الإخوان .. خطاب بديل
بالغ الإخوان المسلمون في تقدير قوتهم، كما بالغوا في تقدير قيمة انتصاراتهم الانتخابية المتوالية، فتصرفوا كمن يعيد كتابة التاريخ. حقيقة الأمر أن التاريخ لا يتغير في حملة انتخابية، وأن العالم لا يتغير بانتصار حزب على منافسيه. تلك كانت مجرد صافرة البداية في صراع سياسي طويل، لم يظهر سوى فصله الأول فحسب. كان على الإخوان أن يفهموا مكاسبهم ضمن حدودها الطبيعية، أي كنصر سياسي مرحلي ضمن معركة ما زالت فصولها الأخرى في رحم المستقبل.
على أي حال فقد انتهى زمن هذا الكلام، وذاق أطراف اللعبة مرها مثلما ذاق غيرهم عسلها، وهكذا تدور الأيام، يوم لك ويوم عليك.
المهم الآن هو احتساب العبر من تجارب الماضي، والتفكير في المستقبل. يحتاج الإخوان المسلمون وأنصارهم إلى الإقرار بما جرى باعتباره مرحلة وليس نهاية التاريخ. معركة سياسية وليست حربا كونية. وهم في حاجة إلى تجديد شباب الجماعة، بتقديم خطاب سياسي بديل وقيادة بديلة. الخطاب السياسي القديم هزم، مثلما هزمت القيادة التقليدية. الإخوان في حاجة إلى فهم جديد للصراع الذي يخوضونه. هذا ليس صراعا على الدين، وليس صراعا بين الإسلام والكفر. الإخوان – مثل بقية الأحزاب المصرية – أطراف في صراع سياسي محوره وهدفه هو السلطة الدنيوية. هذه أحزاب تتباين خلفياتها الاجتماعية وأيديولوجياتها، لكنها جميعا تملك حقوقا متساوية في بلدها. إسلامية الإخوان لا تجعلهم أكثر حقانية، فهم ليسوا في جدل حول مسألة فقهية، وموضع الخلاف ليس تعريف الأولى بإمامة المصلين.
الاعتبار بما جرى مطلوب أيضا من الطرف الآخر: القاضي الذي احتل مقعد الرئيس، والعسكري الذي قاد الانقلاب، والأحزاب التي وقفت معهم. إذا واصلوا إدارة الدولة بالطريقة التي جرت منذ انقلاب الثالث من يوليو، فقد تتحول مصر – لا قدر الله – إلى دولة فاشلة. مهما قيل من مدائح وأوصاف في الجيش والأمن المصري، فإن تجربة الدول المماثلة تخبرنا أن لا أحد يستطيع إعادة النيل إلى مجراه لو هدم السد العالي. سد مصر العالي ليس الجيش وليس الشرطة، بل توافق المصريين على قواعد لحل اختلافاتهم، وضمان حرية العمل السياسي والاجتماعي لكل القوى، بما فيها تلك التي هزمت.
أسمع اليوم أن رئيس الوزراء يريد حل جماعة الإخوان المسلمين. هذه خطيئة في حق مصر. وربما تكون العتبة التي تقود البلد إلى عصر الفوضى، وتحولها إلى دولة فاشلة. مهما بلغت عيوب الإخوان المسلمين، فلا يمكن إنكار كونهم قوة استقرار في مصر، بديلها الوحيد جماعات على نمط ''القاعدة'' وتفريعاتها. حل جماعة الإخوان سيجعل أشباه ''القاعدة'' مشروعا طبيعيا. وإذا حصل هذا، فليس أمام مصر سوى تاريخ طويل من الفشل والخراب.