيلت لبراعمنا اليافعين من الأبناء أو التلاميذ, وحتى الكبار قد لا يسلموا منها أحيانا.
ولكني لا أومن بها, بل على العكس من ذلك بدأت أكفر بهذه الكلمة المهينة بعد أن علمت أن عدد خلايا المخ 120 ألف مليون خلية !, وأن نقاط التشابك العصبي بينها يصل 1.1 مليون المليون ( تريليون), ولو أردنا أن نعد الخلايا باليد عدا فإننا سنحتاج تقريبا إلى خمسة آلاف
سنة,فسبحان الخالق الوهاب.
في الستينات الميلادية من القرن الماضي كان العلماء يعتقدون أننا نستخدم 20 % من عقولنا, وهم الآن يقولون في أحدث الدراسات أننا نستخدم فقط 10 % من هذا المخزون الهائل من خلايا التفكير. وقد يزعمون مستقبلا أننا نستخدم 1% فقط من قدراتنا العقلية , وهذا هو سر جمال الإبداع في خلقنا , فمهما اعتقدنا أننا وصلنا إلى قمة العلم والتقنية , يأتينا الرد سريعا فيلجمنا , ويكبح غرورنا نحن البشر بقوله سبحانه تعالى (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً).
هذا المخ الذي وهبه الله لنا هو عجيب من العجائب العديدة الموجودة في أجسادنا, إن المخ في حالة اللاوعي يملك القدرة على استقبال أكثر من مليوني معلومة في الثانية الواحدة .والمعلومات تُعالج بسرعة تتراوح ما بين نصف متر في الثانية إلى 120 متر في الثانية ( 430 كم \ الساعة) .
وعدد الأفكار التي تمر على مخ الإنسان في اليوم والليلة تُقدر بسبعين ألف فكرة. ومع ذلك كله فإن وزن الدماغ لا يتجاور 1,4 كيلو غرام , ويمثل الماء 75 % منه. وهو أيضا يستطيع أن يضيء لمبة بطاقة 25 وات.
والدارسات كثيرة ومستمرة, والحقائق والأرقام مبهرة, وهي تدل على قوة هذا العقل وعظمة خالقه, ولكن علينا أن نتوقف لحظة وننظر كيف نتعامل معه , وكيف نُحجم عقول الصغار قبل الكبار.
ولازلت أذكر منذ زمن ليس بالبعيد أني رأيت طفلة صغيرة لم تتجاوز الرابعة من عمر الزهور تحمل لعبة معها. وقد كانت تحاول أن تقوم بتركيب أجزاء من هذه اللعبة بيديها الصغيرتين فسألتني أن أساعدها ,فقلت لها :لم لا تحاولين مرة أخرى ,فقالت لي ببراءة الطفولة العذبة وبعفوية اللاوعي :لأني غبية !. فكم آلمتني وصدعت قلبي تلك الكلمة , فمن زرع تلك البذرة المشؤمة في عقلها البريء ؟ .
ومن القصص التي ذكرت في هذا السياق, أن مريبا دخل فصل لطلاب التمهيدي, ثم قال لهم: من فيكم غبي ؟! , فرفع أربعة طلاب أيديهم ! , ولم يكتفوا بذلك بل أشاروا على طالب لم يرفع يده معهم استحيا , فقالوا: هذا أيضا غبي مثلنا !.
من هو المسئول عن غرس تلك الأفكار في عقولهم البريئة الحالمة ؟ , لقد أصبحت بالنسبة لهم حقيقة مطلقة لا يعتريها الشك .أهكذا تُزرع الأفكار في بيئة عقل أرضها خصبة؟ , إذا لنحصد تقزيما وتثبيطا للنفوس تنمو وتشيبُ وهي معهم.
وبعد أن عرفت تلك الحقائق عن المخ , فهل مازالت أخي القارئ أو الأب أو المدرس أو المربي تعتقد أن عقل الطفل أو التلميذ يكون غبيا !.