حديث الرواتب.. الشق أكبر من الرقعة
خلال الأشهر الماضية طغى الحديث عن الرواتب على كثير من الأحداث المحلية الأخرى واستولى هاشتاق# الراتب لا يكفي الحاجة على اهتمامات عدد كبير من المواطنين، إضافة إلى الكثير من الكتّاب والمثقفين.
الحديث عن الراتب في المملكة حديث حيوي للغاية، فالنسبة الأغلب من المواطنين يعتمدون اعتماداً كلياً على الراتب في معيشتهم، وقطاعات الحكومة ذات العلاقة تؤكد قضية توظيف المواطنين، ما يؤصل لدى المواطن الاعتمادية الكلية على الراتب، يتجلى ذلك بالمبالغة في القرارات المتعلقة بالبطالة والسعودة وأخيراً برنامج حافز. زاد الطين بلة المقارنة الدائمة بالدول المجاورة في مستوى الرواتب التي كنا نعتبر أكثر رفاهية منها، هذان العاملان يبرران المشاركة الشعبية الضخمة في هذا الموضوع.
في المملكة نشأ المواطنون في ظل رعاية مالية من الدولة، بعد توحيد المملكة حتى اليوم، فالدولة رعوية بامتياز، حتى القطاع الخاص فيها يعتمد على مشاريع الدولة وميزانيتها، هذه الميزانية تعتمد أيضاً على النفط كمصدر وحيد للدخل أو لنقل مصدر رئيس ومؤثر.
في أي مؤسسة حكومية كانت أو خاصة يحق لكل موظف المطالبة بزيادة الراتب، فهذه المطالب مشروعة ومفهومة وحق مكفول لكل موظف، والزيادة يسعد بها الموظف، سواء كانت بمبادرة من المؤسسة أو بمطالبة من الموظف، يسعد بها من يحصل عليها، سواء استحقها أو لم يكن جديراً بها.
عند تحليل حقيقة كفاية الراتب نجد فعلاً أن الدخل عند الأغلبية من المواطنين لا يسد حاجاتهم الأساسية، فضلاً عن الكماليات، وهذا يبرر معدلات القروض الشخصية الفلكية في السنوات الأخيرة، كما أن الزيادة في معدلات التضخم وارتفاع الأسعار لا تقارن نهائياً بالزيادة في معدلات الأجور، وهذا ما تثبته الأرقام والحقائق من دون حاجة إلى كثير من التنظير، حيث انخفضت القيمة الشرائية للريال بنسبة ٤٠ في المائة خلال الـ 20 سنة الفائتة.
السؤال هو: هل يمكن اختزال حاجة المواطن في زيادة الراتب؟
زيادة الراتب لن تغني شيئاً كثيراً! لماذا؟
عندما وضع ماسلوا هرم الاحتياجات البشرية، كانت الاحتياجات الأخرى لا تقل أهمية عن الراتب، بل جزء رئيس مكمل له.
زيادة الراتب لن تزيد المراكز الصحية، ولن تحسن مستوى الخدمات الصحية، ولن تضمن أن يجد المواطن حقه مكفولاً في العلاج، دون تقصير ولا تمييز! وبما يتماشى مع الميزانية المصروفة على الخدمات الصحية، وبما يتناسب مع فوائضنا المالية الفلكية!
زيادة الراتب لن تزيد المدارس، ولن تحسن مستوى التعليم، ولن تضمن أن يتعلم أبناؤنا بشكل يضمن لهم حياة كريمة وعملاً وتأهيلاً نفسياً واجتماعياً يتناسب مع قدراتنا المالية!
زيادة الراتب لن تضمن وجود مقاعد في الجامعات، ولن تضمن عملاً لكل خريج، ولا مهنة وحرفة يقتات منها، ولن تمكنه من الزواج وفتح بيت وبناء أسرة!
زيادة الراتب لن تكفي لمواجهة التضخم المتصاعد، ولا الزيادات السعرية المتوالية في المواد الغذائية والسلع الأساسية والكمالية!
زيادة الراتب لن تُحسّن مستوى ثقافة الأسرة في اقتصاديات الصرف، وتغيرها من أسلوبها الحالي الذي يتسم بقلة الفعالية وخلل ترتيب الأولويات، وما يسمى شعبيا ''قل الدبرة'' إلى أسلوب فاعل ومنتج.
وإذا ركزنا حديثنا على الدخل، فإن الأولى من زيادة الراتب تأمين العلاج والتعليم والحياة الكريمة، وهذا لن يكون بزيادة آلية للرواتب تتزايد معها الأسعار، وقد قدمت في مقال سابق مقترحا للبطاقة التموينية وأعتقد أنه مقترح فاعل لغلاء الأسعار وتحويل الدعم العشوائي إلى توجيه مناسب للثروة، يضاف إليها مقترح التأمين الصحي، الذي يضمن حصول المواطنين على فرص شبه عادلة في الحصول على الحق في العلاج.
زيادة الراتب التي تمت في وقت سابق بنسبة ١٥ في المائة لم تؤت أُكلها في حينه؟ حيث زادت من تكلفة الرواتب الحكومية بنسبة عالية في حين لم تعدل في توزيع الثروة، فأصحاب المراتب العليا وهم أقل الناس حاجة إلى الزيادة حصلوا على المبالغ الأعلى، في حين أن أصحاب الرواتب الأقل هم من حصلوا على أقل الزيادات!
الإشكالية الأخرى في موضوع الرواتب تكمن في عدالة توزيع الثروة، فالمطالبات لزيادة الراتب موجهة للحكومة، ما يعني زيادة الرواتب لموظفي الدولة، وفي الحقيقة أن هذا فيه خلل كبير في العدالة، فموظفو القطاع الخاص في حاجة إلى الزيادة مثل موظفي الدولة، والمتسببون والعاطلون عن العمل أكثر حاجة إلى المال من الموظفين في القطاعين العام والخاص.
لست ضد زيادة الراتب، بل أعتقد أن المطالبة بها حق من حقوق الموظف في أي مؤسسة كانت، ويجب ألا تكون المطالبة بها تهمة يصنف الناس على أساسها، إلى مخلص وغير مخلص! أو ناصح وفتّان! لكني في الوقت ذاته أعتقد أن موضوع زيادة الراتب وحده لن يأتي بنتيجة كالتي يتوقعها المطالبون بها، فالمطلوب لتحقيق الرفاهية للمواطنين حزمة من التحركات، لا أعتقد أن جهاتنا الحكومية مؤهلة لتنفيذها بشكل فاعل بسبب ضعف التنسيق والبيروقراطية وسوء الإدارة والفساد، وهذه الحالة تذكرني بالمثل الشعبي ''الشق أكبر من الرقعة''.