الحملة الأمنية.. مع أو ضد؟
الحملة الأمنية التي تقوم بها الجهات المختصة هذه الأيام هي حديث المجالس ومواقع التواصل الاجتماعي، المجتمع كله يتحدث عنها، الرجال والنساء، الكبار والصغار، المدن والقرى، السعوديون والمقيمون، النظاميون وغيرهم، بل حتى بعض المنظمات الحقوقية أدلت بدلوها.
البعض يؤيد بقوة هذه الحملة، بحجة أنها تقوم بما يجب القيام به، بينما البعض الآخر يعارض الحملة تماما بحجج مختلفة، فالمفاجأة غير عادلة لهؤلاء المخالفين وللجهات التي يعملون لديها والأولى أن يتم إعطاؤهم مهلة للتصحيح، والحجة الثانية أن الحملة ستزيد تكلفة الخدمات نظرا لتأثر السعر بانخفاض المعروض من الخدمات، وبالتالي الندرة لها ثمن، والحجة الثالثة أن هؤلاء المخالفين حصيلة ما تراكم خلال عشرات السنين، وبالتالي يجب أن يتم العلاج بمنهج مشابه.
وقبل الخوض في غمار هذا الموضوع الشائك، فإني أقدم الشكر والامتنان لكل مقيم على أرضنا الحبيبة، ودخل إليها بشكل نظامي وأقام بطريقة نظامية، ونفع البلد في قطاع خاص أو عام، ومن هؤلاء معلمون ساهموا في تعليمنا، وخبراء استفدنا منهم في مراحل مختلفة، وأطباء سدوا نقصا في خدماتنا الطبية، وعاملون في مختلف المجالات كانوا بذرة خير ونفع في أي مجال عملوا فيه.
كما أنني أتعاطف مع بعض المخالفين ممن ابتلاهم الله بكفلاء سعوديين كانوا واجهة مظلمة لكل ما هو سعودي، سواء ببيع التأشيرات وجمع الإتاوات من هؤلاء العاملين أو بسوء تعاملهم مع مكفوليهم، وإن كنت لا أوافق بأي حال على بقاء أوضاعهم بلا تصحيح، وأتعاطف أيضا مع بعض من لجأ إلى المملكة فارا بدينه أو هاربا من الموت، أو من الفقر الذي لو كان رجلا لقتله علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، كما أنني لا أوافق أبدا على بقاء أوضاع هؤلاء بلا تصحيح.
المخالفون أنواع، منهم من دخل المملكة بشكل غير نظامي، ومنهم من دخل بشكل نظامي، لكن لم يرجع إلى بلده، ومنهم من هرب من كفيله ويعمل لحسابه الخاص أو لدى الغير بغير علم ورضى كفيله، ومنهم من يعمل لدى جهة أخرى برضى وعلم كفيله، ومنهم من يعمل لدى الكفيل لكن في إحدى مؤسساته بخلاف التي هو على كفالتها، ومنهم من يعمل لدى الكفيل، لكن في مهنة مختلفة عن المهنة التي تم استقدامه عليها.
الحملة الأمنية التي أطلقتها وزارة الداخلية ووزارة العمل، حملة كانت مطلبا لجميع فئات المجتمع، فالمواطنون تأذوا كثيرا من هروب العمالة المنزلية، حيث يهرب السائق والخادمة النظاميان ليعملا بشكل غير نظامي إما في المهنة نفسها أو في مهن أخرى، وصغار التجار تأذوا، بسبب المنافسة مع المحال المتستر عليها التي تمارس العمل عن طريق محال مرخصة لكن لحسابها الخاص، والجهات الأمنية تأذت، بسبب صعوبة السيطرة الأمنية على هذه العمالة.
في اجتماع لوزير العمل مع أعضاء مجلس غرفة الرياض، كان الوزير يدافع بضراوة ومنطق اختلف معه كثير من الحضور حول الرسوم على العمالة وهي مبلغ ٢٠٠ ريال شهريا التي أقامت الدنيا ولم تقعدها حتى الآن، لم أختلف مع الوزير حول قناعاته، اختلافي كان في ترتيب الأولويات، وكان تعليقي على الوزير بأن الأولوية هي للتخلص من العمالة المخالفة، العمالة المتستر عليها، العمالة المنتشرة في الشوارع وليس لها ضابط ولا رقيب، العمالة الهاربة وغير النظامية التي تستخدمها شركات المقاولات الكبرى والصغرى، وتستخدم في بناء المشاريع الحكومية في جميع المهن، وهذا في رأيي أولى من معاقبة الجهات المطبقة للنظام.
لا أعتقد أن هناك مواطنا مخلصا واعيا، يختلف مع أهداف وأهمية هذه الحملة، التي ستكون بلا شك لها آثارها الكبيرة في سوق العمل، بل التجارة الداخلية بشكل عام، والأهم من ذلك الآثار الأمنية التي يطلبها كل مواطن ومقيم.
الاختلاف ليس على المهمة والأهداف، لكن قد يكون الاختلاف على التفاصيل، فمثلا لا أختلف مع أهمية إيقاف العمالة السائبة ''مع تحفظي على كلمة سائبة'' الذين تجدهم في مواقع معينة ينتظرون أي سيارة لتحملهم إلى مواقع العمل، وهؤلاء في الغالب الأعم لا يحملون إقامات، أو هاربون من كفلائهم، أو ممن اشتروا إقاماتهم من كفلائهم بمبلغ مقطوع وبإتاوة سنوية كانت أو شهرية.
الحقيقة التي يجب أن نعيها جيدا ونستوعبها أثناء الحملة وبعدها، هي أن أكثر المخالفين لم يكونوا مخالفين إلا بسبب أنهم وجدوا مواطنا يستخدمهم، فالشغالة تفر من كفيلها، لتجد مواطنا آخر يؤويها، والسائق كذلك، والعامل المخالف لو لم يجد مواطنا أو شركة تستخدمه لما كان مخالفا ولانقطعت به السبل، والأدهى والأمر أنه لو لم يوجد ذلك المواطن الجشع الذي يسرح مكفوليه في أرض الله ويرغمهم على دفع الإتاوات له شهريا وسنويا وعند التجديد وعند الخروج والعودة، لما وجدنا الكثير من العمالة المخالفة في كل مكان.. وهكذا، وفي رأيي، أن العقوبة يجب أن تنصب أولا على هذا الصنف الأخير المتستر على المخالفات النظامية، والمتعدي على آدمية العمال في البقعة التي صُنعت فيها الحرية.
أما وقد أنهيت كتابة هذا المقال، وإذ بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين بإعطاء فرصة للعاملين المخالفين لنظام العمل والإقامة لتصحيح أوضاعهم في مدة أقصاها ثلاثة أشهر من تاريخه، ومن لم يقم بذلك فيطبق في حقه النظام، وهذا تفهم رائع وقرار صائب من قبل الملك - حفظه الله.
كي تكون هذه المهلة والممارسات التي تليها إيجابية الفعل والصدى، فإني أرى أن يتم التأكيد على:
- قيام وزارة العمل والجوازات بجهود مضاعفة في سبيل تصحيح أوضاع المخالفين خلال هذه المهلة، ومن ذلك تسهيل الأوضاع والإجراءات والتعقيدات والروتين والبيروقراطية الممقوتة.
المعاملة الإنسانية العادلة للعمالة غير النظامية مهما كانت مخالفتها.
التساهل في تصحيح وضع العاملين الذين يعملون عند الكفيل نفسه في مهن مختلفة عن مهنهم التي تم الاستقدام عليها، أو في إحدى الشركات التي هو شريك فيها وإن كانت مختلفة عن الشركة التي تم الاستقدام عليها.
التساهل في تصحيح وضع العاملين الذين يعملون لدى غير كفلائهم بعمل دائم ومستقر.
إيجاد الحلول لعمل المحارم مثل المعلمة أو الطبيبة أو الفنية التي تعمل وهي على كفالة زوجها أو والدها، في رأيي، أنها أولى من قيام المدرسة أو المستشفى باستقدام معلمة أو طبيبة أو فنية من الخارج، كما أن هذه المهن يعتبر تنوع الخبرات فيها ميزة نوعية للمستفيد، وبالتالي فإن إيجاد مخارج لهؤلاء وسماح النظام بذلك وفق ضوابط معينة وعادلة أمر مهم مع عدم المساس بنسب السعودة المطلوبة من تلك الجهات.
أخيرا.. أُذكّر بأن إنسانية الدول والشعوب تتشكل بآدمية وحسن تعاملهم مع الوافدين في كل مكان وعلى كل صعيد، وكلما كان التعامل أكثر إنسانية كان الرقي والحضارة عنوانا لذلك الشعب وتلك الدولة، حتى لو كان مهاجرا غير شرعي، أو مقيما غير نظامي، فكيف بنا ونحن أمة النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي قال فيه الله سبحانه وتعالى: ''وإنك لعلى خلق عظيم''.