أزمة الإسكان بين 3 وزارات

قبل عامين صدرت توجيهات خادم الحرمين الشريفين بتخصيص مبلغ 250 مليارا لبناء 500 ألف وحدة سكنية. وقبل أيام صدرت التوجيهات الملكية الكريمة بتنظيمات جديدة تهدف إلى تسريع مشروع الإسكان ما يؤكد حرصه ـــ يحفظه الله ــــ على راحة المواطن وتوفير السكن المناسب.
وفي أول لقاء لوزير الإسكان مع اللجنة الوطنية للمقاولين في مجلس الغرف التجارية في الرياض، ركّز ومَحوَر معاليه النقاش حول نقطة لا يُختلف على أهميتها في حل أزمة السكن، وهي عملية تطوير الأراضي بمعنى البنية التحتية ''تجهيز المخطط لاستقبال الخدمات''، لكن ليست هي كل شيء؛ فعملية البناء لا تقل أهمية خاصة في هذه الفترة التي توشك أن تصل فيها شركات المقاولات إلى درجة الإشباع، ما يعني عدم قدرة المقاول على قبول مشاريع جديدة، وهذا يؤدي بدوره إلى زيادة العروض أمام المقاول الأمر الذي يرفع أسعار تكلفة البناء فيقوم باختيار العرض الأفضل له. وعلى المواطن في المقابل هو السعر الأعلى، وبالنظر إلى المعادلة التي تبدو معكوسة بالنظر إليها من الطرف المقابل المالك أو صاحب المشروع نجدها قلة العرض وزيادة الطلب، وببساطة أيها المواطن ليس أمامك سوى هذه الخيارات وهذا المستوى المتدني وهذا السعر المرتفع، وقد ندخل إلى دوامة سوق الأسهم، وبدلا من عبارة هذا العرض يسري لمدة 30 يوما نجد عبارة الأسعار قابلة للتغير بعد ثلاثة أيام، خاصة أن وزارة العمل لم تراع الآثار السلبية على المواطن التي تنتج من بعض قراراتها في هذه الفترة وخلال هذه الطفرة التي في وطننا الغالي تعني وبنسبة أكبر من 90 في المائة البناء أو مشاريع تعتمد على البناء، ولم تتخذ وزارة العمل التدابير الضرورية لمتطلبات هذه المرحلة وحاجة الدولة، وليس المقاول، لوفرة الأيدي العاملة النظامية تحت مظلة ترتيبات وأنظمة مرنة تراعي مصلحة الوطن والمواطن والمتعاقد والمقاول على حد سواء؛ فالمقاول سيتعافى بعد فترة وبقوة وسيرفع أسعاره طبقا لأسعار التكلفة، فتكلفة الاستقدام والرسوم التي تدفع وارتفاع الأجور والرواتب وكل ما سيأتي مستقبلا سيجير على حساب المواطن بطريقة أو بأخرى، وليس مستبعدا رؤية أسعار خيالية للمشاريع الحكومية والقطاع الخاص كما حدث في عالم الأراضي، ومؤشرات هذا الارتفاع بدأت بارتفاع أسعار المواد وأجور الأيدي العاملة في المهن التي يُعرض عنها ولا يُجيدها شباب الوطن ولا يمارسها حتى اليوم إلا المتعاقد.
لقد شاركت بكتابة معلومة بسيطة ومهمة جدا في ''الاقتصادية'' سابقا، وهي أن إشكالية أزمة السكن وتنفيذ نصف مليون وحدة سكنية تكمن في البناء وليس في الأرض ''والدليل عجز أو فشل وزارة الإسكان في بناء وحدات سكنية يتناسب عددها مع مساحة الأراضي التي استلمتها'' في الوقت الذي تؤكد فيه وزارة الإسكان على شح الأراضي، وحيث إن وقتها وما تحت تصرف الوزارة من أراض وحسب تصريحات وزير الإسكان ومعايير الوزارة كان بالإمكان بناء ما لا يقل عن 100 ألف وحدة سكنية خلال العامين الماضيين بالتعاقد مع شركات وطنية أو بالاستفادة من الشركات العالمية الأوروبية أو الآسيوية أو غيرها ذوات الخبرات ''ولمن له وجهة نظر مخالفة لعملية التعاقد مع شركات دولية، نسأله فقط من العمالة التي تقوم بالبناء الآن؟''. وأعتقد وفي زمن الشفافية التي نعيشها نحتاج إلى توضيح من وزير الإسكان. وسبب تكرار الحديث عن الموضوع ما أعدته وزارة الإسكان للمواطن من مفاجآت، ففي الوقت الذي يحرص خادم الحرمين الشريفين على توفير السكن وفي أقل مدة ممكنة وليس غريبا عليه - يحفظه الله؛ فالكل شاهد الملك وهو يأمر بتنفيذ مشروع توسعة الحرم في المدينة المنورة خلال عامين، وما ذلك إلا حرصه ـــ يحفظه الله ــــ على راحة الحاج والمعتمر وزائر المدينة المنورة، فكيف باهتماماته الكبيرة بالمواطن وأمره بتوفير السكن له ومتابعته الشخصية واعتماد المليارات لبناء السكن للمواطن، لكن يبقى دور وزارة الإسكان ووزارة المالية، وسؤالي هو متى ستستجيب وزارة المالية مباشرة، أم ستقترح تخفيض مبلغ القرض وتصغير مساحة الأرض الممنوحة، وماذا ستكون وجهة نظر وزارة الإسكان؟
من سيتولى بناء نصف مليون فيلا؟
قد يبدو ما استعرضناه هنا حديثا من الماضي وهو ليس كذلك، إنما هو توضيح لصورة وحال المواطن المنتظر لاستلام أرض ومبلغ جزئي من قرض لبناء سكن ليته لم يحلم به كان أهون عليه وبعيدا عن العواطف وبلغة قريبة من الأرقام لنفترض جدلا أن الوزارة قامت خلال سنة أو سنتين من الآن بتسليم نصف مليون مواطن قطع أراض مطورة مع جزء من مبلغ القرض ''مبلغ القرض كاملا 500 ألف ريال لا يكفي في بعض المدن مع الارتفاع المستمر في الأسعار''، ولنفرض أنه تم توزيع هذه الأراضي خلال عامين آخرين فأين سيجد المواطنون نصف مليون مقاول (بالطبع لم نستبعد احتمالية أكثر من مشروع لمقاول واحد) ليبني له؛ ولأن الشركات الكبيرة لا تقبل المشاريع الصغيرة التي تشتت تركيزها وهي مهتمة بمشاريع الدولة أو المشاريع الأهلية ذات الجدوى، وكذلك حال الشركات والمؤسسات المتوسطة لا تقبل بهذه الأسعار وتحتاج إلى الصرف على المشروع وانتظار صرف دفعات القرض للمواطن لتستلم وتكمل عملية البناء، وأما المؤسسات والشركات الصغيرة ''إذا استمرت في السوق'' فليس لديها القدرة المالية لتمويل المشروع والصرف عليه في بدايات التنفيذ وإن استطاع بعضها فلا يكفي والقادر منها لا يستطيع تنفيذ مشاريع عدة في وقت واحد. وهنا نقف عند ما لا نريد أن نخوض فيه ونترك للقارئ فسحة من التفاؤل.
الخلاصة:
هل تعلم الجهات المسؤولة بظروف السوق وحاله؟ نعم، خاصة أن ثلاث وزارات ''المالية والعمل والإسكان'' مرتبطة ارتباطا وثيقا بالطفرة التي نعيشها وتمثل كل واحدة منها ركنا من أركان الطفرة، السيولة والمشاريع وتنظيم وتوفير فرص العمل وتوفير السكن. فهل تم وضع تقديرات لحجم الاحتياج الفعلي المطلوب لهذه المشاريع الكبيرة ومشروع الإسكان بصفة خاصة، وما نحتاج إليه من مواد خام وأيد عاملة وغيرهما أم تم الاعتماد على نظرية اسحب العمالة الوافدة من السوق تحل جميع المشاكل الاقتصادية.
إذا لم تستطع وزارة الإسكان ''وبكل ما لديها من الإمكانات والدعم'' بناء وتسليم ولا حتى مواطن واحد مسكنا من مشروع النصف مليون وحدة سكنية ''وأقصد تحديدا من مشروع النصف مليون وحدة سكنية وليس من المشاريع السابقة''، إذا لم تستطع الوزارة إيجاد المقاول وبالسعر الذي تعرضه، فكيف يستطيع المواطن عمل ذلك؟ فنحن هنا أمام نصف مليون مشروع كل مشروع بعقد منفصل، فماذا سيكون حجم التعثر فيها، وما مستوى التنفيذ وهي فرصة للمقاول المتلاعب والغاش، والمتضرر هو المواطن؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي