استراتيجية العناية بالمسنين .. الأولويات والآليات
في المحور الخامس المذكور سابقا (توفير وسائل الترفيه وتغيير النمط المعيشي اليومي) يقضي بأن تتحد توجهات العديد من القطاعات لتنفيذ ذلك على أرض الواقع. هذا لأن عملية التوفير تعني الاتصال والتنسيق والتحرك والاجتماع والخروج بمنتج بني على ضوابط ونظم وصيغت له العبارات في وثائق تجعله رسميا ويدوم إلى أن تتغير الظروف تماما. ولئلا تكون العملية هائمة عائمة يمكن لإمارات المناطق أن تأخذ زمام المبادرة فهي الأقدر على تحريك المشاريع وتسريع عجلة التأسيس والبناء سواءً لمراكز الأحياء أو باقي المشاريع المحلية كالحدائق والمظلات وبعض الملاعب المخصصة للمشي والألعاب الخفيفة. وفي جانب آخر تحسين وسائل النقل ومتطلبات تقديم الخدمة مكانيا وتجهيزًا.
من المعروف أن حق الرعاية الأول يتحمله الابن أو الابنة أو الأحفاد لأنهم هم من يبحثون عن الرضا والدعاء المستجاب - بإذن الله - ورد أفضالهم وإحسانهم بالإحسان. لكن المسنين في حاجة إلى مسؤولية اجتماعية ومؤسسية، حكومية وخاصة، إضافة إلى الاهتمام الفردي. السبب في ذلك عبارة عن مجموعة أسباب أهمها أنهم قدموا للمجتمع والدولة خدماتهم خلال أجمل سنوات أعمارهم بكل جهد وإخلاص وتفان، مساهمين في دفع عجلة التنمية كل فيما يختص ويعرف. ثم إنهم وفي هذه السن يبذلون النصح والإرشاد في شتى المجالات معتمدين على الخبرة التي اكتسبوها في مناحي الحياة المختلفة، وهم بذلك يجنبون النشء والمعاصرين مغبة الوقوع في الأخطاء؛ التي عادة ما يكون تأثيرها سلبيا، وهو ما لا نحتمل حدوثه بتكرار. لذلك ما جزاء الإحسان إلا الإحسان.
في عموم المسألة، هذه المحاور لن يجدي ذكرها شيئا إن لم توضع لها آلية عمل ترتكز على الأولويات ومن ثم متابعة التنفيذ عن قرب. لذلك فبعد أن وضحت ووضعت ملامح الخطة هناك متطلبات لأن يقوم المعنيون بتعليق الجرس لتحديد من يقوم بماذا وكيف يتم ما يراد تنفيذه ثم من بعد ذلك كيف يكون التقييم ليستمر التطوير كما كان مقدرا له ومحققا للازدهار الذي نأمله. وعليه يمكن اقتراح أن:
1 ـ تنشأ لجنة توجيهية تضم ممثلين من جميع الجهات الخدمية بكل منطقة من أبناء المنطقة حتى ينجز العمل كما يأمله كل منهم لوالده ووالدته وكل من لهم حق عليه.
2 ـ استعراض المتاح محليا والممكن أن يتاح في كل نقطة وتكوين مفهوم عن القضايا التي تخص كبار السن للتوجه لحلها.
3 ـ إعداد ورقة عمل توثق من قبل المجلس في كل منطقة تكون دليلا يستعان به عند الحاجة.
4 ـ القيام بالمسح الميداني والتعرف عن قرب على كل مقدمي الخدمات المختلفة لنشر المفهوم بشكل مباشر وسريع وعلى رقعة أكبر.
5 ـ إعداد وإقامة برنامج تشاوري واسع النطاق في المنطقة بحضور مجموعة كبيرة من كبار السن ومزودي الخدمات لتحديد القضايا ذات الأولوية في التنفيذ.
6 ـ وضع ما تم التوصل له في خطة تتم مراجعتها من قبل اللجنة الرئيسة ليس لتعقيد المسألة، بل للعمل على إيجاد حلول لما كان عائقا وصعبا تحقيقه.
7 ـ توزيع هذه الخطة إلكترونيا وطباعتها ورقيا بين أعيان المنطقة ومسؤوليها ليتم التنفيذ ويشعر المسنون بقيمتهم الكبيرة عند أبنائهم ومجتمع المنطقة.
ثم أخيرا لا بد من إعداد مقياس لنوع المخرجات وتقدم العمل واستمرار المسؤول التقدم في أدائه لضمان استمرار العمل بالوتيرة نفسها وضمان بقائه لعقود طويلة.
إذا ما تم ذلك يمكن بعدها أن ننظر بشمولية نحو ما هي أولى الأولويات التي يمكن أن تتخذ من ناحية النظم الإجرائية المصاحبة للتعديلات المذكورة أعلاه. قد نجمع على أن تكون قطاعات: الإسكان، الصحة، النقل، وخدمات الاتصالات هي ما يعتلي رأس القائمة، وبالتالي بمشاركتهم ستحسم كثير من الأمور ومن دون اجتهاد إذا ما أمنا السكن عبر برنامج محلي في كل منطقة حسب توافره أو يمكن توفيره. هذا بلا شك سيشعرهم بالكرامة والأمن والسلامة. كما أن تسهيل الحصول على المواد الغذائية الصحية وتلقي العلاج الأفضل من دون المعاناة في البحث، يمهدان لرعاية صحية متكاملة. ولو بحثنا مجانية النقل العام تكريما لهم وتشجيعا للحركة بدلا من الاستسلام للإصابة بأمراض العصر المختلفة لكان وقعها إيجابيا، بل يمكن أن يحيوا حياة مفعمة بالنشاط مرة أخرى. هذا لأن الأبحاث والدراسات تؤكد مدى أهمية الحركة الصحية للمسنين، بل هي محور بقاء المسن بصحة جيدة وجسم متجانس البنية والقوة.
ليتنا نهتم بجانب كل ذلك بالدراسات المسحية والميدانية المتعمقة والمخبرية المتخصصة. ننتظر من الجهات المختلفة أن تستفيد من النخب الجامعية المتخصصة في كل المجالات وأن تجعل البيئة التعليمية بيئة زاخرة بالعمل البحثي على مدار الساعة لأنها جعلت من المختصين يعملون في بيئة عمل تساعد على الإبداع والابتكار باحثين عن إعاشة المسنين في كرامة وسؤدد.
د. فهد أحمد عرب
@ scientist05