الإعلام العربي والفكر المريض
إن عملية التربية أصبحت في وقتنا الحاضر عملية تكاد تحمل مجموعة من المفاهيم المختلفة والمتفرعة ولم تعد ذلك الخط الموحد الذي يحمل خطي الصواب والخطأ بل لقد اتسع ذلك الخط اتساعا مطاطيا فأصبح يضم من المفردات ما لم يكن يضمه في السابق بل وفي المقابل حذف من المفاهيم أمورا كانت تعتبر من المبادئ الأساسية في التربية في السابق ولكن عوامل التعرية الفكرية والثقافية والاجتماعية أوجدت لنا مفاهيم جديدة ننصاع لها ونتعامل معها خاصة في ضوء اعتبار البعض أن الدين الإسلامي يقتصر على العبادات وما زالوا لم يدركوا أن هذا الدين المتكامل هو أساس تقوم عليه أفضل العناصر التربوية لنمو الإنسان واتساع أفقه ولو سلطنا الضوء قليلا على موضوع بر الوالدين لوجدنا أن مفهوم البر اختلف بين الماضي والحاضر فما يعتبر واجبا تجاه الآباء في السابق أصبح الآن في مفهوم بعض الأسر يدخل تحت التفضل والتكرم والمنة على أولئك الآباء بخدمتهم وبرهم وليت الأمر يقتصر على ذلك بل حتى في الجوانب التجارية والمعاملات اختلف الوفاء بالوعد وبعد أن كانت للرجل كلمته في البيع والشراء وفي دفع الأموال وقبضها أصبحت العقود التجارية لا تكفي لتتبع الحق أحيانا والمحاكم مليئة إلى ذروتها من عمليات النصب والاحتيال في البيع والسرقة بل وإنكار العقود ولا يستنكر ذلك طالما أن الفرد خلط عمدا بين الخطأ والصواب ومع مرور الزمن أصبح الفرد يرى الخطأ ويكابر على صحته وهذا الكلام ليس نظريا فحسب بل إن كتب علم النفس مليئة بالخلط بين تقييم الحقائق والوقائع وأساسها السيكولوجي بل الكتاب والسنة النبوية تدعم ذلك أيضا في وصف قلوب البشر بالحجارة بسبب ابتعادهم عن الحق ومما لا شك فيه أن الإعلام له نصيب الأسد من الالتباس في المبادئ والقيم فلم تعد التربية مقتصرة على الوالدين ولكن الإعلام أصبح المربي الأول للفرد وأي تربية تلك التي تنبع من بوابة القنوات الفضائية التي تغرس الكثير من الأفكار السلبية في مجال عقل الإنسان ليس من جانب ديني فحسب بل من جوانب فكرية واجتماعية وثقافية وقد ندرك ذلك عندما نرى الكم الهائل من المشاهدين وهم يتواصلون مع بعض برامج تفسير الأحلام التي تبث الشعوذة أو بعض البرامج الأخرى التي تضر الفكر أو قد تكون لا تتجاوز فائدتها إضاعة الوقت دون أي فائدة وبالتالي ما هي العقول التي ستنتج من بعد تلك التغذية السلبية.. لا أعتقد أن النتيجة ستخدم التطوير أو التفكير إلى الأفضل خاصة أن الإعلام المرئي أصبح جزءا لا يتجزأ من حياة الناس في كثير من الدول والمجتمعات وهذا ما يدفع إلى القول إننا حقيقة وبلا مبالغة نستقبل إعلاما عربيا مريضا بمعنى الكلمة باستثناء بعض البرامج القليلة المفيدة ولكن بشكل عام تغيب عن ساحتنا الإعلامية القنوات التثقيفية والقنوات التعليمية وغيرها بل هي في عددها لا تتجاوز أصابع اليد ومن هنا فإن التغذية الفكرية أمر يفوق كل الأهمية في وقتنا المعاصر فكم هي حاجة المجتمعات العربية إلى التوعية وإلى التثقيف وإلى التعليم على الأقل من أجل تحقيق الوعي الفكري الذي يحافظ على أهمية مكانة الفرد كإنسان وحاجته إلى الاحترام.