أمام أنظار هيئة الاستثمار الموقرة

''أرامكو''.. اسم طرق جميع الأسماع في المملكة، وانطلق صداه خارج الحدود حتى انعكس بعداً إقليمياً ودولياً لافتاً، ولم يكن هذا من فراغ، فإن ''أرامكو'' ليست مجرد شركة تستثمر في اختصاصها المعروف، إنما هي شركة تستثمر في العقول كذلك، فموظفوها يحصلون على أعلى مستويات التدريب، والكثير منهم ارتقى مناصب رفيعة في المملكة، حتى استحقت لقب جامعة عريقة، بل أطلقت أجراسها للتنبيه الفعلي أمام الشركات الأخرى ولسان الحال يقول: متى تقوم الشركات بأدوار المسؤولية الاجتماعية؟ ومتى يرتقي التجار من الاستثمار بالفلوس إلى الاستثمار بالنفوس؟
ولأن الاستثمار والنجاح فيه هاجس الجميع، ونموه يعكس رقي ورفعة البلدان، ويرتبها على جدول الحضارة، فقد سمعنا وقرأنا عن تعيين محافظ جديد لهيئة الاستثمار قادم من تلك الجامعة المتوجة ''أرامكو'' السعودية أكبر شركة بترول في العالم، ومع بداية انطلاقة هيئة الاستثمار كانت هناك مشاريع وأهداف كبيرة، أنجز الكثير منها وتعثر آخر لسبب أو آخر، ومن هنا أستسمح رئيس الهيئة أن تكون هذه رسالة مفتوحة أوجهها له، وأشاركه فيها أحلام وطموح الملايين من أبناء هذا الوطن الذين يطمحون ويسعون، لتكون المملكة في المركز الأول في شتى المجالات.
فما نريده من هيئة الاستثمار أن يكون من أهدافها فتح فرص وظيفية للشباب السعودي من الجنسين، بشرط أن تكون وظائف ذات مستقبل وظيفي، بمعنى ألا يتم توظيف السعودي في هذه الشركات بوظيفة حارس أمن أو وظيفة معقب، وبرواتب لا تتجاوز في أفضل الأحوال أربعة آلاف ريال، ومن أجل تحقيق ذلك، نقترح على رئيس الهيئة الاشتراط على كل شركة تستثمر في السعودية - خلال عشر سنوات من استثمارها- أن تكون وظفت نحو عشرة موظفين في مناصب إشرافية أو عليا، وبرواتب لا تقل عن عشرة آلاف ريال (مع تحفظي على رقم عشرة آلاف ريال، إذ أجد أنه يستحق عشرة آلاف دولار)، وإذا كانت الشركات تقول: لا يوجد سعوديون مؤهلون لهذه الوظائف، يجب عليها حينئذ أن تقوم بعمل برامج تدريبية مدتها سنة أو سنتان على حسب الحاجة تؤهل فيها الشباب السعودي لهذه المناصب، وليس هذا بالعسير عليها، وبهذه الحال يكون الاستثمار ناجحاً للطرفين، حيث انتفعت الشركات من الاستثمار في المملكة وانتفعت المملكة من نقل الخبرات إلى أبنائها.
مقترح ثانٍ، أتمنى أن يكون لهيئة الاستثمار برنامج عمل آخر، وهذا لن يكلف الهيئة أي مبلغ سوى شيء من التنسيق، فلدينا اليوم الآلاف من المبتعثين خارج المملكة بمختلف التخصصات، لماذا لا يكون هناك تنسيق بين هيئة التعليم العالي وهيئة الاستثمار لتوضيح الحاجة الحقيقية للشركات القادمة للمملكة حتى يقوم الطلاب بدراسة هذه التخصصات المطلوبة، ويتموا فترة تدريبهم في هذه الشركات، وبذلك كسبنا جدوى الدراسة، ونقلنا الخبرات، ودعمنا السوق بما يحتاج إليه، واستفدنا من المبالغ الضخمة التي تصرفها الحكومة في الابتعاث.
مقترح ثالث، نتمنى على الهيئة ألا ترخص لشركات لا تنقل التقنية للمملكة، بمعنى آخر، لا نريد ترخيصاً لمصنع حديد وهو ليس سوى ورشة حدادة، أو مصنع ملابس وهو مجرد خياط عباءة نسائية، نريد مصنع معدات طبية، مصنع سيارات، مصانع تقنيات متقدمة، وكذلك ما يخص مجال الخدمات، السوق ما زالت محتاجة إلى مكاتب محاماة عالمية، وخدمات مالية عالمية، وكذلك دراسات وأبحاث حتى نستطيع رفع الكفاءة بهذا القطاع والمنافسة ونقل الخبرات، ولا يعني كلامي غلق الباب أمام أرزاق الناس قدر ما يعني حاجتنا إلى خبرات جديدة.
محافظ هيئة الاستثمار، أرجو أن يكون التميز والرقي في عمل الهيئة التي يعول عليها شباب المملكة أكبر من مجرد ارتفاع أرقام المستثمرين والشركات بقدر ما هو رفع لإعداد توظيف السعوديين أيضاً، وأن تكون هذه الشركات مدرجة في سوق المال السعودية، أو لها خطة واضحة في الأدراج، فهذا سيضيف الكثير لسوق المال وللاقتصاد الوطني، ونحن نعلم أنها شركات جادة تبحث عن استثمار طويل الأجل ولا تكون شركات تريد أن تجني ثمار المملكة وتغادر ومعها خيرات هذا البلد المعطاء، كما نرجو تذليل العراقيل والعقبات أمام المصنعين، وأن تكون للهيئة نشرة سنوية فيها أرقام مدققة عن صناعات استراتيجية للبلد، لأن الصناعة تستطيع أن تستوعب أعدادا كبيرة من أبناء الوطن، وتمنح قيمة مضافة للاقتصاد الوطني.
إن المملكة لا تحتاج إلى جلب أي استثمارات، بمعنى مجرد جلب مبالغ مالية، فخيرها كثير وفير، لكنها تحتاج إلى جلب شركات تنقل التقنية وشركات تفتح سبل الصناعة في المملكة وتوسع قاعدة الاستثمار الوطني، وهذا الحلم مؤكد أنه هاجسكم، كما هو هاجسنا، وأن تحقيقه سريعاً يحتاج إلى جهود مضنية لا مجرد أمنيات عابرة، أو كلمات في مقال، لذلك، هذه يدنا نمدها لخدمة أي مشروع - من موقعنا - طالما كان الهدف الأسمى رفعة وتطور وازدهار مملكة العطاء والخير، مملكتنا العربية السعودية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي