المساجد والإخفاق في التكيف المناخي

مساجدنا التي بنيت من الخرسانة المسلحة، يلاحظ أن أكثرها قد أخفق في التكيف مع الظروف البيئية المحلية نتيجة تصاميم معمارية أغفلت الحلول التي قدمها لنا أسلافنا في تهوية المسجد، وهي تبدو حلولا بسيطة وراحت لتستبدلها بالكلية بحلول ميكانيكية لم تنل أي حظ من الدراسة العميقة لإيجاد البيئة المناسبة والمريحة التي يشعر معها المصلون بالارتياح والانسجام.
لقد عاشت مساجدنا خلال السنوات الماضية سلسلة من التجارب في محاولة التكيف النهائي مع الظروف المناخية المحيطة، فبعد أن أغلقت فراغاتها بحوائط مصمتة من البلوك الخرساني مع فتحات نوافذ زجاجية صغيرة، بدأت أول ما بدأت بالتكييف الشباكي window type الذي لم ينل الرضا التام بسبب الضجيج والضوضاء المنبعثة منه والتي يتردد صداها في فراغ المسجد، كما أن من الصعوبة بمكان تكييف مكان رحب كالمسجد من خلال هذا التكييف أثناء مدة زمنية قصيرة تنحصر في الغالب بين أذان المؤذن للصلاة والإقامة لها.
وبسبب هذا الإخفاق اضطرت أغلب المساجد بعد ذلك إلى استبدال هذا التكييف بأجهزة أخرى ضخمة تقوم بدفع الهواء إلى الداخل ولمسافات بعيدة، إلا أنه برزت مشاكل من هذا الحل لم تكن بأقل من سابقتها، حيث نجم عن دفع الهواء بصورة شديدة مشاكل صحية لبعض المصلين، خصوصاً ممن هم كبار السن الذين لا يتحملون مثل هذا الدفق الشديد من الهواء، ولذا ترى بعض المصلين يقوم بشكل تلقائي بتحويل مسار التكييف عن وجهته مباشرة أو القيام بإغلاقه نتيجة عدم تحمل برودته الشديدة، وكان التصرف المضاد من إدارة المسجد لمنع فعل ذلك هو حلول متباينة أقساها هو تركيب شبك حديدي يجعل من المستحيل صرف الهواء عن وجهته أو إغلاقه من قبل المصلين، وفي الوقت الذي يفترض أن يكون المسجد مكاناً يتمتع فيه المصلي بالهدوء والسكينة وعدم الضجيج بما يتناسب وقدسية هذا المكان الطاهر، فإننا نجد أنه حال تشغيل هذه الحلول المتمثلة بأجهزة التكييف الضخمة ينعدم هذا المطلب، إضافة إلى ما تستهلكه هذه الأجهزة من طاقة كهربائية عالية عند تشغيلها.
ولم تكن تدفئة المسجد بأوفر حظاً من تبريده، ففي كثير من الأحيان لا يؤخذ في حسبان التصميم وضع أي تدفئة للمسجد، ولهذا نجد الحلول متباينة في هذا الصدد، فهناك المساجد التي تضع مدفئات كهربائية في الصف الأول فقط، ولا يحقق ذلك توزيعاً عادلاً لانتشار التدفئة في أرجاء المسجد، بل على العكس يتضرر الصف الأول من تركيز الحرارة عليه، وأخرى تخلو تماماً من وسائل التدفئة فتصبح باردة يصعب المكث فيها للصلاة و الذكر.

ظاهرة الاحتباس الحراري في المسجد

إننا نعرف جيداًً ظاهرة الاحتباس الحراري للأرض، وهي المشكلة التي تواجه كوكب الأرض اليوم وذلك أن درجة حرارة الأرض قد ازدادت خلال السنوات الأخيرة، نتيجة زيادة الأنشطة التي يقوم بها الناس على سطح الأرض، وحيث غلفت الأرض بغلاف جوي فإن الهواء الساخن من خصائصه أنه يرتفع إلى أعلى فيصطدم بالغلاف الجوي فتنعكس إلى الأرض لترفع درجة حرارتها.
وعلى مقياس صغير جدا هو الفراغ الداخلي للمسجد، تحدث ظاهرة شبيهة بالاحتباس الحراري وذلك حينما تكتظ الأنفاس في المسجد يرتفع الهواء الساخن إلى أعلى فيصطدم بسقف المسجد إلى أن يمتلئ الفراغ العلوي للمسجد ليصل إلى رؤوس المصلين فيبدأ الشعور بالحرارة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي