مفهوم الحرية وآثاره على المجتمعات
الأسرة هي المحطة الأولى والأساسية في بناء توجهات الفرد وآرائه وأفكاره، ومن المفترض أيضا أن يكون الإعلام الذي يبث داخل أسوار منزل تلك الأسرة هو أيضا يعبر عن مبادئها والأسس التربوية التي تريد أن تقدمها الأسرة بشكل عام، أو لنقل على الأقل أن الدور الأسري عندما يكون فعالا سيستطيع فلترة المشاهد والوقائع الإعلامية التي يراها الطفل، ويجعل منها محورا إيجابيا للتعليم والتربية، وهذا يعني أن الأسرة التي تلتزم بمسؤليتها أمام أفرادها هي التي تجعل من الاحتواء الأسري العاطفي والعقلي بيئة خصبة لبناء التوجهات الصالحة والبناءة من خلال معالجة الأفكار المطروحة وتوظيفها في القنوات الصحيحة، ومما لا شك فيه أن الطفل ينمو بالفطرة على حرية الرأي، فتراه في موقف ما يعبر عن رأيه بصورة تلقائية بالرفض أو القبول أمام الآخرين دون أن يدرك مدى تقبل رأيه منهم، وهذا يشير إلى رأي الإنسان ينشأ في البداية ليعبر بصورة مطلقة دون أي حدود، وكلما كبر الإنسان ونضج خضع رأيه للتقنين بناء على ما تفرضه العقلانية من توجهات وما تبنيه شخصية الفرد من مبادئ وقناعات، وهذا يعني أن حرية الرأي ليست في كل المواقع تحمل الجوانب الإيجابية، وليست من كل الأفراد والعقليات تحمل البناء والتطوير، وعندما نتحدث عن حرية التفكير التي يقوم عليها أحد فروع الحرية، وهي حرية الرأي التي تشكل مساحة واسعة من الحوار وتبادل الأفكار، فإنه لا بد أن نتوقف عند هذه النقطة، فليس كل رأي خاطئ يطلق من المفترض أن يدخل تحت مظلة الحرية، وليس كل سلوك محرم من الممكن أن يصنف تحت سقف الحرية، فالحرية بمفهومها المطلق هي الحرية الحيوانية التي لا تخضع لأي محكات أو معايير إنسانية، وهذا يعني أن الحرية ليست دائما ذلك المفهوم الإيجابي اللامع والصالح، بل لقد كان مفهوم الحرية في كثير من المجتمعات رديفا للفساد الأخلاقي، وكان في مجتمعات أخرى البوابة الأولى لانتزاع الأمن والاستقرار، ولو تأملنا قليلا لوجدنا أن الحرية لا تنافي الشريعة الإسلامية، ولكنها ليست تلك الحرية المطلقة، إنما هي الحرية التي تترك للإنسان مجال الحركة والمرونة، فيما أحله الله- عز وجل- أما الحرية التي أوجدتها المفاهيم البشرية وسنتها القوانين الوضعية هي الخروج عن الجماعة حتى لو كان ذلك الرأي سببا في تفكيك وزعزعة الجماعة، بل لقد اقترنت الحرية بالتقدم أحيانا والتباهي الفكري أحيان أخرى، وبشكل عام ارتبطت بكل ما لا يضبط السلوك والعقل والانفعال إطلاقا، والحقيقة أن الدين الإسلامي دعم حرية الفكر في إطار التنظيم كالشورى ودعمها في إطار العلم والتقدم كحث الفرد على الاختراع والابتكار وكثير من المواقع الأخرى، ولا بد أن تكون حرية الفكر هي إفرازات لأفكار عقلانية، لا أن تكون تلك الحرية الهادمة تحت الغطاء العقلاني، ولا أعتقد أننا نحتاج لأن نتوه كثيرا في تفسير المفاهيم، فالشريعة وضعت أمامنا كنوزا من العلم والأخلاق والمعايير الفكرية والمعجزات الإلهية، فالشريعة الإسلامية ليست هي العبادات فحسب، بل هي منهجية كاملة للحياة ابتداء من إفشاء السلام والاستئذان والالتزام بالعهود وغيرها من القوانين الضابطة والمنظمة للإنسان، وتلك المنهجية التي لا بد أن نستفيد منها في صقل حياتنا بمنهج وسطي يقوم على الاتزان الفكري الذي تنطلق منه الحرية بناء على المعايير الإيجابية للبناء واستقرار المجتمع الذي نحن أحوج ما نكون له في العالمين العربي والإسلامي.