الرهان على الجغرافيا.. هل ينقذ النظام السوري؟

تلعب الجغرافيا من حيث الموقع والتضاريس والحدود السياسية دوراً كبيراً في مسار الدول وسياساتها، والجغرافيا بقدر ما تكون نعمة لبعض الدول، تكون نقمة لأخرى.
النظام السوري، منذ أول يوم للانتفاضة التي تشهدها المدن السورية، راهن على الجغرافيا، فصعد من مواجهته للشعب السوري واستخدم القوة المفرطة أملا في إسكات هذه الانتفاضة مثلما أسكتت انتفاضة حماه عام 1982، وبدأ رهانه على الجغرافيا بتذكير إسرائيل بما عاشته منطقة الجولان من هدوء على مدى عقود أربعة، وأن استمرار هذا الهدوء رهن ببقاء النظام، كما استفاد من الجغرافيا في وجود حليف قريب، هو حزب الله الذي يعد ذراع إيران في لبنان، واستفاد من حدود شرقية تربطه بالعراق ومن خلفه إيران، حيث الدعم اللوجستي الذي يسهم في قمع هذه الانتفاضة، ومن الشمال الجار التركي، الذي إن كانت تصريحاته ينظر إليها على أنها ضغوط على النظام السوري، إلا أنه لا يرحب بانهيار النظام، إنما يريد تغييراً من الداخل يُبقي على كيان الدولة، ويحافظ على السلم بين مكوناتها، فهو يعرف أن أكراد تركيا الذين طالما هدد النظام السوري بإثارتهم، لهم امتداد في سورية، كما لهم امتداد في العراق وإيران، كما يعرف أن طائفة العلويين (النصيرية) التي ينتمي إليها الأسد، لها امتداد كبير في تركيا.
تركيا استطاعت أن تكسب قبولا لدى الشعوب العربية، عبر توجيه رسائل شديدة اللهجة للنظام السوري، وفتح أراضيها للاجئين ولاجتماعات المعارضة السورية، إلا أن تحركات مسؤوليها وتصريحاتهم تُعطي إشارات مخالفة، وتكشف عن قلق من تطورات الأحداث.
موقف إيران مما يحدث في سورية واضح، وهي ترى في النظام السوري واسطة العقد في مشروعها، ولهذا فهي تدعمه بكل قوة، وتسعى لاختراق المعارضة السورية وتشتيت جهودها، كما يقوم الإعلام الإيراني بدور بارز في الدفاع عن النظام السوري.
هذا الرهان على الجغرافيا، لم يتوقف على الدول المجاورة، بل امتد إلى العالم الغربي، الذي يرقب الوضع في سورية من خلال تغليب مصلحة إسرائيل، ولهذا تأتي تحركاته متباطئة ومترددة قياساً بمسارعته إلى التدخل العسكري في ليبيا، فالجغرافيا هنا سبب أول للإحجام عن التدخل، وضعف المعارضة وتضارب مصالحها سبب آخر، يجعل ما تعلنه الدول الغربية لا يتجاوز الظاهرة الصوتية.
النظام السوري أدرك حقيقة الموقف، لهذا سعى إلى تشديد قبضته الأمنية واستخدم مختلف الوسائل لقمع المتظاهرين، بل تحول من نفي ما تقوم به أجهزته الأمنية من عمليات قتل وتعذيب، إلى نشر صور هذه العمليات عبر القنوات الفضائية لبث الرعب في قلوب المواطنين.
أطواق النجاة التي تُرمى لإخراج النظام السوري من محنته كثيرة، وتبقى الكلمة الأخيرة للشعب السوري الذي ينبغي ألا يراهن على أية قوى أو مواقف خارجية.

* تعيد ''الاقتصادية'' اليوم نشر هذا المقال الذي كتبه الكاتب صالح الجاسر في هذه الجريدة قبل نحو عامين وبالتحديد في 13 أيلول (سبتمبر) من عام 2011، حيث توقع الكاتب ما يجري من أحداث حاليا في سورية في تلك الفترة، وهدف ''الاقتصادية'' من إعادة نشر المقال استفادة القراء ومواكبة الأحداث التي تجري حاليا وربطها بتوقعات الكاتب وعلاقات السياسة بعوامل الجغرافيا كعنصر مهم وأساس في استقراء الأحداث.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي