شماغ العقل.. رائحة وعي العيد
بخلاف ثوب الـ ''تترون'' الجديد، وربما الطاقية! وبريق الحذاء، إن تيسّر! تحتفظ ذاكرة العيد بصورة يصعب أن تمحى! أذكر فيها التصاق وجوهنا الصغيرة بشماغ ''العقل''، لتسكننا الهيبة بعد أن أسكنتنا الرائحة.
طقوس ليلة العيد لم تجلب النوم يوماً، وكنا ندخل إلى أماكن نومنا مجبرين، لنمارس السهر.. سكارى على نشوة المأمول في غد! كم عشقنا صنع اختلاف في واقع يأبى أن يتبدّل.. وعمر من سبقونا تبدد.. في سعي لإثبات حياة!
إن كنت ممن تعدد أشقاؤه، فحتماً سيكون هناك شقيق قد غلبه النوم! قبل أن يتسيّد صوت الأب المنادي بأسماء تعرفها جميعاً، ولكنك تود أن تراها من جديد لتتعرف على أثر العيد فيها صبيحة ذاك النهار!
قبل الصلاة..
تنهمك أمي في إلباسنا، ولا نرضى.. حتى تكتمل ''السكبة'' على يد أبي بتعديل المرزام، ولكن المرزام يأبى إلاّ أن يتحرر من ثباته عند أول التفاتة للتحقق من الأصوات القادمة من نافذة المجلس.. رفاق الحارة بدؤوا فعلاً في التوجه إلى مصلّى العيد!
كنت أسعد كثيراً بحمل سجادة صلاة العيد الكبيرة! أذكر أنها كانت تتسع لأجسادنا وأجساد آخرين ممن يدعوهم أبي للجلوس أثناء إلقاء الإمام للخطبة! ولا يلازم وجوهنا أكثر من رائحة شماغ ''العقل'' الجديد.. كانت رائحة لا تقبل المنافسة، ولا ترضى أن يحل محلها الدخون والأطياب.. مهما حاولت!
كانت ظاهرة شماغ البسّام قد بدأت تتسلل إلى رؤوس الشباب، أما الآباء الأكبر سناً، فقد احتفظوا بالغترة للتأكيد على الانتماء لفئة الموظفين، كطقسٍ شاع في الستينيات من القرن المنصرم، واستمر الطقس حتى نهاية السبعينيات، تقريباً!
في الجموع، كان للشماغ دلالة دامغة على الانتماء المناطقي، فالرأس المتشح بالشماغ البرتقالي، وأقدام الرجال المخضبة بالحناء المتشبثة بغائر الشقوق.. لا يمكن أن يمزجها الوعي مع من اختار شماغاً بلون آخر! يحدث هذا في وعي طفل أُجبر خياله على إتقان التصنيف!
يشرد عقلك أثناءها.. متذكراً أضحية تنتظر تذكية والدك لها في فناء البيت، ومهمة توزيع لحمها على جيران يعرفون اسمك!
رغم اختفاء وجهك خلف ''العقل''.. ورائحته!