نجاح الرهن العقاري مرتبط بوجود هيئة للتثمين
صدور نظام الرهن العقاري في 13 شعبان هذا العام يعتبر نقلة اقتصادية، وفي ثناياه نظام بيع الرهن، أو ما يسمى السوق الثانوية للرهن، وهي سوق جديدة معروفة عالميا، لكن لم نعرفها من قبل. فالرهن العقاري كان موجودا، لكن لنخبة معينة، ولم يكن قانونيا، حيث لم يكن في استطاعة الراهن بيع الرهن شرعا، والآن أصبح نظاميا وقانونيا يمكّن الراهن من بيع الرهن فيما إذا أخفق من قام برهن منزله في التسديد. وهو حدث كبير سيكون له تأثيره في سوق العقار في المملكة وسيساعد على عودة رؤوس الأموال المهاجرة، بل سيساعد على جذب استثمارات خارجية. كما سيسهم في ظهور شركات للتمويل وإعادة بيع الرهن، هذا إذا أخدنا في الاعتبار توجه الدولة لتوفير البيئة القانونية والمناخ الاستثماري الذي يحفظ حقوق الجميع. لكن هذا النظام لن يكتب له النجاح إذا لم يتم تنظيم عملية التثمين والتقييم العقاري، التي ما زالت تمارس بطريقة غير مهنية ومن جهات غير مؤهلة أو مرخصة. وسبق إصدار النظام قرار يقضي بتأسيس هيئة منظمة ورقابية لتأهيل مهنة التثمين والتقييم العقاري. لكنه لم يتضمن التوعية وضرورة وضع أسس لتأهيل المثمن وفق برامج موثقة.
لقد كانت مشكلة الرهن العقاري في الولايات المتحدة، التي هزت الاقتصاد الأمريكي ثم العالمي. وكان سببها مشكلة عدم التأكد من الوثائق، وأهمها وثيقة تثمين العقار، حيث كانت العقارات تثمن بطريقة مضخمة أكثر من اللازم وبذلك يفاجأ الراهن بأن سعر العقار المرهون لا يعادل نصف قيمته في السوق، وبذلك حصلت خسائر كبيرة للمؤسسات المالية. ما يحتم النظر في أن التثمين العقاري يعتبر من أهم الأساسيات لنظام الرهن العقاري ولإتمام صفقة الرهن وتحديد قيمة الرهن، فهو الأداة التي تعتمد عليها المؤسسات الاقتصادية في معظم دول العالم لمعرفة القيمة الفعلية والوقتية (Present Value) لكثير من المنتجات العقارية. وهو عادة يكون تحت إشراف جهة إشرافية ورقابية ممثلة في أعضاء من الدولة أو المؤسسات المدنية الرسمية والقطاع الخاص. مثل (USPAP) هيئة ممارسي مهنة التقييم في الولايات المتحدة. ولها أساسياتها وقوانينها ومقايساتها التي تكون مرتبطة بكود البناء ومواصفات أنظمة المبنى وأساليب النظام الضرائبي والتمويلي ونسبة الفائدة والربح المركب.
وفي المملكة والعالم العربي لا تخضع هذه العملية لأي نوع من المقايسات والأساسيات، إنما هي اجتهادات شخصية تختلف من أفراد لديهم خبرة إلى مؤسسات داخل المدينة، حتى على مستوى الدولة الواحدة. ومع أن المفروض أن يقوم بها هيئات موثقة ورسمية مشهود لها بالخبرة المتراكمة ومعرفة السوق إلا أن بعض الدخلاء يستغلون هذه الحالات التي تتطلب الدوران حول الأنظمة. بل تقوم بعض الغرف التجارية بتأهيل مثمنين غير أكفاء من خلال دورات لأيام معدودة. وهي تمر بممارسات خاطئة تشوه وتزعزع ثقة المواطنين والمؤسسات بصحتها، وبالتالي تترك وصمة على القطاع العقاري والاقتصادي للدولة. وتسببت الممارسات الخاطئة والتلاعب من فئة قليلة خلال السبعينيات الميلادية في المملكة في توقيف الرهن العقاري، وهو ما يعانيه الاقتصاد السعودي حتى الآن بسبب ممارسات غير نظامية لقلة من الأفراد، لكنها أثرت في الأغلبية بدلاَ من محاولة معاقبة المذنبين.
وأسس التقييم والتثمين عالميا لا يقوم بها إلا مؤسسات أو أشخاص مرخصون بعد اجتياز امتحانات رسمية. وترتبط معظمها بنظام جباية الضرائب، حيث إن جميع عقارات مواطني البلد يتم تقييمها من قبل جهة رسمية لمعرفة نسبة الضريبة عليها، ولكل فرد أو مؤسسة على حدة. ثم تأتي بعدها ممارسة المصارف للرهن والتمويل العقاري. وبذلك فهي طقوس مسلم بها ومتفق عليها ولها أسسها العلمية والمهنية.
وترتكز عملية التثمين على معرفة الخواص الطبيعية للمبنى مثل تحليل الموقع لمعرفة مساحة الأرض ومساحة البناء واستعمال المبنى واستعمالات الأراضي حوله وإطلاله على الشوارع المحيطة ومدى الاستفادة من استغلال المبنى أو استثنائه من أنظمة البناء. وحالته الإنشائية وجودته والعمر الزمني لمواد التنفيذ وأي مميزات إضافية. ثم تأتي الخواص المالية له مثل طريقة التمويل والديون المتبقية ومعدل التأجير السنوي ومعدل الفائدة. وتحليل التكلفة ومقارنتها بالبيع المباشر أو عن طريق الوسيط أو التسويق والإعلان والعائد الإيجاري الشهري والسنوي مع معدل فائدة وتضخم وربحي. ورأس المال الإضافي المتحصل عليه بسبب حيازة المبنى. ثم تأتي الخواص القانونية لفك الرهن واحتمالات تغير الأنظمة البلدية للحي أو وجود كود للبناء. لذلك فلا بد من إيجاد مؤسسة أو هيئة مدنية لتتبنى عمليات الممارسة المهنية للتقييم والتثمين العقاري.
ومن الأخطاء الشائعة في الممارسة العربية للتقييم عدم الاهتمام بمواصفات كود البناء، الذي ما زلنا ننتظر ولادته المتعسرة، لذلك فإن من المهم أخذ النقاط التالية في الاعتبار في مسألة التقييم:
- فحص هندسي للخرسانة والأعمدة والأساسات لمعرفة العمر الزمني للخرسانة أو الحديد.
- تكاليف هدم وإزالة المخالفات للمباني الهالكة بغرض بناء مبنى جديد.
- نوع العزل المائي والحراري المستعمل وهل عليه شهادة فترة ضمان.
- جودة التنفيذ للهيكل والأسقف والرخام والتشطيبات والأنظمة وضمانات المقاول.
- وجود مخططات كما نفذت للمشروع وكتالوجات الصيانة.
- تكلفة التصميم والإشراف وإدخال الخدمات أو هدم الجبال والحفر، ولا بد من احتساب ربح معقول للمالك يتعدى نسبة الفائدة الحالية والسعي.
- اعتبارات أخرى مثل تعرض المبنى للصيانة الدورية ومرونة المبنى للتعديل أو زيادة الأدوار أو مساحة البناء.
- توافر الخدمات حوله ومواصفات السلامة والحريق.
- التنسيق الخارجي والأسوار.
- في حالة التثمين عن طريق احتساب كميات مواد البناء في المبنى يجب ألا ننسى أن المالك تكلف كميات أكبر من الموجودة، لكن بعضها تكسر أو تلف أثناء البناء.
لذلك فإن قرار تكوين هيئة وطنية تشرف على موضوع التثمين وتضع أساسياته وأنظمته وتشرف عليه وتراقبه أمر مهم ويجب سرعة تفعيله لهذه الجزئية المهمة التي تؤثر في الاقتصاد الوطني. وفي الوقت نفسه لا ننسى تأهيل كوادر وطنية في مجال التثمين تقوم بعمل الهيئة.