مشاريعنا الحكومية والاستشاري الأجنبي

يقوم عمل المكتب الهندسي الاستشاري في أي مشروع، سواء حكومي أو خاص، على الإشراف المباشر، وتوفير الجهاز الفني، ومراجعة المخططات التنفيذية التي يقدمها المقاول، والإشراف ومتابعة التنفيذ حسب متطلبات المشروع هندسياً وفنياً، إضافةً إلى متابعته لسير الأعمال ومراحل إنجازها، وفحص المواد وغيرها من الأعمال العديدة والمتنوعة الموكلة إليه.
وهناك أعمال استشارية أخرى أودّ الحديث عنها هنا بالتفصيل لأهميتها، تقوم بها المكاتب الاستشارية الأجنبية والمتعاقدة مع بعض الوزارات والجهات الحكومية للإشراف والمتابعة، حيث تسببت في نظري إلى تعطيل بعض من هذه المشاريع، ومن هذه الأعمال ما يلي:
أولا: تقييم المكتب الاستشاري للمقاول والمورّد المحلي أو ما يسمى بـPrequalification حيث يتم التدقيق من قبل الاستشاري على كفاءة المقاول أو المورد من خلال مراجعة جميع المستندات، والشهادات، والسجلات، وشهادات الخبرة السابقة، ومن ثَمّ زيارة الموقع، وإعداد تقارير لحالة المنشأة، وحجم موظفيها، وغيرها من الإجراءات الطويلة والمتعددة التي يقرر من خلالها الاستشاري قبول المقاول أو المورد من عدمه.
ثانيا: إعداد التقارير للأعمال المنجزة وإيقافها أحيانا، أو التوصية بالقبول أو الرفض للمالك، وهي الجهة الحكومية أو الوزارة.
وقبل أن أتحدث عن كيفية تأثير هذه الإجراءات على سير المشاريع وتعطيلها أحيانا، أود أن أشير إلى ما ذكره لي أحد الموردين السعوديين في قطاع توريد المواد الخرسانية حول تجربته الشخصية وما عاناه من التعامل مع أحد المكاتب الاستشارية الأجنبية - وأترك لك عزيزي القارئ أن تحكم بنفسك - حيث يقول لي هذا الشخص بالحرف الواحد، إنه تقدم لأحد المشاريع الحكومية المعلنة التي تقدر تكلفتها بمليارات الريالات - كما يقول - وعلى الرغم من حاجة هذا المشروع لمورّدي مواد خرسانية كُثر من السوق المحلية، قام هذا المورد بإكمال جميع شروط ومتطلبات المكتب الاستشاري الخاصة بهذا المشروع للتعاقد، واستغرق ذلك سنة كاملة للتأهيل فقط، وأخيراً يأتي الرد من الاستشاري بالرفض لعدم قناعته بنوعية التربة التي يستخدمها المورد، وبسبب عدم مطابقتها للمواصفات الفنية. فيقول الشخص: قمتُ بتغيير مصدر التربة أكثر من مرة دون جدوى، علماً أن لديّ شهادة معتمدة بصلاحية التربة من أحد المختبرات الفنية التابعة لأحد المشاريع المشابهة في منطقة العمل نفسها، كما يقول.
أنا لا أعترض هنا على أهمية التقييم والمتابعة لمشاريعنا الوطنية للتأكد من جودة الأعمال المنجزة ومطابقتها للمواصفات الهندسية المطلوبة، ولكن مبالغة بعض المكاتب الاستشارية الهندسية الأجنبية التي تستعين بها بعض الوزارات بالتدقيق على المقاول والمورّد المحلي حرمت كثيراً من الشركات الوطنية فرصَ التأهل لمشاريعنا الحكومية للتنفيذ أو التوريد، وتسببت كذلك في توقف بعض المشاريع وتأخرها بسبب صرامة وشدة إجراءاتها على أمور فنية ثانوية وليست جوهرية، ولا أعلم ما هو السبب في تعقيد هذه الإجراءات بصورة مبالغ فيها من قِبل هذه المكاتب الأجنبية التي تعج بالمهندسين من أبناء جلدتها، ومع الأسف يستعان بهم من خارج الدولة وبعقود أجور عمل لا تتأتى لأبناء الوطن، علماً أنه يوجد لدينا مكاتب وشركات استشارية هندسية محلية ذات خبرة وكفاءة وتعي أولوياتنا الوطنية عندما تتولى إدارة مشاريع الدولة، وكأني بهذا المكتب الأجنبي تنسجم استراتيجية نشاطه وبقائه في البلد مع إطالة أمد مشاريعنا الوطنية.
أخيراً، أتمنى من الوزارات والجهات الحكومية ألا تعطي الثقة المفرطة بالمكتب الأجنبي، بل عليها محاسبته فيما يقوم به تجاه المقاول والمورد السعودي إذا ثبت تضرر الأخير، وألا يبالغ الاستشاري في الشروط الفنية الهامشية على حساب سرعة إنجاز مشاريعنا الحيوية ومصالحنا الوطنية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي