الاقتصاد الإسلامي وأزمة بناء النظرية

بعد أعوام من الدراسة والبحث ومجموعة من المؤلفات ما زالت نظرية الاقتصاد الإسلامي غير محررة في نظر كثير من العلماء والخبراء والباحثين في هذا المجال. في رحاب جامعة الملك عبد العزيز وبتنظيم من معهد الاقتصاد الإسلامي انعقدت ورشة عمل مستقبل الاقتصاد الإسلامي وذلك في الفترة بين 27 إلى 28 ذو الحجة لعام 1433هـ الموافق 12 إلى 13 تشرين الثاني (نوفمبر) لعام 2012، تناولت ورشة العمل مجموعة من القضايا بدأت بالمنهجية ثم التنظير وبعده التطبيق للاقتصاد الإسلامي، وكان النقاش ثريا رغم التباعد في وجهات النظر حول هذا الموضوع، الذي أصبح قضية عالمية عطفا على الاهتمام العالمي بالاقتصاد الإسلامي، إذ إن العالم بعد الأزمة المالية العالمية، أصبح يبحث عن حلول تعالج جانب الخلل في النظام المالي والاقتصادي، وأصبح إدراج الأخلاق كبعد أساسي في الأنظمة المالية الحالية أمرا مهما للحد من آثار الجشع الذي أضر بالأسواق العالمية، ولذلك فإن الرجوع إلى الأنظمة الاقتصادية المقتبسة من الوحي، خصوصا النظام الاقتصادي والمالي الإسلامي ومنظومة الأخلاق في الشريعة الإسلامية، سيكون له أثر في وضع إطار أخلاقي لكثير من المعاملات في الاقتصاد العالمي.
السؤال هنا: كيف يمكن لنا بناء نظرية للاقتصاد الإسلامي؟
بناء النظريات الاقتصادية الوضعية نشأ من خلال قراءة لسلوك الأفراد والمجتمع، إذ له علاقة وثيقة بعلم الاجتماع، وتتطور هذه النظريات بناء على تطور المجتمع، لذلك نجد أن النظرية الرأسمالية نشأت من خلال النظرة إلى غرائز الفرد وكيف يمكن الاستفادة منها فيما يخدم المجتمع.
أما فيما يتعلق بالاقتصاد الإسلامي فإن مصدر هذا العلم لا بد أن يكون مقتبسا من التشريع الإسلامي، وبالتالي فإن وضع نظرية للاقتصاد الإسلامي لا بد أن ينشأ من خلال استقراء للشريعة وإلمام شامل بها، وعند النظر إلى تطور العلوم الإسلامية نجد أن ذلك نشأ من خلال تراكم المعرفة، وتأليف علماء عباقرة موسوعيين في التاريخ الإسلامي، كعلم الأصول الذي بدأ به الإمام الشافعي وعلوم القواعد الفقهية ومقاصد الشريعة وغيرها، وفي عصرنا قد لا نجد العالم الموسوعي الذي يمكن أن يؤطر لهذا العلم، لكن يمكن تعويض هذا القصور من خلال عمل جماعي مشترك، بجهد مستمر وفاعل للخروج بعمل متكامل، ولا يكفي أن ينشأ من خلال ملتقيات وإن كانت مهمة لإبراز الفكرة والمشاركة في وضع خطة عملية لها، وبعد وضع الإطار العام لنظرية الاقتصاد الإسلامي ينبغي أن يتم إبراز انعكاساتها على سلوك المجتمع والإنسان الاقتصادي، بما يتطلع إليه من تلبية الاحتياج وعلاج المشكلات التي تواجه حياتهم الاقتصادية.
الاقتصاد الإسلامي في كثير من الأطروحات غالبا ما يركز على المصرفية الإسلامية والبنوك والنقود، ولذلك تبرز غالبا قضايا مثل الربا والغرر، ولا شك أن للبنوك في هذا العصر أهمية، فهي ظاهرة اقتصادية مهمة حيث أصبحت جزءا مهما من مكونات الاقتصاد، بل يعدها البعض شريان الاقتصاد، لكن الاقتصاد الإسلامي لا يقتصر على البنوك، فهي جزء من أحد أقسام الاقتصاد الإسلامي، حيث إن هناك قضايا مثل الزكاة والصدقات والأوقاف والنفقة، وسلوك المجتمع فيما يتعلق بالاستهلاك والمحافظة على الثروة، ونظرة الإسلام للموارد، وهل الأصل فيها الندرة أم لا، إضافة إلى قضايا تتعلق بسياسات الدولة في إدارة جمع وتوزيع الموارد بصورة عادلة، وتحقق التنمية في المجتمع، إضافة إلى العناية بالخدمات الأساسية وتوفيرها وغير ذلك، كما أن لقضايا مثل النفقات التي تتعلق بالنفقة على الأبناء والزوجة، إضافة إلى المحتاجين من الأقارب، والقضايا المعاصرة التي تتعلق بالبطالة وعلاج مشكلة الفقر، كما أن هناك قضايا تتعلق بالنظرة الإسلامية لظواهر اقتصادية معاصرة مثل التضخم وخلق النقود وسياسة تحفيز الاقتصاد والسياسات النقدية وغيرها، فقضية مثل التيسير الكمي الذي تمارسه الولايات المتحدة حاليا ستكون له انعكاسات اقتصادية على العالم ومنه العالم الإسلامي، لكن مثل هذه القضية لم تناقش من منظور إسلامي، لاتخاد سياسات مالية تحقق مصلحة المجتمعات المسلمة.
الخلاصة أن بناء النظرية للاقتصاد الإسلامي ما زال قضية تحتاج إلى مزيد من التركيز والجهد، وأطروحات الملتقيات المتعددة تتفق على أن مصادر الشريعة هي مصادر للاقتصاد الإسلامي، وهذا أمر لا يحتاج إلى كثير من التفكير، إذ إنه من المسلمات، لكن ما هو أبعد من ذلك لا يظهر أنه توجد نقطة متفق عليها للبدء منها في بناء نظرية الاقتصاد الإسلامي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي